القوات الأميركية في العراق: البقاء.. أم الجلاء؟

تاريخ الإضافة الإثنين 12 أيلول 2011 - 4:55 ص    عدد الزيارات 777    التعليقات 0

        

القوات الأميركية في العراق: البقاء.. أم الجلاء؟
الأكراد أكثر الكتل السياسية وضوحا في طلبها استمرار وجودهم.. وواشنطن تبدي انفتاحا لمزيد من المشاورات مع الحكومة
لندن: معد فياض
في بدايات شهر أبريل (نيسان) عام 2003، كانت امتدادات الطريق الواصل بين الحدود العراقية الكويتية وحتى مدينة النجف في وسط العراق، مؤثثة بالآلاف من شاحنات نقل الجنود والآليات المدرعة والدبابات الأميركية، حتى إن المنظر بدا لونه كاكيا، عسكريا تماما، بينما طائرات الهليكوبتر الأميركية بأنواعها كانت تحلق على ارتفاعات منخفضة، مثيرة عواصف ترابية تمنح المشهد برمته مسحة هوليوودية للحرب.

وعلى جانبي الطريق السريع عبر الصحراء، والذي يربط بين محافظتي البصرة (جنوب العراق) والنجف، بنيت على عجل معسكرات للقوات الأميركية، ضمت قوات قتالية ومراكز صحية ميدانية ومحطات تزويد الوقود واستراحات مؤقتة ومخازن مؤنة، أو «أرزاق»، كما تسمى في لغة الجيش العراقي. وفي عمق المشهد، هناك قاعدة الإمام علي في الناصرية، أو قاعدة طليلة التي كانت تسمى القاعدة السرية. ومن كان قد زار تلك القاعدة الجوية المترامية الأطراف، والتي كانت قيادة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين قد أنفقت عليها مئات الملايين من الدولارات من أجل أن تكون الأقوى في المنطقة وقتذاك، ورصد عن قرب حجم الأجهزة الإلكترونية ومعدات التنصت والرصد الجوي وعدد طائرات النقل الضخمة والمستشفى الميداني الذي أسس هناك خلال أيام قليلة، كان سيتأكد أن القوات الأميركية التي بلغ عديدها وقتذاك أكثر من 170 ألف جندي أميركي، لن ترحل من العراق إلا بعد مرور سنوات طويلة، خاصة إذا ما عرفنا أن ثمة قواعد أخرى كانت تابعة للجيش العراقي في جنوب ووسط وشمال العراق قد ازدحمت بالقوات والمعدات العسكرية الأميركية.

لكن اليوم، يدور الحديث باطراد حول بقاء أو جلاء هذه القوات التي لم يتبق منها سوى أقل من 50 ألف عسكري، تنفيذا للاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن والتي تنص على انسحاب الأميركيين من العراق نهاية هذا العام. ووقع العراق والولايات المتحدة، خلال عام 2008، اتفاقية الإطار الاستراتيجية لدعم الوزارات والوكالات العراقية في الانتقال من الشراكة الاستراتيجية مع جمهورية العراق، إلى مجالات اقتصادية ودبلوماسية وثقافية وأمنية، تستند إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي وتقليص عدد فرق إعادة الأعمار في المحافظات، فضلا عن توفير مهمة مستدامة لحكم القانون، بما فيه برنامج تطوير الشرطة والانتهاء من أعمال التنسيق والإشراف والتقرير لصندوق العراق للإغاثة وإعادة الأعمار.

وكأي قضية عراقية تتعرض لتجاذبات الكتل السياسية المختلفة، فإن موضوع انسحاب القوات الأميركية يشغل السياسيين العراقيين الذين انقسموا بين من يريد بقاء هذه القوات ويعلن عن موقفه، ومن يريد بقائها لكنه لا يعلن عن ذلك، وبين من يريد بقاءها ويعلن عكس ذلك، وبين من يعارض بقاءها بقوة. وتحولت قضية بقاء أو جلاء القوات الأميركية عن العراق إلى ما يشبه كرة نار، ما إن تكن بيد أحد القادة السياسيين العراقيين حتى يقذفها إلى خصمه كي يتخلص من جمرها ويحرق بها الآخر.

وفي استعراضنا لمن يريد بقاء القوات الأميركية أو من لا يريد بقاءها، سنجد أن القيادة الكردية هي الأكثر حماسة لبقائها. وكعادته في طرح الأمور بصراحة، فإن مسعود بارزاني، زعيم أكبر حزب سياسي كردي، الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس إقليم كردستان العراق، دعا قبل أيام حكومة بغداد إلى إبرام اتفاق جديد مع واشنطن لبقاء القوات الأميركية في العراق، تفاديا لاندلاع حرب أهلية، ومنعا للتدخلات الخارجية، متهما قوى سياسية بالنفاق حيال بيان موقفها. وقال بارزاني محذرا في مؤتمر لممثلي إقليم كردستان في الخارج، عقد في أربيل، «إذا انسحبت القوات الأميركية من العراق ستتعرض البلاد إلى العديد من المشكلات، وبتصوري هناك احتمال اندلاع حرب داخلية، ستزداد التدخلات الخارجية وستزداد أيضا المشكلات المذهبية».

ورأى الزعيم الكردي أن «العراق ما زال بحاجة إلى بقاء القوات الأميركية»، وقال إن «جميع القوى السياسية تقر في الاجتماعات الثنائية بذلك، ولكنهم عندما يقفون وراء المايكروفونات يتحدثون بطريقة أخرى ويزايدون على بعض». وأضاف أن «العراق بحاجة إلى وجود القوات الأميركية تحت أي عنوان، لأن القوات الأمنية غير جاهزة لحماية أمن البلاد والجيش غير مستعد لحماية الحدود وكذلك القوات الجوية العراقية لا تملك أي شيء».

ودعا بارزاني الحكومة العراقية إلى إبرام اتفاقية مع الجانب الأميركي قائلا «نحن نرى إبرام اتفاقية بين الحكومتين العراقية والأميركية ليس كاحتلال بل لمساعدة القوات العراقية للوصول إلى مستوى يمكنها من حماية الشعب العراقي».

وتعليقا على موقف بارزاني، قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند «إن الولايات المتحدة لا تزال تنوي الانسحاب من العراق نهاية العام الجاري إلا أنها على استعداد لدراسة مطالب (الحكومة العراقية)»، مضيفة «يجب أن نسمع وجهة نظر موحدة من جانب الحكومة» العراقية، مشيرة إلى وجود «وجهات نظر مختلفة عدة بين القادة العراقيين».

موقف الزعيم الكردي يؤيده وبقوة نجيرفان بارزاني، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني والرئيس السابق لحكومة الإقليم الذي قال لـ«الشرق الأوسط» ردا على سؤال يتعلق برأيه حول بقاء القوات الأميركية: «قبل أن نجيب عن هذا السؤال فإن على الأطراف السياسية العراقية أن تفكر في هذا الموضوع بشكل واقعي جدا، ويجب الإجابة عن سؤال مهم هو: هل العراق متمكن من قابلياته التدريبية والدفاعية والتعبوية من دون الحاجة إلى القوات الأميركية؟ والإجابة الواضحة والعلمية والعملية عن هذا السؤال ستقودنا إلى أن نقرر أن العراق بحاجة إلى وجود القوات الأميركية أو لا». وأضاف: «أعتقد أن هذا الموضوع يجب ألا يوضع فقط على كاهل رئيس الحكومة العراقية وأن يستخدم سياسيا من قبل الأطراف الأخرى ضده، وعلينا أن نكون واقعيين، فإنهم في العلن يقولون لسنا بحاجة لبقاء هذه القوات، لكنهم في الغرف الموصدة وخلال اللقاءات الثنائية يؤكدون أن العراق بحاجة لبقاء القوات الأميركية، وفي الواقع نحن كعراقيين بحاجة لوجود هذه القوات حاليا، وسيأتي اليوم الذي يجب فيه أن تغادر هذه القوات العراق بعد أن تستكمل قواتنا جاهزيتها من التدريب والتسليح والإعداد الكافي، وعلى القيادة العسكرية أن تقدم للبرلمان تقريرا شاملا عن مستوى القوات العراقية، عند ذاك تتخذ القيادة السياسية قرارها بهذا الشأن، ورجائي لكل الأطراف السياسية العراقية عدم المزايدة في هذا الموضوع».

وكانت قيادات كردية، أبرزها رئيس برلمان الإقليم كمال كركوكي، اعتبرت أن الوضع العراقي الحالي غير مؤهل لانسحاب القوات الأميركية، وهو موقف يؤيده وزير الخارجية الكردي هوشيار زيباري.

ويأتي حرص الأكراد على بقاء القوات الأميركية من خشيتهم من انقلاب الأوضاع ضدهم خاصة أن العلاقات بين الإقليم وحكومة بغداد في تأزم مزمن بسبب ملفات النفط والبيشمركة العالقة بين بغداد وأربيل. ويقر نجيرفان بارزاني بهذا القلق في حال انسحاب القوات الأميركية، ويقول «بالتأكيد سنشعر بالقلق في حال انسحاب القوات الأميركية، ولا نقول ذلك كأكراد فقط وإنما كعراقيين، ونحن حريصون على العراق كله، والموضوع يخص مستقبل العراق».

لكن السياسي الكردي المستقل محمود عثمان عضو مجلس النواب العراقي عن التحالف الكردستاني، يعارض رأي غالبية القادة الأكراد حول حماية الولايات المتحدة لهم، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «أميركا التي يعتقد الأكراد أنها معهم وتحميهم وتدعم مطالبهم، غالبا ما تنسحب إذا ما احتجنا إليها، بل إنه كلما حدث موقف مواجهة بيننا وبين الآخرين تكون أميركا مع الآخرين ضدنا، وهذا هو الوهم الكردي الذي حذرنا منه دائما، والأمثلة كثيرة، منها موافقتها غلى القصف التركي والإيراني لمناطق كردستان، وعدم تحمسها لتنفيذ المادة 140، والممارسات الأمنية للقوات الحكومية في المناطق المتنازع عليها».

وعلى الرغم من أن معظم الكتل السياسية العراقية لم تعلن عن رأيها النهائي بشأن انسحاب القوات الأميركية، باستثناء التيار الصدري الذي هدد بالدخول في حرب معها في حال عدم تنفيذ اتفاق الانسحاب، فإن هناك قادة عراقيين أكدوا في الثالث من أغسطس (آب) الماضي انفتاحهم على الحوار مع واشنطن في شأن إبقاء مهمة تدريبية أميركية في العراق بعد نهاية 2011. ووسط هذا الشد والتجاذب يطرح إياد علاوي، الرئيس الأسبق للحكومة العراقية وزعيم كتلة العراقية التي فازت في الانتخابات التشريعية، أسئلة مهمة بشان أسباب بقاء أو جلاء القوات الأميركية. ويقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «أمام العراق استحقاقات خطيرة فيما يتعلق بالجانب الأمني والاتفاقية الأمنية مع الإدارة الأميركية، وحتى الآن لم نسمع رؤية وتصورات رئيس الحكومة نوري المالكي، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، كما لم نسمع من الجانب الأميركي تصورهم عن موضوع الاتفاقية الأمنية». ويشير إلى أنه «على القائد العام للقوات المسلحة، المالكي، أن يوضح موقف حكومته من الاتفاقية الأمنية لمجلس النواب ولبقية القوى السياسية في العراق، سواء سيقوم بتمديد بقاء القوات الأميركية أم لا، وأن يوضح أسباب التمديد أو الرفض، أم توجد هناك اتفاقية أخرى، وأن يمد ممثلي الشعب العراقي بالمعلومات المهمة التي تتعلق بكفاءة قواتنا وتعدادها وإمكاناتها، فمثلا لو نشبت معركة حربية بين بلدين، لا سمح الله، واستخدم أحد المتحاربين أجواء العراق لقصف البلد الآخر فما هو موقفنا اللوجستي، هل نستطيع منع أي طائرات مقاتلة من استخدام أجوائنا لضرب الآخرين كي لا نتورط في الحرب وأن لا نكون مع جهة ضد أخرى، وما هي إمكانية قواتنا الجوية من حيث عدد الطائرات المقاتلة ومميزاتها؟ هل نمتلك قوة دفاع جوي وأجهزة رادارات متطورة، وغير ذلك من معلومات يجب أن يخبرنا عنها القائد العام».

وينظر أعضاء كتلة دولة القانون التي يتزعمها المالكي بأن علاوي يحاول أن يرمي بكرة بقاء أو جلاء القوات الأميركية إلى ملعب خصمه رئيس الوزراء الذي كان قد اقترح بقاء مدربين عسكريين أميركيين.

وعلى ما يبدو فإن موقف المالكي من قضية القوات الأميركية هو الأكثر إحراجا. فالإدارة الأميركية دعمت، وما تزال، بقاءه في موقعه كرئيس للوزراء على الرغم من عدم فوز ائتلافه (دولة القانون) في الانتخابات. كما دعمت إيران هذا التوجه. وانسحاب القوات الأميركية يعني خسارة المالكي لحليف قوي، وبقاءه أسيرا للقرار الإيراني الذي يدفع باتجاه انسحاب القوات الأميركية للانفراد بالسيطرة على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في العراق.

وعلى الرغم من النفي المستمر من قبل رئاسة الوزراء على عدم موافقة المالكي على بقاء القوات الأميركية، فإن رئيس الوزراء نفسه، وحسب مصدر مقرب منه، يرى «ضرورة بقاء جزء من هذه القوات لاستخدامها كورقة ضد إيران إذا انقلبت على المالكي».

وينفرد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري الذي له 40 مقعدا في البرلمان العراقي بمعارضة شديدة ضد وجود القوات الأميركية، مهددا بشن حرب ضدها في حال بقيت. لكن مسؤولين عراقيين أعربوا مؤخرا عن عزمهم التفاوض مع واشنطن حول إبقاء قوة عسكرية أميركية بعد مهلة نهاية العام، لكن لا يزال من الضروري الاتفاق حول حجم هذه القوة المستقبلية.

البنتاغون شدد قبل يومين على أن أي قرار لم يتخذ بعد حول حجم القوات الأميركية في العراق في المستقبل، في وقت أعرب فيه أعضاء في الكونغرس عن قلقهم إزاء تقارير تشير إلى أن البيت الأبيض يسعى لإبقاء 3 آلاف عنصر فقط على الأرض.

وواجه البنتاغون أسئلة حول الخطط المستقبلية للقوات الأميركية بعد أن أوردت شبكتا «فوكس نيوز» و«سي إن إن» وصحيفة «نيويورك تايمز» أن مستشاري الرئيس الأميركي باراك أوباما يدرسون إمكانية إبقاء قوة أقل حجما من 3 آلاف عنصر في العراق، بالمقارنة مع القوة الحالية البالغ عديدها 46 ألفا. وأضافت «فوكس نيوز» و«تايمز» نقلا عن مسؤولين رفضوا الكشف عن هوياتهم أن وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا أيد خيار إبقاء 3 آلاف عنصر فقط. إلا أن بانيتا رفض تحديد ماهية الخيارات المطروحة لمستقبل القوات في العراق وقال إن حجمها بعد عام 2011 رهن بما ستفضي إليه المباحثات مع بغداد. وغالبا ما تراوحت تقديرات حجم القوة الأميركية المستقبلية بين 10 و15 ألف عنصر. وفي واشنطن، يواجه أوباما مطالب متناقضة حول وتيرة انسحاب القوات الأميركية إذ يحثه بعض أفراد حزبه على إتمام انسحاب كامل بحلول نهاية العام. إلا أن العديد من أعضاء الكونغرس يعربون عن قلقهم من أن قوة من ثلاثة آلاف عنصر يمكن أن تهدد الاستقرار في العراق. وقالت رئيسة لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ ديان فينستيان عن ذلك، «أعتقد أنه خطأ ومتسرع».

لكن السؤال الأهم، سيبقى بلا إجابة واضحة على الرغم من كل هذه المواقف والسجالات: هل ستبقى القوات الأميركية أم سترحل؟ إذ ليس هناك من مغامر بين قادة الكتل السياسية مستعد للإجابة عن مثل هذا التساؤل كي لا يخسر شعبيته، وسوى الأكراد الذين أعلنوا موقفهم بصراحة من بقاء القوات الأميركية، تبقى المواقف الأخرى ضبابية.. بما فيها موقف واشنطن نفسها.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,694,550

عدد الزوار: 6,961,604

المتواجدون الآن: 65