لبنان- إسرائيل: حرب الغاز والنفط (1)

تاريخ الإضافة الثلاثاء 6 أيلول 2011 - 6:09 ص    عدد الزيارات 971    التعليقات 0

        

لبنان- إسرائيل: حرب الغاز والنفط (1)
تعود حكاية لبنان مع النفط والغاز في جذورها الأولى إلى العام 1943، حين استقدمت حكومة الاستقلال الأولى <شركة نفط العراق> للتنقيب عن النفط والغاز في البرّ الّلبناني، ثم لاحقاً في البحر·

وحفرت الشركة المذكورة العديد من الآبار أهمها بئر تقع في المنحدر الغربي لجبل تربل شمال مدينة طرابلس· لكن الشركة ولأسباب غامضة، أعلنت بعد شهور قليلة من عملها التجريبي، عن توقف الحفر، وبرّرت ذلك ببيان صوري قالت فيه إن نتائج الحفر لم تكن مشجعة·· وإن تكلفة استخراج النفط أكثر من قيمة شرائه· وعلى ذلك يعلّق الباحث الّلبناني ريمون عطاالله بالقول <إن الفرنسيّين هم من كانوا وراء الدعوة لوقف التنقيب عن الثروة النفطية، ولأمر يعود إلى نشوء دولة إسرائيل في العام 1948، ومنع أي دولة مجاورة للكيان الغاصب من أن تكون غنية وقادرة على بناء نفسها وقدراتها الأمنية والعسكرية>· في العام 1970 وبناءً على مذكرة علمية تقدّم بها البروفسور توماس غوديكيه، أستاذ الفيزياء والجيولوجيا في الجامعة الأميركية، إلى من يهمه الأمر في الدولة الّلبنانية، تقول بوجود نفط في <الحوض المترسب والمغمور بالمياه الضحلة المؤلفة لأجزاء واسعة جداً من الشواطىء الّلبنانية··· وأن في البحث على عمق من 1000 إلى 3000 متر سيظهر الذهب الأسود بكميات كبيرة وتجارية، وسيجعل من لبنان بلداً نفطياً غنياً وقوياً>·

بعد سنتين من تقديم البروفسور الأميركي توماس غوديكيه، مذكرته <لمن يهمه الأمر من الّلبنانيين>، كان تقدّم زميل أكاديمي آخر له في الجامعة الأميركية في بيروت هو الّلبناني د· زياد بيضون (رئيس دائرة الجيولوجيا فيها) بدراسة علمية مفصّلة تظهر وجود بحار من الغاز والنفط تحت قاع مياه لبنان البحرية، ينبغي استخراجها واستثمارها بأسرع ما يمكن·

وعلى ما يبدو لاقت دعوة د·بيضون آذاناً صاغية من جانب العديد من الشركات النفطية الأميركية والأوروبية، حيث تحرّكت في اتجاه بيروت، خصوصاً في العام 1974، للمنافسة على نيل رخصة الامتياز الخاصة بالتنقيب·

كما أن رئيس جمهورية لبنان وقتها (أي في العام 1975) الراحل سليمان فرنجية، أبدى كلّ اهتمام بالموضوع فطلب شخصياً من د· زياد بيضون إعداد مذكرة علمية مفصّلة بالمسح الجيولوجي والنفطي للمياه الإقليمية الّلبنانية، لكي يتسنّى للجانب الرسمي الّلبناني الأخذ بناصية الأمور على حقيقتها، ومفاوضة الشركات العالمية المتهافتة على التنقيب واستنساب العروض الأفضل بين تقديماتها· وكان للرئيس الّلبناني وحكومته وقتها ما أرادا وصدر بالفعل مرسوم رسمي لبناني يحمل الرقم 10537 بتاريخ 31 تموز/يوليو 1975، يقضي بوضع موضع التنفيذ القانون المعجل المكرر، والمحال على مجلس النواب الّلبناني بموجب المرسوم الرقم 10095 تاريخ 11 نيسان/ أبريل 1975 والذي يجيز لوزارة الصناعة والنفط الّلبنانية النظر في كلّ عروض الشركات العالمية المتقدمة واختيار الأنسب بينها لبدء أعمال التنقيب عن النفط واستثماره لحساب الدولة الّلبنانية·

لكن مفاجأة قيام الحرب الأهلية الّلبنانية في 13 أبريل/نيسان من العام 1975 حالت دون بدء عمل شركات التنقيب، وبالتالي فقدان لبنان امتياز أن يكون بلداً نفطياً غنياً منذ عقود طويلة·

في العام 1996 تكرّرت محاولات التنقيب عن النفط والغاز في المدى البحري الّلبناني· وهذه المرة من شركة <سبكتروم> البريطانية التي جاءت واستطلعت المياه الإقليمية والاقتصادية الّلبنانية بإذنٍ من سلطات البلاد· وبعد اكتشافها أن الجرف القاري لجهة لبنان في شرقي البحر المتوسط يحوي كنوزاً هائلة من الغاز والنفط، أوقفت عملها وغادرت لبنان من دون أن تزوّد السلطات الرسمية بأيّ تقرير يتناول نتائج عملها· ويبدو أن هذه الشركة تلقت إشارات بالكف عن خدمة لبنان بأعمال التنقيب عن غازه وبتروله بناءً على ضغوط إسرائيلية· يقول الخبير النفطي السوري جيلبير الياس <إن جماعة سبكتروم البريطانية النفطية تلقت تهديداً إسرائيلياً سرّياً بالكف عن العمل في المياه الإقليمية الّلبنانية؛ وطُلب منها التستر على الأرقام الهائلة التي يحويها القعر البحري الّلبناني من الغاز والنفط، ولا سيّما في الجزء الشمالي منه، حيث المياه أقل عمقاً من الجزء الجنوبي· وأن هذه الأرقام <السريّة> لا تعرفها في المحصّلة إلا إسرائيل والشركة نفسها>·

أما لماذا ضغطت إسرائيل سرّاً على الحكومة البريطانية لتجمّد عمل شركة سبكتروم؟ عن هذا السؤال يجيب د· جيلبير الياس: <لأن ذلك ببساطة ليس من مصلحة إسرائيل، ولكي تفكر دوائر الطاقة فيها بالاستيلاء على الثروة الطبيعية الّلبنانية من النفط والغاز، وجرّها بوسائل عديدة، في طليعتها الحفر الأفقي تحت قاع البحر>·

وبعد سبكتروم البريطانية، جاء دور شركة <بي·جي·أس> النرويجية التي أجرت مسحاً شاملاً ثلاثي الأبعاد للمياه الإقليمية الّلبنانية أكّدت خلاله وجود كميات النفط والغاز الهائلة التي تحدثت عنها شركات أجنبية كانت سبقتها في المهمة نفسها· وأكّد مهندس الشركة هلغ سميث أن ثمة غطاء رسوبياً كثيفاً يميز جيولوجيا الشواطىء الّلبنانية ما يشير إلى وجود كميات كبيرة من الغاز تقدر بـ 1200 مليار متر مكعب· وكميات الغاز في رأي هذا المهندس النرويجي تفوق كميات النفط بأضعاف في مياه المتوسط الّلبناني· وهو أمر يؤكده أيضاً الخبير النفطي الّلبناني د·علي حيدر الذي يقول للإعلام التلفزي إنه < وبحسب المؤشرات الجيولوجية ثمة كميات ضخمة جداً من الغاز الطبيعي في المنطقة التابعة للمياه الاقتصادية الّلبنانية··· وأن طبيعة الثروة النفطية الّلبنانية غالبيتها من الغاز الطبيعي>·

ويشير د· حيدر باختصار إلى أن <المسح الزلزالي الذي قام به لبنان على طول الشاطىء الّلبناني؛ والخطوط السود والبيض فيه تكشف نوع الطبقات الموجودة· وقد تمّ اكتشاف 13 نوعاً من المصائد الخاصة بالنفط والغاز تقدر عوائدها بما يتجاوز 100 مليار دولار>·

وإذا كانت إسرائيل قد سبقت لبنان سبع سنوات بالتنقيب عن الغاز والبترول واستثمارهما، وامتدت أطماعها بالتالي إلى الحقول المشتركة مع لبنان وغزة المحتلة، فإنه يلزم لبنان 4 سنوات ليبدأ بإنتاج الغاز والنفط من حقوله البحرية·· هذا إذا بدأت الشركات المعنية عملها بالتنقيب من تاريخ اليوم· وهو ما تستعجله حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي أعلنت بعد نيلها الثقة الشهر الفائت أن ملف الغاز والنفط هو على رأس أولوياتها وبدأ حراكها التنفيذي بالفعل لإظهار وتعزيز وتحصين حقوق لبنان في ثرواته الطبيعية منذ 12 من يوليو 2011 الفائت·

الترسيم من جانب واحد منذ الثمانينيّات قدّم خبراء جيولوجيون إسرائيليون دراسات علمية خاصة تؤكد وجود آبار نفط وغاز بكميات هائلة في المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة امتداداً طبعاً إلى مياه غزة ولبنان وسورية وقبرص·

وبعد انسحابها من لبنان في العام 2000 بدأت إسرائيل جدياً عمليات المسح الزلزالي للجرف البحري لشرق الأبيض المتوسط بأكمله؛ فتبيّن لها بعدما استخدمت الأقمار الاصطناعية الأميركية السرية أن 61.01 كلم من حوض النفط الكبير والمكثّف يمتد ضمن الحدود البحرية لفلسطين المحتلة، في ما يمتد القسم الثاني بطول 120 كلم قبالة الشواطىء الّلبنانية، ويصل إلى 50 كلم كأقرب نقطة إلى جزيرة قبرص·

أما الأرقام الحقيقية للمخزون النفطي والغازي لهذا الجوف البحري المتوسطي فلا تزال غير معلنة عن قصد من طرف الإسرائيلي، خشية إثارة الانتباه، وللتغطية على ما بدأت بالاستيلاء عليه من الحقول النفطية الّلبنانية والفلسطينية لجهة قطاع غزة المحاصر·

لكن شركة نوبل إينيرجي الأميركية المعنيّة بمسح الطاقة واستخراجها، والتي لها حصة كبيرة من الحقل الأكبر المُكتشف في الحوض الشرقي المتوسطي: ليفياثان تقدّر بـ 39.66%، (يحتوي هذا الحقل وحده على 450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي) تقول إن هذا الحقل، مع حقل آخر أصغر منه هو تمارا، يقع مقابل مرفأ حيفا بمسافة 90 كلم ويحتوي على ما يتجاوز الـ 8 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي·· تقول نوبل إينيرجي إن هذين الحقلين الغازيين متلاصقان في موقعهما داخل المياه الإقليمية والاقتصادية الّلبنانية- الإسرائيلية· لا بل وأكثر من ذلك، يذهب الخبير النفطي الّلبناني د· علي حيدر <إلى أن ربع إلى ثلث حقل ليفياثان على الأقل، يقع في الجانب الّلبناني؛ ما يعني أن إسرائيل فتحت شهيتها بالكامل على سرقة كلّ ما تبقى من كنوز هذا البئر، الذي يعتبره رئيس مجلس إدارة شركة نوبل إينيرجي تشارلز ديفيدسون <الأهم والأغزر بين آبار الغاز الطبيعية المكتشفة حديثاً في العالم>· ويرجح ديفيدسون وجود حقل نفطي في قعر هذا البئر، أو تحت مصائده يقدّر بحوالى 2.6 برميل من النفط الخام·· ما يضاعف من الاهتمام الإسرائيلي، المضاعف أصلاً، وبالتالي منع لبنان من أيّ نوع من أنواع المطالبة بحقوقه في هذا الحقل وغيره من الحقول المتداخلة في مياهه الإقليمية والاقتصادية· وفي هذا الإطار هدّد وزير البنى التحتية الإسرائيلي عوزي لاندو لبنان بأن <إسرائيل ستدافع عن مكتسباتها في هذا الحقل أو غيره من حقول الحوض المتوسطي بكلّ ما يلزم من قوة>· ومثله هدّد رئيس وزرائه نتنياهو لاحقاً لبنان أيضاً قائلاً: < إن هذه الموارد الطبيعية (حقول الغاز) هي هدف استراتيجي كبير الأهمية وسوف يسعى أعداء إسرائيل إلى النيل منه، ولقد عقدت العزم مع حكومتي على أن ندافع عن تلك الموارد بجميع الوسائل المتاحة>·

وبما أن حقل ليفياثان، ومعه حقل تمارا، يكفيان وحدهما، ليس لسد حاجات إسرائيل من الغاز الطبيعي على مدى 35 عاماً فقط ( وليس20 عاماً كما هو متداول) وإنما يجعلان منها دولة مصدّرة للغاز تحمل الرقم 4 عالمياً بعد روسيا وقطر وإيران·· لأن الأمر كذلك، فقد أقدمت إسرائيل على ترسيم الحدود البحرية من جانب واحد ووفق ما يحلو لها، ضاربةً عرض الحائط بكل القوانين البحرية الدولية التي لا تعترف بها أصلاً· كما أنها هي الدولة الوحيدة في العالم المنتسبة إلى الأمم المتحدة من دون ترسيم نهائي لحدودها في البر والبحر، الأمر الذي يجعل تطورات الأمور معها معقدة جداً، وليس أمام الطرف الذي ينازعها هنا أي خيار سوى الحرب معها، أو الإذعان لشروطها· ويبدو أن لبنان لن يرضخ للشروط الإسرائيلية، وسيدافع عن حقوقه في ثروته البحرية بكلّ الوسائل المتاحة· هذا على الأقل ما صرّح به وزير الطاقة والمياه الّلبناني جبران باسيل، مبيّناً أن أكثر من عشر شركات نفط عالمية تقدمت للاستثمار في هذا المجال، <حيث إن لدينا ثروة كبيرة من الغاز والنفط موزعة في مياهنا البحرية الإقليمية وخصوصاً عند حدودنا الجنوبية>· وأردف الوزير الّلبناني يقول: <إسرائيل منزعجة لأن لبنان انتقل من الكلام إلى الفعل للمرة الأولى، لكننا نؤكد أننا سنحمي هذه الثروة، ولن نسمح لها بأن تعتدي عليها>·

مؤسسة الفكر العربي


 

 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,709,567

عدد الزوار: 6,962,306

المتواجدون الآن: 54