يتظاهرون.. ولو تحت الحصار

تاريخ الإضافة الإثنين 22 آب 2011 - 4:40 ص    عدد الزيارات 735    التعليقات 0

        

يتظاهرون.. ولو تحت الحصار
ناشطون سوريون يروون حيل الأهالي لإعاقة الأمن عن دخول الأحياء الصغيرة ريثما يخرجون للتظاهر
دمشق - لندن: «الشرق الأوسط»
أكثر ما يحير الإعلاميين الذين يتلقفون أخبار الثورة السورية في الخارج، من التنسيقيات ومن مصادر محلية، هو استمرار خروج المظاهرات في المناطق والمدن المحاصرة بالدبابات مع وجود أمني وعسكري كثيف. إنه السؤال الذي يوجه دائما من إعلاميي الخارج، للمراسلين، ويطالبونهم بتفسير منطقي له، بحسب ما قاله مراسل إحدى وسائل الإعلام الأوروبية في دمشق لـ«الشرق الأوسط»، بعدما أكد أن لديه تفسيرا منطقيا استنادا إلى معاينته للواقع في المنطقة التي يعيش فيها بريف دمشق، وهي من البؤر الساخنة منذ بداية الانتفاضة. لكن هذا التفسير لا يزيل الحيرة بل يزيدها، إذ إن تفسيره كان أن «السوريين الضالعين في الثورة ليس أمامهم خيار سوى المضي في ثورتهم حتى النهاية، لأن غالبيتهم يدركون أن أي تراجع ستكون كلفته أضعاف التصميم على الاستمرار».

حيرة الإعلاميين في الخارج قد تكون مبررة، لكن أن يعبر أحد الناشطين في حمص، من المشاركين في التظاهر، عن دهشته من خروج مظاهرات في حي باب السباع المحاصر، فهذا أمر مدهش فعلا. فقد قال الناشط في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» من لندن، إنه متعجب من خروج المظاهرات في حي باب السباع المحاصر بالدبابات وانتشار الأمن والقناصة في كل مكان، وقال إنه لم يتمكن من التواصل مع رفاقه في الحي هناك ليعرف كيف خرجوا في مثل هذه الظروف، مضيفا «حتى في حديقة العلاو خرجوا، ولم تكن مظاهرة طيارة، بل توقفوا لساعات وهتفوا وغنوا وصنعوا مجسمات دمى للدبابات والمدافع، وأقاموا مسرحا وعملوا استعراضا، بما يعني أنهم أخذوا الوقت الكافي لفعل كل ذلك، وكأن الدبابات غير موجودة ولا تحاصر منطقتهم».

الأمر يبدو ظاهريا وكأنه «ضرب من السحر.. ولِم لا؟» تقول هند، وهو اسم مستعار لناشطة (40 عاما)، وتضيف «من كان يتخيل أن تقوم في سوريا ثورة في ظل نظام مستبد يقبض بيد من فولاذ على الجيش والاقتصاد والقضاء مع واقع إقليمي ودولي داعم لبقائه؟». وتتابع هند «مع أني علمانية أميل لتفسير الأمور منطقيا لا دينيا، أو حتى عاطفيا، فإن ثورة الشعب السوري وشجاعته جعلتني أؤمن بالمعجزات». إلا أن ناشطا آخر (30 عاما) من المنخرطين في التظاهر، يقدم تحليلا واقعيا لما يجري، ويقول مستندا إلى خبرته «يمكن وصف ما يجري بـ(ألعاب خفة)، يمارسها الجانبان، قوات الأمن والمتظاهرون، أو شيء أقرب إلى لعبة (الطميمة) التي يلعبها الأطفال». ويتابع موضحا «المتظاهرون باتوا خبراء بطرق تحرك الأمن والجيش والتكتيك المتبع في الحصار والمداهمة، يلتقطون إشاراته مسبقا، لأنهم يتبعون التكتيك ذاته في كل مدينة وحي، مع بعض التنويعات المتعلقة بالمباغتة، وكلها باتت واضحة ومكشوفة لكثرة تطبيقها، إذ لم تبق مدينة ولا حي في سوريا لم يتعرض للحصار والمداهمات والملاحقات». ويلفت الناشط الشاب إلى أنه «منذ البداية كان واضحا للجميع أن النظام اعتبر الوصول إلى الساحات خطا أحمر، وكل منطقة يتمكن المتظاهرون فيها من الوصول إلى إحدى الساحة يتم احتلالها لاحقا من قبل قوات الأمن والجيش». لذلك فإن تمركز الجيش عادة ما يكون في الساحات والشوارع الفرعية، و«تبقى هناك أحياء وزواريب ضيقة بعيدة عن سيطرتهم».

ويذكر في هذا الخصوص بما جرى في العاصمة دمشق عند إعلان نية الزحف إلى ساحة العباسيين، حيث سارعت قوات الأمن إلى احتلال الساحة وتطويق المنطقة قبل أسبوع من الموعد المعلن عنه، وتم وضع حواجز تفتيش على جميع المداخل المؤدية إليها من على بعد عدة كيلومترات.

في شهر أبريل (نيسان) عندما حاول أهالي ريف دمشق، دوما وعربين وجوبر وزملكا، الزحف إلى الساحة، تم إطلاق النار عليهم من على بعد نحو كيلومترين من الساحة من جهة جوبر، وفي المرة الثانية قتل أربعة أشخاص عند سوق الهال في الزبلطاني. حينها أيقن المتظاهرون أن الوصول إلى ساحة العباسيين أو أي ساحة في مدينة دمشق مكلف جدا، لأنه أولا لا يمكن تأمين المنطقة بالطريقة ذاتها التي يقومون بها بتأمين مناطقهم التي يعرفونها شبرا شبرا ويسيطرون عليها، وثانيا لأن المسافات التي يقطعونها للوصول إلى الساحات طويلة ومكشوفة وبالإمكان اصطيادهم بسهولة، ثالثا فرص الهروب إلى الحارات والنجاة غير مضمونة في تلك المناطق.

ومن أجل السيطرة على المنطقة، يتبع النظام خطة تقسيم المدن إلى مربعات تفصل بينها حواجز تضبط الحركة بينها، وتحاط المناطق الساخنة بحواجز عسكرية وأمنية، حيث كانت في البداية أمنية، لكن مع تنامي الغضب والحقد على الأمن صارت الحواجز عسكرية، يرافقها عناصر أمنية متخفية بزي عسكري. ففي بعض المناطق في حمص مثلا يقول أبو عاصم «إن الحاجز الذي يوجد حوله عناصر من الأمن لا نتعاطى معه، أما عندما يكون هناك جيش فقط فإننا نفتح حديثا مع الشباب نسألهم عن أحوالهم وإذا كانوا يحتاجون أي شيء، وفي الأشهر الأخيرة وبعدما تنبه الأمن إلى ذلك صاروا يزرعون عنصر أمن ليتجسس على الجنود ولمنع احتكاكهم مع الأهالي». ويؤكد أبو عاصم أن «أكثر من جندي قتلوا في حمص برصاص الأمن لأنهم أظهروا تعاطفا مع المتظاهرين أو أنهم لم يطلقوا النار عليهم». ويردف قائلا «إن عمليات القتل وإطلاق النار الكثيف يقوم بها عادة رجال الأمن والشبيحة، أما رجال الجيش والدبابات فهم لحماية الأمن الذي لا يجرؤ على اقتحام الحارات وحده، وبما أن الدبابات لا تتمكن من دخول الحارات فهي تتركز في الساحات والشوارع الرئيسية، ولدى اقتحام أي منطقة يتم إطلاق نار كثيف لإرهاب الناس وترويعهم وإجبارهم على ملازمة البيوت ليتمكن رجال الأمن من التقدم والقيام بأعمال مداهمة، ولا يتحركون إلا في مجموعات ومعهم عناصر من الجيش بالعتاد الكامل، وذلك لأن دخول عناصر الأمن والشبيحة وحدهم يعرضهم لهجوم بالحجارة من قبل المتظاهرين المختبئين، كما قد يتعرضون للقذف بأشياء مختلفة من شرفات المنازل مثل اصيص زهور أو بلوك، كما قد تتم عملية استدراج إلى حارات ضيقة وتصبح إمكانية اختطافهم سهلة».

ويضيف «لذا عندما تكون هناك عمليات تمشيط للأحياء تترافق عناصر الأمن مع قوات من الجيش ويحاولون إرهاب السكان بأعمال التخريب والنهب وقذف الناس بأقذع الألفاظ، وبعد إتمام مهامهم واعتقال المطلوبين والذين هم عادة أهم الناشطين من المتظاهرين والجنود الفارين، يقومون بالانسحاب إلى الشوارع الرئيسية والساحات ويتمركزون هناك، وتبقى الحارات خالية منهم، لتعود وتخرج مظاهرات داخل الأحياء، وريثما يعود الأمن والشبيحة ويقومون بإطلاق النار تكون المظاهرة قد انفضت، حيث إن مدة المظاهرة تتفاوت بحسب سرعة وصول رجال الأمن وبدء إطلاق النار».

وهنا يستفيض أبو عاصم في شرح طرق تأمين الحارات. فيقول «يقوم المتظاهرون بوضع حواجز تعوق تقدم الأمن، مثل إشعال إطارات أو وضع حاويات تسد الشوارع المؤدية إلى مكان التظاهر، وينتشر شباب على مسافات بعيدة يستطلعون تحرك الأمن ويقومون بإيصال المعلومات إلى المتظاهرين».

ويقول ناشط من ريف دمشق على صفحته على موقع «فيس بوك» إنه «في بعض المدن والبلدات وقبل اقتحامها من قبل الجيش تمكن المتظاهرون من جعل مناطق واسعة خارج سيطرة الأمن، ولعدة أسابيع مثل دوما والقدم والقابون وركن الدين، لكن ذلك كان قبل شهر رمضان، وكانت السلطات تغض النظر عن بعض المناطق بسبب انشغالها في مناطق أخرى، ولكن مع بدء شهر رمضان وتوعد الثوار بمزيد من المظاهرات اليومية بعد صلاة التراويح، كثف النظام حملاته، واتبع تكتيكات جديدة مثل إرسال نساء بملابس مدنية مشابهة لملابس سكان المنطقة لاستطلاع الحارات وأماكن تموضع الشباب الذين يحرسون المنطقة».

كما اعتمد الأمن «عنصر المفاجأة» مثلما جرى في مدينة حماه، وحمص وريفها، والرمل الجنوبي، ودير الزور، إذ كانت تتحرك الدبابات فجرا مع قطع الاتصالات لتكون في ساعات الصباح الأولى وسط المدن المحاصرة، ومن عدة محاور، مع عزل المدن من خلال وضع حواجز على كل المداخل ومنع حركة الدخول والخروج طيلة فترة العملية الأمنية، وفي بعض المناطق يتم قطع الاتصالات والكهرباء.

مدينة حماه اقتحمها الجيش عشية بداية شهر رمضان، بعد أن اطمأن الأهالي أن الجيش لن يدخلها، وبعد أن عادت كثير من العائلات التي سبق أن نزحت إلى المدن والمناطق الأخرى تحسبا لهجوم وشيك لم يحصل. وكانت المفاجأة بقطع الاتصالات وعزل المدينة فجرا من دون سابق إنذار، ومع أن عملية تمشيط واسعة جرت، وسقط عشرات الشهداء، إلا أن ناشطا في مدينة حماه أكد لـ«الشرق الأوسط» أن الجيش والأمن لم يتمكنا من فرض السيطرة الكاملة على المدينة، وبقيت هناك أحياء عصية على الاقتحام، حيث لا يمكن للدبابات أن تدخل ولا يجرؤ الأمن على اقتحامها، وهذا لم يمنع استمرار خروج المظاهرات في الحارات الضيقة، لكنه منع وصول المتظاهرين إلى ساحة العاصي، حيث مكثت الدبابات هناك. كما تمركز القناصة على أسطح المباني الحكومية العالية المحيطة بالساحة، وخسر الحمويون ساحة العاصي التي سيطروا عليها لعدة أشهر، وشهدت أكبر مظاهرات في البلاد، بل إنها بحسب الناشط الحموي كانت قبلة المتظاهرين من القرى والمدن القريبة والمناطق ذات الوجود الأمني الكثيف. فكان المتظاهرون يذهبون للمشاركة في حماه كونها خارج السيطرة الأمنية وبالإمكان التظاهر هناك بأمان، ولعل هذا ما جعل النظام السوري يستميت لفرض سيطرته على ساحة العاصي، وأقدم على أخطر مغامرة في اقتحام مدينة حماه، ونكأ جراح الثمانينات ومعها الاستياء والتنديد الدولي والعربي.

فالمظاهرات الطيارة، أي التي لا تتجاوز العشر دقائق، لا تقلق النظام بقدر ما يقلقه الاعتصام في الساحات، فمشهد ميدان التحرير في مصر كان عبرة للنظام، لذا فإنه سعى جاهدا منذ البداية لئلا يتكرر في سوريا. وقد نجح في منعه في العاصمة ومدينة حمص بعد مهاجمته الشهيرة لاعتصام ساحة الساعة في 18 أبريل الماضي، ولم تغادر قوات الجيش مدينة حمص، التي لا تزال تخرج المظاهرات في غالبية أحيائها. ويوم الأربعاء الماضي نجح المتظاهرون في العودة ولو بشكل سريع إلى ساحة الساعة الجديدة المحاطة بالقناصة حيث قاموا بمظاهرة طيارة أكدوا فيها إصرارهم على استعادتها. وذلك في الوقت الذي تقوم فيها قوات الأمن والجيش بتحطيم منازل العزاء في أكثر من منطقة مثل دوما وحرستا في ريف دمشق، والقدم والقابون وبرزة في دمشق، لتحول سرادقات العزاء المقامة في الشوارع إلى ساحات اعتصام يؤمها المعزون والداعمون للانتفاضة من كل الأنحاء، حيث تلقى الخطب وتردد الهتافات المناهضة للنظام لساعات طويلة يتم تصويرها وبثها على مواقع الإنترنت ووسائل الإعلام.

وتقول إحدى الناشطات ممن شاركن في عزاء بحي القابون الشهر الماضي «بدا الحي وكأنه ليس في مدينة دمشق، بل بلد آخر. كان هناك الآلاف من الشباب يهتفون (الشعب يريد إسقاط النظام)، ويشتمون رموز النظام، وكانت هناك شخصيات معارضة تلقي الخطب وتحيي الشهداء، ومع أن هناك من جاء حاملا خبر قدوم الجيش ووضع حواجز حول الحي ومنع الدخول والخروج، فإن المعتصمين استمروا في الهتاف وكأن شيئا لم يكن». وتتابع الناشطة القول «سألت أحد الأشخاص هناك: كيف سنخرج من هنا؟.. فقال لي: لا تهتمي هناك طرق فرعية سنتولى نحن أمر إخراجكم بأمان. وعندما سألته: ألا تخشون من الهجوم عليكم؟.. قال: لقد اعتدنا ذلك، سيبدأون بإطلاق الرصاص، لكن ليس بإمكانهم الوصول إلى هذه الساحة بسهولة».

الناشطة عبرت عن دهشتها من قدرة شباب القابون على إخراج ضيوفهم من المنطقة عبر طرق زراعية بعيدا عن الحواجز، وقالت «كان مؤسفا أن أسمع بعد أسابيع قليلة وصول قوات الجيش إلى تلك الساحة وهدم المنصة وتحطيم المكان الذي شاهدت فيه أروع مشاهد الثورة في سوريا، لكن ما يعزي أن أهالي القابون لم يتوقفوا عن التظاهر في الحارات».

الأمر لا يختلف في درعا بل إنه أشد قسوة بما لا يقاس. فكل شيء هناك مضاعف، اتساع وحدة التظاهر، وأيضا شدة العنف والقمع الممارس من قبل النظام، ومع ذلك لم يمنع الوجود الأمني المكثف داخل المدن والقرى واحتلال المساجد وانتشار القناصة خروج المظاهرات، مع أنها ليست كما كانت في البداية أو خلال الفترات التي خرجت فيها عن السيطرة العسكرية، مما يعني بشكل ما، عدا أن الحل الأمني فشل ويفشل في قمع المظاهرات، أن النظام فقد هيبته وسيطرته، ولا يمكنه فرض وجوده من دون دبابات ومدرعات وجيش جرار، لأن مجرد تراجعهم وتركزهم في محيط المدن أو الأحياء يدفع المتظاهرين إلى الشوارع والساحات، لقناعة بنيت لديهم خلال نحو ستة أشهر من المواجهات أن الأجهزة الأمنية السورية ورغم شراستها، نهشها الفساد وغير قادرة على مواجهة الشعب بمعزل عن الجيش وسلاحه الثقيل. ويبدو أن التعذيب الوحشي والقمع والرصاص الحي والصواعق الكهربائية والاعتقال التعسفي أساليب لم تعد ترهب شعبا خرج إلى الشارع وقرر ألا يعود قبل أن يحقق أهدافه.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,956,620

عدد الزوار: 6,973,121

المتواجدون الآن: 87