الدين..العامل المهيمن على الاستقطاب السياسي الأميركي..

تاريخ الإضافة السبت 23 آذار 2024 - 1:25 ص    عدد الزيارات 223    التعليقات 0

        

الدين..العامل المهيمن على الاستقطاب السياسي الأميركي..

الإيفانجيليون تمسّكوا بـ«الرئيس القوي»..من ريغان إلى ترمب..

الشرق الاوسط..واشنطن: إيلي يوسف.. بعدما حسم السباق الرئاسي الأميركي لهذا العام بأنه سيكون نسخة معادة لانتخابات 2020، بين الرئيس الديمقراطي جو بايدن ومنافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب، طرح مجدداً التساؤل عن عناصر القوة السياسية والحزبية والجماهيرية التي يراهن عليها الطرفان لتحقيق الفوز في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وفي حين يظل الاستقطاب الحزبي العامل المهيمن - الذي يبدو غير قابل للتغيير في السياسة الأميركية - تشير معظم التحليلات والإحصاءات إلى أن الديمقراطيين والجمهوريين أصبحوا، في المتوسط، متباعدين آيديولوجياً اليوم أكثر من أي وقت مضى في السنوات الخمسين الماضية. وهم حين يتفقون، فغالباً ما يكون ذلك نتيجة للاعتقاد المشترك بأن ليس لديهم سوى القليل من القواسم المشتركة. وكذلك، مع أن الفجوة التي تفصل بينهما تحجب في بعض الأحيان الانقسامات وتنوّع وجهات النظر الموجودة داخل الائتلافين الحزبيين، فإن تلك الفجوة تعود إلى تاريخ يحفر بعيداً منذ بدايات تشكل «الدولة - الأمة»، خلال نقاشات الأميركيين لمسألة دور الدين في سياسة الدولة وهويتها، وعن «التحالف المقدّس» بين الدين والسياسة في أميركا. منذ الأيام الأولى لقيام الولايات المتحدة، وحتى اليوم، يستمر النقاش حول مسألة دور الدين والجماعات الدينية في سياسة الدولة. ففي عام 1789؛ أي بعد تسلم الرئيس المؤسس جورج واشنطن منصب الرئاسة، أعلن واشنطن تكريس يوم خاص لتقديم الشكر والصلاة؛ «لأن الله أنعم على الولايات المتحدة بحكومة جمهورية»، وهو ما يتطلب من الأمة التعبير عن امتنانها. ولكن، بعد 12 سنة، جاء الرئيس الثالث توماس جفرسون ليلغي هذا الاحتفال، مستنداً إلى التعديل الدستوري الأول الذي عدّه جفرسون «جداراً فاصلاً بين الكنيسة والدولة». مع هذا، لا يوجد تقريباً اليوم أي مظهر من مظاهر الحياة السياسية إلا ويكاد يتأثر بالدين، وبأن «الله موجود في كل مكان». ذلك أن الشعار الرسمي للدولة هو «نضع ثقتنا في الله»، وجرى طبع هذه العبارة على العملة الورقية الرسمية للبلاد، كما أنها مثبتة خلف منصة رئيس مجلس النواب الأميركي، ومحفورة أيضاً فوق مدخل مبنى مجلس الشيوخ. أيضاً، لا يزال قَسَمُ الولاء الرسمي أن البلاد هي «في عهدة الله»، لا بل أعيد إحياء «اليوم الوطني للصلاة» مع كل أول يوم خميس من شهر مايو (أيار)، بالإضافة إلى إقامة «صلاة الإفطار الوطنية»، عند كل أول يوم خميس من شهر فبراير (شباط). ثم إنه مع كل خطاب موجه إلى الشعب الأميركي يختتمه رئيس البلاد عادة بالطلب من الله إغداق بركته على أميركا. وعلى الرغم من محاولات إظهار الطابع العلماني، فهذه التقوى ليست كلها مسكونية تماماً؛ إذ أن الغالبية من الأميركيين ما زالوا يرون أن الولايات المتحدة «دولة مسيحية».

سر التقوى الدينية

من جهة ثانية، بمعزل عن توجّه الشعب الأميركي اليوم، من المؤكد أنه لم يكن في نيّة مؤسسي أميركا الأوائل قيام دولة دينية، وكانوا على اتفاق مع اقتناع جفرسون الذي فصل بين الكنيسة والدولة. لكن ما الذي يفسّر كل هذه التقوى الدينية في السياسة الأميركية التي تهيمن راهناً على الحزبين الجمهوري والديمقراطي؟

إذا دققنا في فترات تاريخية طويلة فسنجد أن الدين يكرّر تأثيره على المشهد السياسي الأميركي عن طريق ثلاث خطوات مهمّة:

- الأولى، عندما بادر «المبشّرون» إلى استنكار وشجب ظاهرة اتساع موجة العلمانية والديانات المزيفة، بالإضافة إلى سياسات الحكومة المشجعة لها، وهو ما تسرّب أيضاً إلى التيار السائد في الثقافة العامة والإعلام والتي تنذر الشعب الأميركي بأن عليه أن يغير سلوكه وإلا فسيدفع الثمن في الجحيم.

- الثانية، حين يبادر سياسي متنفذ كالرئيس الأميركي، على سبيل المثال، إلى تلبية الدعوة الدينية والاندفاع نحو قيادة حملة «تبشير» بأفكار المصلحين الدينيين داخل كتلته السياسية. ورغم رؤية كثيرين أن القادة السياسيين نماذج أخلاقية لا يمكن التعويل عليها أو الاعتماد على مصداقيتها، تضطر الكنائس للعودة إلى القول إن الحياة الدينية المكرّسة من أجل المبادئ الأساسية تقبع اليوم في محيط غير ملائم من عالم السلطة والقوة، وتهيمن عليه النفعية السياسية.

- الخطوة الثالثة، تأتي بعد إنجاز بعض الأهداف والإخفاق في تحقيق بعضها الآخر، أو حتى إهمالها، لتبدأ الحركة الدينية الطابع في التفكك، كما هو الحال مع كل ائتلاف. هذا ما جرى مع تكتل «حفلة الشاي» الذي عُد في العقدين الماضيين، الممثل الرسمي للتيار اليميني المتشدّد الذي مهد الطريق للشعبوية المزدهرة في هذه الأيام.

دور الإيفانجيليين

هنا يبرز دور الإيفانجيليين البروتستانت، أكبر جماعة دينية وأكثرها تأثيراً في السياسة الأميركية، الذين جاؤوا إلى «الأرض الجديدة» هرباً من الاضطهاد الديني والمذهبي الذي عانوا منه في دولهم الأوروبية الأصلية. أساساً «الإنجيلية» في الديانة المسيحية تعني «تعليم الإنجيل ونشره». إلا أنها كلمة باتت في مصطلحها «الإيفانجيلي» الحالي تعبر عن طائفة لها معتقدات وتفسيرات دينية خاصة، ظهرت خلال القرن الثامن عشر، بعد انتشار تبنّي بعض الكنائس والحركات البروتستانتية هذا الاسم لتمييزها بالتزمت الديني عن غيرها. وحقاً، تتمتع هذه الكنائس اليوم بانتشار واسع في الولايات المتحدة، إذ ينتمي إليها أكثر من ربع الأميركيين (80 مليون شخص تقريباً). ومنذ عقود، يدعم الإيفانجيليون عموماً، مرشحي الحزب الجمهوري؛ لكونهم «ملتزمين أكثر دينياً»، وفق الاعتقاد السائد. ووفق مركز «بيو» للأبحاث ظهر هذا جلياً في الدعم الكبير الذي حظي به الرئيس السابق دونالد ترمب في انتخابات عامي 2016 و2020، ويتوقع أن يستمر لصالح الجمهوريين في انتخابات هذا العام أيضاً. وللعلم، بينما حصل الرئيس الأسبق جورج بوش «الابن» على 78 في المائة من أصوات أتباع الطائفة في انتخابات عام 2004، وجون ماكين على 74 في المائة في انتخابات 2008، وميت رومني على 78 في المائة في 2012، حصل ترمب على 81 في المائة.

سر التمسك بترمب

إلا أن أحد أكثر الأشياء الاستثنائية حول السياسة الأميركية الحالية، وأكثر التطورات اللافتة في التاريخ السياسي الحديث، هو التمسك المخلص للمحافظين الدينيين بدونالد ترمب، الذي فاز بأربع أخماس أصوات المسيحيين الإيفانجيليين البيض، بحسب «بيو». ومع أن خلفية ترمب ومعتقداته هي أبعد من أن تتناسب أو تتفق مع النماذج المسيحية التقليدية للحياة وتأدية الدور القيادي فيها، (إذ كان يؤيد فيما مضى حق المرأة في الإجهاض الجزئي، ويتفاخر بالتحرّش بالنساء، ويواجه اليوم 91 تهمة قضائية في أربع قضايا جنائية)، يتمسك الإيفانجيليون بتأييده بوصفه «رئيساً قوياً» يستطيع تحقيق أهدافهم. ولقد وجد زعماء الجماعة المتحالفون معه «باباً مفتوحاً» في البيت الأبيض، حيث يحتشدون للدفاع عنه في ظل تزايد دور الجماعات اليمينية المتشددة ضمن التحالف المهيمن على الحزب الجمهوري، وتصاعد المخاوف من تراجع حصة البيض من غالبية السكان.

التحولات الآيديولوجية حدثت مع التحولات الجغرافية والديموغرافية

الحزبان الكبيران ابتعدا عن «الوسطية»... وريغان غيّر توجه أميركا السياسي

> يظهر تحليل لمركز «بيو» الأميركي أن تركيبة الكونغرس عام 1972 اختلفت عن الكونغرس الحالي، حيث ابتعد كلا الحزبين عن الوسط. قبل خمسة عقود، كان 144 نائباً جمهورياً في مجلس النواب أقل محافظة (يمينية) من الديمقراطيين المحافظين، وكان 52 ديمقراطياً أقل ليبرالية من الجمهوريين الأكثر ليبرالية. إلا أن منطقة «التداخل الآيديولوجي» بدأت تتقلّص مع تقاعد الديمقراطيين المحافظين والجمهوريين الليبراليين، الذين أصبحوا على نحو متزايد غير متوافقين مع مؤتمراتهم الحزبية وناخبيهم، أو خسروا محاولات إعادة الانتخاب، أو في حالات قليلة، بدلوا أحزابهم. وبحسب التحليل، حدثت التحولات الآيديولوجية في الكونغرس جنباً إلى جنب، وربما بسببها إلى حد ما، مع التحولات الجغرافية والديموغرافية التي شهدتها الولايات المتحدة. وفي حين يرفض المواطنون في البلدان المتقدمة تدخل رجال الدين في السياسة، بدا الأميركيون أكثر استعداداً لهذا التدخل، الذي يرجع في الأساس إلى تعدد وتشابك السياسة والدين داخل البلاد، حيث تعتمد كافة الفئات السياسية على الدين. واليوم، بدا أن التاريخ يعيد نفسه منذ اكتشف الإيفانجيليون الرئيس الأسبق رونالد ريغان، وذلك لدى النظر إلى تصاعد الدعوات اليمينية للتراجع عن التعديل الدستوري المتعلق بالمساواة في الحقوق المدنية، والمحافظة على العائلة والتقاليد العائلية، والدفاع عن القيم الأخلاقية والقيم الأميركية، الذي توج بتراجع المحكمة العليا عن الحق في الإجهاض. لقد قاد ريغان «تغييرات» دينية كان من شأنها أن تغير التوجه السياسي في الولايات المتحدة. وبعد استمالته الأصوليين المسيحيين إلى داخل الائتلاف الحاكم، جرى دفع الحزب الجمهوري إلى الالتزام والتعهد بمحاربة الإجهاض والقبول بالعصمة التوراتية والردع الأخلاقي الحازم لكل سلوك سيئ مهما كان مصدره. وتحوّلت اليوم الحرب على المخدرات ومحاربة الجريمة إلى موضوعين رئيسين في التحريض السياسي. ولم تعد هناك أعذار للجريمة مثل الفقر نتيجة للعنصرية أو الأوضاع المعيشية الصعبة، بل ظهرت قناعات بأن على الأفراد - بغض النظر عن ظروفهم - تحمل عواقب أفعالهم... ما أدى إلى ارتفاع عدد من وضعوا خلف القضبان داخل السجون إلى خمسة أضعاف خلال الثمانينات والتسعينات فقط. كذلك، شيد ريغان سياجاً من «الأطر الأخلاقية» ليحاصر ويهدد به برامج الخدمات الاجتماعية العامة التي احتفظت بتأثيرها حتى في عهد الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون، حين وضع حدّاً لبرنامج الإعانات الاجتماعية - الـ«ويلفير» - الذي رأى أعداؤه في حينه أن وجوده يشجع على الكسل والاختلاط الجنسي. ومع قدوم إدارة جورج بوش «الابن»، صارت التعابير والمواضيع الأخلاقية والدينية أكثر مباشرةً ووضوحاً، ولا سيما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,670,277

عدد الزوار: 6,960,430

المتواجدون الآن: 67