في الأزمة السورية [2]: ورقة عمل سياسية ـــ إدارية لحوار بديل من العنف

تاريخ الإضافة الأحد 4 أيلول 2011 - 6:31 ص    عدد الزيارات 886    التعليقات 0

        

في الأزمة السورية [2]: ورقة عمل سياسية ـــ إدارية لحوار بديل من العنف

 
 
 
ابراهيم الأمين

المداولات الدبلوماسية في الأزمة السورية لم تحتل يوماً موقع المبادرة التي يتوافق عليها الأطراف، بغية التقدم خطوة نحو حقن الدماء. النظام في سوريا يرفض أي نوع من التدخل الخارجي. وهو في هذه النقطة لا يميز بين خارج بعيد أو معادٍ، أو خارج قريب وصديق، أو خارج لصيق وشقيق. بل هو حتى اللحظة، يرفض فكرة المبادرة، ما دامت تقوم على مبدأ أن هناك احتراباً بين جهتين يستلزم وساطة أو مبادرة. ومنطق النظام هذا يقوم على فكرة أن ما يجري في سوريا هو حركة احتجاجية في أحسن الأحوال، ومؤامرة خارجية بأيدٍ داخلية في الأسوأ من التقدير.
صحيح أن النظام يقفل حتى الآن أبواب المبادرات الخارجة عن إطاره. وهو يرى أن إطار الحوار الذي دعا إليه كافٍ، وفيه مساحة للجميع. لكن رجال النظام الأقوياء يعرفون أن هذا كلام غير ذي معنى، بدليل أن ما اتخذ حتى الآن من خطوات أو قرارات في سياق ما يسميه النظام «حزمة الإصلاحات» لم يتأثر قطّ بملاحظات المعارضين على اختلافهم. فضلاً عن أن تطبيق هذه القوانين يحتاج إلى سلطة من نوع مختلف. إذاً، لا يمكن أن ىُترك الأمن الذي يتدخل بخلاف وظيفته في حياة الناس وإدارة الدولة، أن يتولى هو الإشراف على عملية إصلاحية. بينما المطلوب من جميع السوريين اليوم، بمن فيهم المؤيدون للنظام، خطوات عملية، ذات فعالية ملموسة، تبعد الأمن عن الحياة اليومية للناس.
في الجانب الآخر، ثمة معارضون تعوّدوا منذ عقدين على الأقل، اتباع منطق الصراخ في الهواء. هم يرفعون السقف عالياً، وعندما يبادر أحدهم إلى محاورتهم مباشرةً، يصبحون من دون برنامج عملي. وعلى المعارضين الإقرار بأن بينهم من يسعى إلى الحضور داخل دائرة القرار لا أكثر. وربما كان هذا حقه، ولكن ما يجري الآن في سوريا، يحتاج إلى نوع مختلف من الإدارة السياسية للمعارضة، وهو أمر ظاهر في طريقة تعبير المحتجين عن الأمر، سواء من خلال عدم قدرة كل هذه التجمعات المعارضة على إنتاج إطار وازن له صدقية واسعة، ويمكن الادعاء أنه يمثل غالبية في الشارع الغاضب، أو من خلال سعي كتلة انتهازية كبيرة، يقودها فريق من الإسلاميين ومن الليبراليين إلى ما يصفه نشطاء التنسيقيات بـ«سرقة دماء الشهداء» والذهاب نحو مبادرات وخطوات لا علاقة لها بما يجري على الأرض.
إلا أن الطامة الكبرى، هي تلك التي تصدر عن مراقبين، يفترض أنهم كذلك، لكنهم يمنحون أنفسهم صفة الناطقين باسم الثورة، وهم منتشرون بكثافة في مراكز القرار العربي والغربي، ويطرحون بدائل وأفكاراً تقوم في غالبيتها على رفض أي حوار فعلي مع النظام، ويدعون بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أنواع مختلفة من التدخل الخارجي بغية إسقاط النظام نهائياً.
وسط حفلة الجنون هذه، المعطوفة على جنون الأرض، برزت مجموعة مبادرات صيغت أفكارها ضمن أوراق جرى تبادلها بين معارضين فاعلين، وبين أركان في النظام، بما فيها القصر الرئاسي. ومن بين هذه الأوراق، واحدة تتضمن مبادرة متكاملة تقود إلى إخراج سوريا، في خلال وقت مقبول، من هذه الأزمة الوطنية الكبرى.
وبما أن الوقت لا يبدو مناسباً للكشف عن هوية من يقف خلف الأفكار وما يمكن أن ينتج منها قريباً، من المفيد عرض القسم الأبرز من الخطوات العملية المقترحة لمعالجة منطقية وباردة لأزمة بالغة السخونة.
في خلفية المبادرة يرد الآتي:
«تقف سوريا الآن عند مفترق طرق لعلّه الأخطر في تاريخها ما بعد الاستقلال. مدعاته حال الاستعصاء التي وصلت إليها الأزمة الوطنيّة الكبرى، والتي ستفضي، بالضرورة، إلى واحدٍ من مخرجين: إما الانزلاق إلى احتراب أهلي دموي عمره بالشهور، بل ربما بالسنين، وكلفته مليون ضحية بين قتيل ومشوّهٍ ومقعد، أو التوصّل إلى تسويةٍ تاريخيّةٍ كبرى ـــــ لطالما احتاج إليها الوطن السوري منذ أمد ليس بقصير ـــــ عنوانها التغيير، ومتنها استبدال نظام بتشييد دولة، دولة مدنية حديثة على قاعدة عقد اجتماعي جديد تتراضى عليه أطياف المجتمع السوري، ووفق ثوابته الوطنيّة والقوميّة (...). ولمّا كان النظام هو الحاكم والمسؤول، فبديهي أن يكون المطالب بالمبادأة والحكمة والشجاعة الأدبيّة، قبل المواطن الفرد ومجتمعه الأوسع. لذا، إن حزمة من السياسات الصادمة والإيجابيّة التي يمكن اقتراحها وتوقّعها من رئيس الجمهوريّة، تضحي أمر اليوم من دون اشتراط ذلك بضمان سلوك الشارع؛ لأنّ التظاهر السلمي كان في الأساس وسيلة ضغط الشارع الوحيدة على النظام.
أما بشأن المقترحات المباشرة، فيرد في الورقة:
ـــــ وقف النار الفوري على كامل الجغرافيا السوريّة، وعودة القوات المسلحة إلى ثُكَنها تدريجاً. ومن يستمرّ بإطلاق النار يُواجَه بعمليات أمنية موضعيّة تتعامل معه جراحيّاً وبحزم.
ـــــ إطلاق سراح كل المسجونين والمعتقلين السياسيين، وإصدار عفو عام وشامل عن كل القضايا السياسيّة، وإلغاء القانون 49 ورد الحقوق إلى أصحابها على الفور، سواء من مصادراتٍ أو استملاكاتٍ أو آثار ابتزاز، ما تقادم عليه الوقت منها أو ما استجدّ خلال الأزمة، والقبض على المسببين الفعليين لإيذاء الناس خلال الأزمة وإحالتهم على محكمة علنيّة، سواء منهم من بدأها في درعا أو من شابههم في محافظات أخرى لحقت بها. ثم معاملة كل ضحايا الأحداث، عسكريين ومدنيين، كشهداء للوطن، وتعويض أسرهم وفق تلك القاعدة، مع تخصيص أيام ثلاثة للحداد الوطني.
ـــــ طيّ ملف المفقودين وفق آليّة ملائمة وكريمة تحفظ حقوق المتضررين وأسرهم، وإنشاء هيئة وطنيّة للمصالحة والعفو تتعامل مع ملفات ما بعد 8 آذار 63 الجرميّة على الطريقة الجنوب أفريقيّة والمغربيّة، ثم تأليف لجنة وطنيّة تضع مسودة دستور جديد لتقدّم إلى مجلس النوّاب الجديد لمناقشتها، ثمّ إحالتها على الاستفتاء العام بعد بتّها.
ـــــ تأليف حكومة إنقاذ برئاسة رئيس الجمهوريّة، تضم شخصيّات من المعارضة الوطنيّة، إضافة إلى تكنوقراط كفوء، مع احتساب حقائب الداخليّة والخارجيّة والدفاع على حصة البعث. ثم إعلان الفصل الجماعي للمنتسبين إلى سلكي الشرطة والقضاء من عضويّة حزب البعث. وإلغاء امتيازات أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وفك أي ارتباط بينها وبين أجهزة الدولة.
ـــــ إعادة ترميم دولة الرعاية بكل ما تتطلبه من استيفاء حقوق الفقراء وذوي الدخل المحدود من دعم لأسعار السلع التموينيّة الأساسيّة لمستحقيها، وتوفير طبابة مجانيّة، وتعليم مجاني بكل مراحله، وتأمين ضد البطالة، وإسكان زهيد الكلفة وحظر الاحتكارات في قطاعات الاقتصاد والأعمال.
ـــــ الدعوة إلى انتخابات نيابيّة عامّة مطلع 2012، وتكون من أولى مهمات مجلس النوّاب الجديد مراجعة مسودة الدستور الجديد وإقرارها، وإعادة النظر في قوانين الأحزاب والانتخابات والإعلام والإدارة (الحكم) المحليّة والطوارئ والتظاهر والسلطة القضائيّة والجامعات والجمعيات والعقوبات وغيرها.
ـــــ تحقيق الاستقلال القضائي عبر اتباع سلك القضاء لمجلس القضاء الأعلى الذي يرأسه رئيس محكمة النقض، وبضمنه النيابة العامّة والتفتيش القضائي.
ـــــ تأليف مجلس للأمن القومي برئاسة الرئيس وعضويّة نوابه ورئيس مجلس الوزراء ووزراء الدفاع والداخليّة والخارجيّة ورئيس المخابرات العامّة ورئيس هيئة الأركان العامّة ومدير المخابرات العسكريّة، وله أمين عام متفرّغ.
ـــــ فصل الفرع الداخلي عن إدارة المخابرات العامّة ليصبح تخصصها الأمن القومي البحت (التجسس الخارجي ومكافحة التجسس الداخلي وتقديرات المعلومات)، ودمج هذا الفرع مع إدارة الأمن السياسي تحت عنوان (إدارة الأمن الوطني)، وتتبع وزارة الداخليّة.
ـــــ إلغاء وزارة الإعلام، وإنشاء اتحاد عام للإذاعة والتلفزيون ومجلس أعلى للإعلام من شخصيّات يرشّحها رئيس الجمهوريّة وخاضعة لإقرار مجلس النوّاب.
ـــــ إعادة تنظيم القطاع العام بهدف فصل الملكيّة عن الإدارة، وعقد مؤتمر للإدارة والإنتاج لمناقشة قضاياه واستخلاص دليل عمل للمرحلة المقبلة، وتحقيق العدالة الضريبيّة بالتشديد على التحصيل الصحيح من دخول الأغنياء، ثم دمج الهيئة المركزيّة للرقابة والتفتيش مع الجهاز المركزي للرقابة الماليّة في جهاز واحد اسمه «الهيئة المركزيّة لرقابة الدولة» يتبع لمجلس النوّاب.
ـــــ دمج المحافظات الحاليّة في محافظات أكبر هي: دمشق، حلب، حوران، الساحل، العاصي والفرات، يديرها محافظون برتبة وزير يتبعون رئاسة مجلس الوزراء، مع إلغاء وزارة الإدارة المحليّة.
من الواضح أن لا مشكلة في إعداد مقترحات للحل. لكن المشكلة في من يقدر على تحويلها إلى ورقة عمل لدى الأطراف المتنازعة. ذلك لا يعفي النظام من مسؤوليته في إعطاء الإشارة الفعلية إلى أنه لا عودة إلى ما قبل 15 آذار. ومن يدّعِ العكس، فهو مجرم بحق سوريا.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,714,660

عدد الزوار: 6,962,508

المتواجدون الآن: 52