لبنان بين الانتفاضات العربية وتحديات التغيير[(2)

تاريخ الإضافة السبت 20 آب 2011 - 12:33 م    عدد الزيارات 916    التعليقات 0

        

يختلف تأثير ما حصل من انتفاضات في الدول العربية على لبنان بين بلد وآخر. فما حصل في اليمن، ليبيا وتونس ربما لم يكن له تأثير مباشر على لبنان، وكذلك الحال بالنسبة للبحرين، التي اقتصر تأثيرها على تعاطف طائفة لبنانية محددة مع الكيان الشيعي في البحرين، من دون أن يرتقي إلى مستوى التعاطف العام. أما بدايات التأثير الأقوى فكانت مع سقوط النظام في مصر على اعتبار أن النظام المصري، برئاسة حسني مبارك، كان يصنف على أنه أحد أركان «محور الاعتدال»، في المنطقة العربية إلى جانب السعودية. وفي ظل اصطفاف الأطراف السياسية اللبنانية بين «محور الاعتدال» و«محور الممانعة»، فإن من يعتبر نفسه في لبنان ينتمي إلى محور الاعتدال وجد أنه خسر حليفاً بسقوط النظام المصري، في حين أن الطرف الآخر اعتبر أنه انتصر.
الأمر نفسه تكرر مع إندلاع الإحتجاجات في سوريا. ولذلك فإن المخاض الذي مرت به عملية تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية والتجاذبات التي واجهتها، وإن لعبت الخلافات الداخلية حول المواقع والوزارات والحصص السياسية دوراً فيه، إلا أنه لا يمكن فصله عن المشهد الإقليمي والمرحلة الإنتقالية التي تمر بها المنطقة، ولا سيما أن التجارب التاريخية تبين أن إختيار رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة في لبنان يخضع لتوافق إقليمي ودولي.
والأحداث في سوريا قد تكون دفعت البعض لعدم تشكيل الحكومة بانتظار إمكانية أن يتغير الوضع في سوريا فلا يحصل حلفاء دمشق على ما يريدون في لبنان، في حين ضغط البعض الآخر للإسراع في تشكيل الحكومة لإقفال هذه الثغرة التي يمكن أن يستفيد منها خصوم سوريا ومحاولة لحماية ظهر النظام السوري، وهو ما يفسر تضحية الطائفة الشيعية بعرف يعتبر من صلب اتفاق الطائف، واقتراحها الإنتقاص من حصتها الوزارية لتسهيل عملية ولادة الحكومة.
هذه المعطيات، تؤشر إلى أن الحكومة الحالية ستكون مجمدة، لأن جميع خطواتها سيتم تسييسها، وبالتالي ستكون قدرتها على تحقيق الكثير من الإنجازات محدودة على الرغم من التحديات العديدة التي ينتظر منها معالجتها.
التحدي الأول سياسي مرتبط بالوضع الإقليمي، لأن ولادة الحكومة الحالية تمت في ظرف إقليمي محدد وحسابات سياسية محددة، تطلبت استبعاد رئيس الوزراء السابق، سعد الحريري، وتسمية نجيب ميقاتي. ولذلك ستبقى الحكومة الحالية مهددة بسبب الوضع في سوريا، فإما أن تنجح الحكومة في تشكيل حزام أمان داخلي استباقي مهما كانت نتائج الوضع في سوريا وإما أن تفشل ليصبح لبنان عرضة للتغييرات. ومن هذا المنطلق، يقول البعض إنه كان خطأً كبيراً بالنسبة لتحالف 14 آذار عدم مشاركته في الحكومة اللبنانية نظراً للتحديات المنتظر مواجتها في هذه المرحلة. فبغض النظر عن أي درجة يمكن أن تكون الحكومة غير فعّالة، إلا أنه كان من المهم أن يكون الجميع ممثلين بها لمحاولة إبحار هذه المرحلة الصعبة.
أما التحدي الثاني، فيرتبط بتلبية احتياجات المواطنين والعمل على حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، استعادة الثقة بالأجهزة الأمنية، القضاء، التعامل مع المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، والمناورات الإسرائيلية.
على عكس الحكومة السابقة، الحكومة الحالية لديها الفرصة لمواجهة هذه المشاكل في ظل وجود تجانس بين الوزراء وعدم وجود كيديات سياسية داخل مجلس الوزراء قد تعطل عمل الحكومة، كما بإمكانها الاستفادة من الزخم في المحيط العربي للإقدام على بعض الاصلاحات وتحديداً في بعض الوزارات، مثل وزارتي العمل والعدل. في المقابل، فإن الحكومة لن تكون بمنأى عن التجاذبات الداخلية مع المعارضة، حيث يتوقع أن يكون الإقتصاد الجبهة الرئيسية للصراع بين مختلف اللاعبين اللبنانيين وخاصة النظام المصرفي، وخصوصاً بعد ما تعرض له المصرف اللبناني الكندي، والمخاوف من أن يكون مقدمة لحملة أكبر تطال القطاع المصرفي برمته.
ولذلك فإن أمام الحكومة الحالية تحدياً إضافياً، يتمثل في إثبات أنها مسؤولة اقتصادياً ومنضبطة مالياً، لأن الوضع الإقتصادي غير جيد في العالم العربي وتدهور بعد الإنتفاضات، كما أن البلدان الضعيفة اقتصادياً لن تعامل جيداً من قبل الأسواق المالية والشركات ورجال الأعمال.
سيناريوهات التغيير في سوريا وانعكاساتها السياسية على لبنان
تتعدد السناريوهات المرتبطة بمصير الإحتجاجات المستمرة في سوريا، وتتراوح بين قدرة النظام على إستيعاب الحركة الإحتجاجية، وبين فشله في امتصاص التطورات وصولاً إلى إنهياره، في حين يبقى خيار النموذج الليبي والتدخل الدولي عسكرياً مستبعداً. وأياً تكن السيناريوهات، فإن لبنان لن يكون بطبيعة الحال بمنأى عن أي تطور يحدث في سوريا، وخصوصاً أن أي نظام سيأتي إلى سوريا سواء أكان ديموقراطياً أم غير ديموقراطي، سيسعى بطريقة أو بأخرى للسيطرة على لبنان، بناءً على ما قدمه التاريخ من تجارب. كذلك فإن تأثير ما يجري في سوريا بدأ يشعر به في لبنان بشكل سلبي جداً وتحديداً من خلال المشاكل المذهبية التي شهدتها طرابلس في الآونة الأخيرة.
السيناريو الأول: يتغلب النظام السوري
على أزمته ويعتمد صيغة تقاسم السلطة
ينجح النظام في الخروج من أزمته واستيعاب التحركات الاحتجاجية ويعود للسيطرة، آخذاً بعين الاعتبار أنه لن يعود كما في السابق تماماً، حيث سيصبح البحث عن صيغة لتقاسم السلطة، مبنية على تقاسمات طائفية - إثنية، أمراً حتمياً لضرورة الإبقاء على وحدة البلاد، فيُمنح العلويون بعض الضمانات وتتمكن الأغلبية السنية من المشاركة في الحكم مع الرئيس العلوي من خلال برلمان منتخب.
وفي هذه الحالة، فإن الانعكاسات على لبنان يمكن توقعها على اعتبار أنها مجربة خلال السنوات السابقة نتيجة استمرار القيادة السورية نفسها في الحكم.
السيناريو الثاني: يسقط النظام، وتبقى سوريا موحدة
يسقط النظام، وتبقى سوريا موحدة. لكن هذا السقوط غير متبوع بمعرفة واضحة لهوية القوى التي ستخلفه. فهل هم الإخوان المسلمون الذين سيحكمون سواء بمفردهم أم ضمن تحالف مع قوى أخرى؟ وإذا كان هذا الافتراض هو الصحيح، تبقى التداعيات المحتملة على لبنان غير واضحة المعالم. فهل ستتعامل القوى الجديدة بشكل مختلف مع لبنان أم أنها ستعتبر نفسها في مرحلة جديدة من عودة الوعي الإخواني أو السني في المنطقة مع دخول الإخوان في مصر أو في أماكن أخرى إلى السلطة بقوة، ليكون لبنان موضع تجاذب جديد، أو اصطفاف سوريا الجديدة إلى جانب قوى محددة في لبنان في مقابل قوى أخرى.
السيناريو الثالث: تدخل سوريا في فترة طويلة من الفوضى والاقتتال
تشهد سوريا نموذج الحرب الأهلية الهادئة، فتبرد حيناً وتسخن حيناً آخر. فيضعف النظام دون أن يسقط، وفي نفس الوقت لا تستطيع القوى الاحتجاجية من السيطرة، لتصبح البلاد أمام حالة من الفوضى والاقتتال. وهو أسوأ سيناريو لجهة تداعياته على لبنان. فإذا حصل اقتتال مذهبي طائفي - عرقي في سوريا، لا أحد في لبنان يستطيع أن يمنع انتقال العدوى إليه، وخصوصاً أن لبنان يشبه سوريا مجتمعياً.
السيناريو الرابع: تقسّم سوريا إلى دويلات
هذا الإقتتال قد يستتبع الوصول إلى السيناريو الرابع والأسوأ، وهو تقسيم سوريا إلى دولتين على الأقل، فتشكل طرطوس - جبال العلويين دولة واحدة، في حين تشكل باقي المناطق دولة ثانية. الأمر الذي سينعكس، في حال تم، بشكل خطير على العلاقات الطائفية في لبنان، وقد تبدأ العديد من الطوائف بالتفكير بطريقة مماثلة، وخصوصاً أنه إلى جانب الترابط الجغرافي، فإن تركيبة المجتمع اللبناني تشبه الى حد بعيد تركيبة المجتمع السوري من حيث المذاهب والأديان؛ سنة، شيعة، دروزا، علويين، أكرادا ومسيحيين، وإن كان هناك اختلاف لجهة الصيغة التي يتم فيها ضبط التعددية الطائفية في البلدين.
ويبقى هذا السيناريو في المرحلة الراهنة صعباً، لأنه يحتاج إلى دعم خارجي قوي، وفي الوقت نفسه تكلفته السياسية مرتفعة جداً، ولن تقتصر تداعياته على سوريا أو لبنان فقط لأنه سيفتح شهية كل الأقليات والقوميات في المنطقة، كما سيشرع أبواباً من الصراعات لن تستقر معها حدود أي دولة جديدة إلاّ من خلال صراعات ومذابح دموية تضع الحدود الفاصلة بين دولة وأخرى.
السيناريو الخامس: تدخل سوريا في حرب
مع إسرائيل للخروج من الأزمة
يتمثل في نشوء حرب بين سوريا واسرائيل من جهة، أو إسرائيل وحزب الله من جهةٍ ثانية. ويرى البعض أن إسرائيل وسوريا لديهما هدف مشترك في الدخول في حرب مباشرة أو إدخال حزب الله في حرب مع إسرائيل، وخصوصاً مع تزايد الصعوبات التي يواجهها النظام السوري من جهة، والتحديات التي تنتظر النظام الإسرائيلي من جهة ثانية، في ظل الإستحقاقات القادمة وتحديداً توقع فشل اقتراح السلطة الفلسطينية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود الـ1967 المنوي طرحه خلال شهر أيلول المقبل على الجمعية العامة للأمم المتحدة. وإن كانت التقديرات تشير إلى أن إسرائيل قد يكون لديها مصلحة لجذب الأنظار بإتجاه مكان آخر، وخلق جبهة جديدة سيكون لبنان بشكل أو بآخر من ضحاياها، إلاّ أن من غير المرجح أن تحاول سوريا الخروج من الأزمة التي تعانيها في نوع من الحرب مع إسرائيل تخوضها سوريا أو حزب الله، وخصوصاً أن الوضع السوري لم يصل بعد إلى مرحلة أو نقطة اللاعودة.
فالنظام لا يزال لديه نقاط قوة ونقاط تماسك كثيرة، وبالتالي فإن سوريا لن ترغم الحلفاء على الذهاب في مغامرة لا أحد يعرف ما إذا كانت ستشعل المنطقة بأسرها، فضلاً عن أن النظام السوري لا يزال يمتلك أوراق ضغط أخرى في الأطراف المجاورة لسوريا يمكن أن يلعبها بعيداً عن لبنان.
ومن التحديات الإضافية التي تطرحها الإحتجاجات في سوريا موقف حزب الله. اذ إن حزب الله بصفته حليفاً لسوريا غير مرتاح لما يجري، ولديه رغبة بأن تنتهي الأمور بأسرع ما يمكن، لكن ليس على قاعدة الفوضى أو الحرب الأهلية أو مجيء نظام لا يعرف ما هي هويته، وما إذا كان سيستكمل التحالف معه في ما يعتبره حزب الله مشروع مقاومة ضد إسرائيل أو أنه سيحمل مشروعا آخر غير محدد المعالم.
تحد آخر، يتمثل في كيفية تعامل القوى اللبنانية المناهضة للنظام السوري مع أي تبدل قد يطرأ على تركيبته وتحديداً سقوطه.

[ تقرير المركز اللبناني للدراسات، حزيران 2011. وهو ملخص لنقاشات طاولة مستديرة شارك فيها د. مارتن بك، نزار صاغية، د. باسيل صلوخ، د. طلال عتريسي، سامي عطا الله ومايكل يونغ.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,961,728

عدد الزوار: 6,973,286

المتواجدون الآن: 77