الأثر المدمر للاخفاقات البيئية في لبنان..

تاريخ الإضافة الأربعاء 10 كانون الثاني 2024 - 7:49 ص    عدد الزيارات 244    التعليقات 0

        

الأثر المدمر للاخفاقات البيئية في لبنان..

معهد واشنطن..بواسطة بيتر جرمانوس, سمر قزي..

عن المؤلفين:

بيتر جرمانوس، هو رئيس سابق للمحكمة العسكرية في لبنان. حاصل على درجة الدكتوراه في القانون وهو أستاذ في كلية الحقوق جامعة القديس يوسف.

سمر قزي هي مصرفية استثمارية لبنانية مقرها في جنيف وتعمل في مجال رأس المال الاستثماري.

تحليل موجز: إن التعاون والدعم الدوليين – مع اتخاذ بعص التدابير الوقائية لمنع اختلاس الأموال – أمران ضروريان للبنان لمكافحة التدهور البيئي بشكل فعال والعمل نحو مستقبل أكثر استدامة.

يعاني لبنان منذ عقود من سوء الإدارة المنهجي والمتعمد لموارد البلاد ورأسمالها، ما يخلّف عواقب وخيمة. فقد ارتفعت معدلات البطالة وانهار النظامان الصحي والتعليمي، الأمر الذي يُعرض الملايين للخطر.

التدهور البيئي هو موضوع قليلًا ما يُناقش ولكنه لا يقل خطورة عن أي موضوع آخر، وقد سمحت نخبة البلاد بحدوثه ليضيف مأساة تسميم السكان إلى مآسيهم الأخرى. فمياه الصرف الصحي تلوث مياه الشرب والمولدات تنفث أدخنة سامة والاستخدام المفرط للمياه الجوفية يجعلها مالحة والإنتاج الزرعي يُروى بمياه الصرف الصحي. ومن ثم، أصبح الثمن الذى يدفعه اللبنانيين نتيجة هذا التدهور البيئي موثقاً بشكل متزايد، حيث ازدادت حالات الإصابة بمرض السرطان بشكل كبير، ومن المرجح أن يستمر الشعب اللبناني في تلك المعاناة في المستقبل أيضًا.

لكن هذا الوضع لم يكن أمراً مفروغاً منه، ولم يكن ناجماً فقط عن تغير المناخ العالمي الخارج عن السيطرة اللبنانية، حيث أن التدهور البيئي الكبير في لبنان يرجع في جزء كبير منه إلى الفساد المنهجي والافتقار التام للتنظيم الفعال. ومن ثم، فإن فهم نطاق هذه القضية أمر حيوي لتحقيق ما يواجهه اللبنانيين، إلى جانب وضع خطة لمعالجة بعض هذه التحديات البيئية والإدارية المترابطة.

أزمة المولدات في لبنان

أبرز مثال على حالة التدهور البيئي هذه هو اعتماد البلاد بشكل واسع على المولدات لسد الفجوة بين ما توفره الدولة من كهرباء محدودة وبين احتياجات اللبنانيين. تنقطع الكهرباء في لبنان بشكل يومي، مما يترك السكان في لحظة من الظلام قبل أن تتولى المولدات الخاصة – المملوكة غالبًا لرجال أعمال فاسدين – المهمة. ويتفاعل التلوث الناتج من تلك المولدات مع العديد من جوانب التدهور البيئي الحاصل في لبنان، كما يساعد على تسليط الضوء على مدى الترابط بين هذه القضايا.

الوقود الأحفوري والتغير المناخي: يعاني لبنان كما غيره من دول العالم من آثار تغير المناخ، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار وارتفاع وتيرة ظواهر الطقس المتطرف. وتفاقم هذه التغيرات المشاكل البيئية القائمة التي يسببها البشر وتطرح تحديات إضافية أمام البلاد. يؤدي احتراق الوقود الأحفوري في المولدات إلى انبعاث ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى في الغلاف الجوي، ويزيد الاعتماد الكبير على المولدات في لبنان من الأثر الكربوني العام في البلاد ويفاقم تحديات المناخ العالمية. كما أن هذا الاعتماد على الوقود الأحفوري لا يعرض البلاد لتقلبات سوق الطاقة العالمي وانقطاع سلاسل الإمداد فحسب، بل يجعل أيضًا من التحول إلى مصادر الطاقة الصديقة للبيئة أمرًا شبه مستحيل.

مشاكل إدارة النفايات: يعاني لبنان منذ سنوات من الإدارة غير الملائمة للنفايات ما أدى إلى تراكمها في مناطق كثيرة. ونظرًا لانقطاع الكهرباء في أوقات لا يمكن التنبؤ بها وارتفاع أسعار الوقود، أصبحت المولدات مصدر الطاقة الوحيد الذي يعتمد عليه المواطنون اللبنانيون. ويؤدي الاستخدام المنتظم للمولدات إلى تراكم مخلفات مثل الوقود المستعمل والمصافي ومكونات آخري. وفي غياب الآليات الملائمة للتخلص من النفايات ومنشآت إعادة التدوير، تسهم هذه النفايات في التدهور البيئي وتشكل تحديًا أمام إدارة النفايات، الأمر الذي قد يخلّف تداعيات بيئية طويلة الأمد تؤثر في جودة الموارد المائية وتطرح مخاطر على النظم البيئية وصحة الإنسان. ومن الجدير بالذكر أن هذه المسألة أثارت الدعوة إلى حشد الجهود في العامين 2015 و2016 خلال احتجاجات "طلعت ريحتكم" لمكافحة الفساد، ومجددًا خلال حراك العام 2019، إلا أن مشاكل إدارة النفايات في لبنان لم تعالَج بعد.

تلوث الهواء: تأثرت جودة الهواء في لبنان بشدة بعوامل مثل انبعاثات السيارات والأنشطة الصناعية والاستخدام الواسع الانتشار للمولدات خلال فترات انقطاع الكهرباء. وتؤدي هذه الملوثات إلى مشاكل تنفسية وأمراض سرطانية وغيرها من المشاكل الصحية لدى الإنسان والحيوان.

وعلاوةً على ذلك، تتسبب المولدات بتلوث ضوضائي شديد تتعرض له البيئات المُدنية والريفية. ويؤدي التعرض لفترات طويلة لمستويات عالية من الضوضاء إلى الإجهاد واضطرابات النوم ومشاكل صحية أخرى لدى الأفراد الذين يعيشون بالقرب من هذه المولدات.

إزالة الغابات: يواجه لبنان مشكلة إزالة الغابات نتيجة قطع الأشجار غير القانوني والتوسع الحضري والزراعي. تلعب الأشجار دورًا حيويًا في الحفاظ على التوازن البيئي وتؤدي خسارتها إلى تآكل التربة وعرقلة دورات المياه وتراجع التنوع البيئي. كانت غابات الأرز في ما مضى مصدر فخر ومعلمًا بيئيًا في لبنان نظرًا لتاريخها الممتد على آلاف السنوات. أما اليوم فتُعد شجرة الأرز اللبنانية من الأنواع المهددة وهي معرضة لخطر حرائق الغابات الناجمة عن البشر وخطر السوق السوداء حيث تُباع كوقود خشبي. فقد أدت أسعار سوق الوقود الآخذة بالارتفاع في لبنان وعدم إمكانية الوصول إلى مصادر موثوقة للتدفئة الكهربائية إلى زيادة إزالة الأشجار باعتبارها وسيلة لتوفير الوقود الأساسي وتحمل برد الشتاء، الأمر الذي سيسهم بدوره في زيادة تآكل الموارد المتوفرة للأجيال القادمة.

موارد لبنان المتضائلة: تدهور المياه والأراضي

لا تمثل المولدات الكهربائية في لبنان سوى جانب واحد من جوانب مشكلة التلوث في البلاد. ومما يثير القلق أيضاً هو التدهور الكبير الذى حدث في الموارد الطبيعية التي كانت ذات يوم سمة مهمة للاقتصاد اللبناني والشعور بالهوية. تعاني الأجسام المائية في لبنان، ومن بينها الأنهار والمناطق الساحلية، من التلوث نتيجة الآبار الجوفية غير القانونية ومياه الصرف الصحي غير المعالجة والمخلفات الصناعية والجريان السطحي الزراعي. يسمم هذا التلوث الحياة المائية ويلوث مصادر مياه الشرب. علاوة على ذلك، تتعرض البيئة البحرية حاليًا في لبنان لضغوط بسبب الإفراط في الصيد. فنضوب المخزون السمكي في البلاد يهدد التوازن الهش للنظم البيئية البحرية ويخلّف عواقب اقتصادية وخيمة على الصيادين المحليين.

بالإضافة الى ذلك، الوضع برًّا سوداوي أيضًا، فقد أدت الممارسات الزراعية غير المستدامة، بما في ذلك الرعي المفرط والري غير الملائم، إلى تدهور الأراضي على نطاق واسع. وينجم عن هذه الإدارة غير الملائمة للأراضي الزراعية انخفاض في الإنتاج الزرعي وفقدان التنوع البيولوجي وزيادة خطر التعرض للكوارث الطبيعية مثل انزلاقات التربة والفيضانات.

تتطلب معالجة هذه التحديات حوكمة رشيدة ونهجًا شاملًا، بما في ذلك تطبيق القوانين البيئية وإنفاذها وتعزيز الممارسات المستدامة في القطاعين الزراعي والصناعي والاستثمار في البنية التحتية لإدارة النفايات وتوعية الناس بأهمية الحفاظ على البيئة.

في حين يمتلك لبنان العديد من المنظمات غير الحكومية، إلا أن القليل منها يركز على القضايا البيئية، وعندما حاولت المنظمات الأجنبية التنسيق والعمل مع المنظمات غير الحكومية المحلية لمعالجة أزمة التدهور البيئي، تم الاستيلاء على أموال التمويل نتيجة الفساد المستشري في البلاد. ومع ذلك، فإن التعاون والدعم الدوليين – مع اتخاذ بعص التدابير الوقائية لمنع اختلاس الأموال – أمران ضروريان للبنان لمكافحة التدهور البيئي بشكل فعال والعمل نحو مستقبل أكثر استدامة.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,683,163

عدد الزوار: 6,961,134

المتواجدون الآن: 75