في الأزمة السورية [1] انقسام طائفيّ حادّ ومأساة أهلية وانهيار اقتصادي

تاريخ الإضافة الجمعة 2 أيلول 2011 - 8:32 ص    عدد الزيارات 846    التعليقات 0

        

في الأزمة السورية [1] انقسام طائفيّ حادّ ومأساة أهلية وانهيار اقتصادي

 
 
 
ابراهيم الأمين

لنضع جانباً كل المبالغات التي تقوم بها وسائل إعلام الفريق العربي والدولي الراغب في تغيير النظام في سوريا. أصلاً، لم تعد هذه التغطية تفيد في شيء. لا هي منعت النظام في سوريا من مواصلة خياره الأمني، ولا هي زادت من وتيرة التظاهرات أو حجم المتظاهرين. فضلاً عن أنّ المرء لا يحتاج إلى كل هذا الضخّ كي يبني موقفاً أخلاقياً أو إنسانياً أو سياسياً، رافضاً لكل أنواع القتل. لكن النتيجة الوحيدة لهذه التعبئة باتت رفع مستوى التوتر. والحديث عن التوتر هنا، ليس في بعده السياسي، بمعنى أنه لن يكون هناك مسؤول عربي أو غربي سيعمد إلى بناء استراتيجية وفقاً لما يراه على الشاشة. بل هو التوتر الذي يعني في وقائع عالمنا العربي، اليوم، الشرخ المذهبي والطائفي، وهو واقع الحال في سوريا، بمعزل عن كل ما يقوله النظام أو الناس أو من يدّعون النطق باسم الناس.
مع ذلك، لنضع هذه الصورة جانباً. ولنقف عند حقائق يريد الجميع تجاهلها اليوم، كل لغاية في نفس يعقوبه. وهي حقائق قاسية ليس فيها ما يعزز الأمل بحل، لكن فيها ما يعزز الشعور بالخوف على سوريا وأهلها. ومنها:
أولاً: إن النظام ليس في وارد التراجع عن السياسة التي يتبعها في معالجة الأوضاع. وهو يعتقد أن علاجه الأمني نفع في معظم المناطق التي يقول إنه جرى العمل على تحويلها إلى مناطق خارجة عن سيطرة الدولة تمهيداً لإعلانها مناطق مهددة تحتاج إلى حماية دولية تقود إلى تدخل على طريقة ما حصل في ليبيا، وإن العلاجات الأمنية نجحت في توجيه ضربات قوية إلى بنية أساسية كانت المجموعات المسلحة ــــ التي تقودها إما فرق إسلامية متطرفة أو أجهزة استخبارات ــــ تركز عليها في عملية الانتقال إلى العصيان الكامل.
ثانياً: إن النظام لا يرى أن الأفق متاح لأي علاجات مختلفة، ما دام التظاهر والاحتجاج هو فعل الجانب الآخر، سواء كان هذا الآخر من المواطنين أنفسهم الباحثين عن تغييرات إصلاحية، أو كان من أولئك المرتبطين بمشاريع سياسية وغير سياسية تسعى إلى قلب نظام الحكم في سوريا. وبالتالي فإن النظام سيستمر في هذه الحملة، وهو يضع الآن نصب عينيه مدينة حمص ومحيطها، وخصوصاً جانبها الغربي القريب من الحدود مع لبنان.
ثالثاً: إن النظام لا يرى أن التغييرات ممكنة في ظل استمرار الحركة الاحتجاجية بواقعها الحالي وبشعاراتها وأدواتها التعبوية وقياداتها داخل سوريا أو خارجها. وهو مستمر في تنفيذ ما يراه مناسباً من خطوات إصلاحية بمعزل عن تقويم الآخرين لجدية هذه الإصلاحات أو نوعيتها. ويرى العقل المقرر في سوريا أن برنامج الإصلاحات يحتاج إلى فترة طويلة، أولها انتقالي لا تقل مدته الزمنية عن ثمانية أشهر. وثانيها برنامج طويل الأمد يحتاج إلى ولاية نيابية كاملة. وهو لا يرى أن الوقت قد حان لإدخال تغييرات جوهرية على بنية القرار وبنية الدولة إدارياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً.
رابعاً: إن القوى الناشطة على الأرض ترى أن من المستحيل العودة إلى المنازل الآن، وأن القيادات الشابة الناشطة ضمن التنسيقيات أو ضمن دوائر الإعداد للتحركات وقيادتها، ترى أنها في موقع الخيانة إن هي قبلت بوقف التحركات ربطاً بدعوة إلى حوار، وهي ترفض التفويض إلى أحد من الشخصيات المعارضة مهمة التفاوض مع الحكم. وهي إن قبلت بمفاوضات معينة، فإنها ترى ذلك ممكناً في ظل استمرار أعمالها الاحتجاجية.
خامساً: إن هذه القوى لا ترى أن النظام مقبل على تغييرات حقيقية، وهي تفقد ما بقي من عناصر ثقة لها بكل مؤسسات الدولة، ربطاً بعدم حصول أي خطوة تدل على وجود رغبة في التغيير، وهي تعتقد أن إلغاء قانون الطوارئ تحول إلى نكتة بفعل عمليات الاعتقال والقتل الجارية من دون توقف، ومن دون رقيب أو حسيب، وأن قانون التظاهر هو أيضاً نكتة، بدليل أن قوات الأمن تسعى إلى منع عشرات المصلين من الخروج من مسجد صغير في حي بعيد عن وسط المدن، وأن القوانين الصادرة بشأن الإعلام والأحزاب لا تعني شيئاً في ظل الإطباق الإعلامي للحكومة، وفي ظل استمرار منح حزب البعث صفة الحزب القائد.
سادساً: إن الشخصيات والأطر المعارضة، ترى نفسها في حالة معقدة للغاية. فلا هي تثق بجدوى الحوار الآن مع السلطة، ولا هي قادرة على ادعاء الإمساك بنبض الشارع لكي تؤثر فيه. وهي تعيش حالات صعبة على صعيد إنتاج مبادرة سياسية تؤدي إلى حل. وبالتالي تتجه هذه الشخصيات وهذه الأطر يوماً بعد يوم إلى مزيد من التشدد المبرر بعنف السلطة. وهي إذ تشهد نقاشاً قوياً حول الموقف من المداخلات الخارجية أو من بروز نزعة التسلح عند فئات من المتظاهرين، إلا أنها تحمّل النظام المسؤولية الكاملة. وبالتالي، لن يكون بمقدورها ادعاء القدرة على إنتاج وضع بديل الآن.
سابعاً: إن الانقسام الأهلي صار أكثر حدة يوماً بعد يوم، وهو يأخذ بعداً سياسياً في أمكنة محددة، وخصوصاً في قلب المدن الكبرى أو في قلب الأطر السياسية والتجارية والاجتماعية الكبرى. لكنه يأخذ بعداً دينياً ومذهبياً في كل الأمكنة الأخرى، وهي الأمكنة الغالبة. فلا حديث النظام عن العلمانية والمدنية ظل يفيد في شيء، ولا حديث بعض المعارضين عن الوحدة الوطنية يغطي على خراب البصرة. فيما عمليات النزوح من أحياء إلى أحياء بفعل التوترات الطائفية جار على قدم وساق. كذلك اللغة المستخدمة في إدانة كل طرف للآخر. وهي لغة نعرفها جيداً في لبنان، ويعرفها أهل العراق أيضاً.
ثامناً: إن التشكيلات الطائفية للمجتمع السوري صارت منقسمة بدورها ربطاً بالنزاع السياسي. فهناك غالبية ساحقة عند العلويين مع النظام، وكذلك هناك أغلبية مسيحية ودرزية وإسماعيلية وشيعية باتت أكثر انخراطاً في الدفاع عن النظام. بينما هناك أقلية سنية، وهي أقلية وازنة حتى الآن، لكنها تتراجع لمصلحة أغلبية سنية تعارض النظام وتطلب إطاحته اليوم قبل الغد. وهو أمر كثير القساوة والوضوح. ولا ينفع معه وجود شخصيات معارضة من هذه الطائفة أو تلك، ولا ينفع معه كذلك وجود شخصيات بارزة داخل مؤسسات النظام. وهو مشهد نعرفه جيداً نحن في لبنان، ويعرفه أهل العراق أيضاً.
تاسعاً: إن الاقتصاد السوري في حالة انهيار تدريجية. قطاعات الإنتاج في حالة كمون، والقطاعات الخدماتية في حالة شلل، ومؤسسات الدولة في حال إنهاك و«هريان». والفوضى تحتل المكان، ولا توقعات بأي نوع من النمو هذه السنة أو التي بعدها في ظل هذا الاضطراب الداخلي. وعمليات تهريب الأموال قائمة من دون توقف، وكذلك الإنفاق العام الفوضوي الذي يرتبط كثيراً بمساع جانبية من جانب السلطة لإرضاء بعض قطاعات المحتجين. وهناك مؤشرات واقعية على مزيد من التراجع، الذي يترافق مع ارتفاع نسبة البطالة والدين الفردي، مقابل جموح لبعض القطاعات التي تسعى إلى مضاعفة ثرواتها في القطاعات الاستهلاكية من خلال خفض أكلاف الأجور نتيجة وجود عرض للعمل أكثر من الطلب عليه، وبسبب غياب الرقابة الحقيقية، وبسبب حاجة الناس إلى سلة الاستهلاك اليومي، وبسبب الحصار الذي بدأ يطل برأسه.
عاشراً: إن المواجهات القائمة باتت تنعكس مزيداً من التصلب في المواقف وفي ردود الفعل. وصار من الصعب على أحد المبادرة إلى خطوات تترك أثرها الحقيقي عند الطرفين. حتى الرئيس بشار الأسد خسر قسماً من رصيده بسبب ما يقول الناس إنه إحباط ناجم عن أن كل إطلالاته الإعلامية لم تكن مقرونة بخطوات نوعية وفعالة. وبالتالي فإن أفق الحوار الجاد في حالة انسداد الآن، ومن غير المتوقع أن تفتح الثغرة التي ينفذ منها برنامج أو شعار أو مبادرة تقود سوريا إلى موقع آخر.
وسط هذه الأجواء والحقائق القاسية، يستمر السوريون في إحصاء خسائرهم البشرية كل يوم. نحو ألفي قتيل من المدنيين، بينهم أكثر من ثلاثمئة من أنصار النظام ونحو خمسمئة قتيل من العسكريين. إضافة إلى عشرات آلاف الجرحى والمعتقلين والمفقودين والهاربين من البلاد. وهو مسلسل قد يطول، وقد ترتفع الأرقام إلى أضعاف وأضعاف في حال الصمت عن المبادرة الحقيقية. علماً بأن الجميع يعرف أنه سيأتي يوم، الآن أو بعد شهر أو بعد سنة أو أكثر، ليجلس الجميع من جديد إلى طاولة الحوار. نعرف، نحن اللبنانيين، هذا الأمر جيداً، ويعرفه أهل العراق أيضاً.
فمن يقدر على إلقاء الحجر الكبير في هذه المياه المدماة، ومن يقدر على كسب الحد المقبول من ثقة الجانبين للقيام بمبادرة حقيقية، تنتزع من الجانبين ما يكفي لتحقيق تسوية انتقالية، توقف حمام الدم وتوقف الفوضى، وتسحب الذرائع من أمام العالم المجرم الزاحف نحو التدمير والتخريب والاستعمار من جديد؟ ومن يقدر على رفع الصوت بوجه الجميع، ويفرض التنازلات؟
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,716,611

عدد الزوار: 6,962,566

المتواجدون الآن: 65