الشيعة والمقاومة والهوية الوطنية [2] : فائض وطنيّ يسرقه طفيليّون وطائفيّون

تاريخ الإضافة الجمعة 1 تموز 2011 - 8:57 ص    عدد الزيارات 921    التعليقات 0

        

 

 
المقاومة والهويّة الوطنيّة [1]: رسومات الطوائف لسلاح حزب اللّه
ابراهيم الأمين
السعار الطائفي والمذهبي على أشدّه، ونوع الاستقطاب القائم لم يعد يؤثر فيه الكلام الواضح. حتى الحقائق مجرّد معلومات، لا تدخل في قناعة مَن كوَّنَ قناعته خلال العقد الأخير واكتفى. واليوم، ثمّة استسهال عند الجماعات الطائفية بأن تحصر الهوية الوطنية بمصالحها فقط، فتصبح قضية المقاومة من صلب هذه المصالح.
مسيحياً، أحدث العماد ميشال عون تحوّلاً واسعاً في المزاج العام عند المسيحيين، وأدخل في حلقاتهم الضيقة بنداً سجالياً كان سهلاً حسمه سابقاً برفضه. أما اليوم، فصار محل تجاذب بين داعم الى حدود التماهي مع المقاومة، وبين من يرى فيه مصلحة لبنانية وحتى مسيحية. ومسار السنوات الخمس، التي مرت على التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله، وفّر مناخاً في هذا الاتجاه، ولو أن بين المسيحيين المناصرين للعماد عون وللنائب سليمان فرنجية وقيادات مسيحية أخرى من صار يرى بقاء المقاومة في صلب المصلحة المسيحية، وبواسطة المقاومة يمكن هذا الفريق أن يحفظ موقعه داخل الدولة وداخل السلطة.
الموقف من المقاومة الذي اختلط بالموقف من الحليف الشيعي لا يحتاج إلى شرح كبير، بما في ذلك التوضيح بأن الوقوف إلى جانب المقاومة له أكلافه، لكنها ليست من النوع المباشر. فأي تاجر مسيحي، أو مصرفي، أو أستاذ جامعي، أو رب عمل أو موظف، لن يخسر أعماله إن وقف إلى جانب الموقف السياسي الداعم للمقاومة. ليس مطلوباً منه المجاهرة وخوض المعارك الشخصية التي تهدد مصالحه المباشرة أو تهدّد عائلته أو امتيازاته. وفي هذه النقطة، لا يشعر فريق 14 آذار بأن الوقوف بوجه المقاومة سوف يؤثر فعلياً على الحياة اليومية لجمهورها. لأن المطروح ليس مواجهة شاملة على أساس الموقف من المقاومة، بل إن المواجهة قائمة على مصالح المسيحيين. والتجاذب حول المقاومة هو جزء من التجاذب حول أيّ آلية يمكن أن تحقق المصالح أكثر للمسيحيين.
عند خصوم المقاومة من المسيحيين، يرتبط الأمر أكثر بأولوية تقول إن المسار التاريخي لمسيحيّي لبنان لا يسمح لهم بالاقتراب من فكر أو جسم أو ثقافة أو سلوك على خصومة مع الغرب، أو مع النظام الرسمي في العالم العربي. ويركز هؤلاء على أن المصلحة الفردية للمسيحي اللبناني تفرض عليه ممارسة يومية أقرب الى العقل الغربي، وتحاكي الانفصام عند عرب أميركا، الذين يرتبون الطقوس الغربية، لكن بعيداً عن الأضواء. يعتقد هذا الفريق أن الانسحاب من كل مواجهة مع الغرب أو مع النظام الرسمي للعرب هو الضمان لهذه المصلحة الفردية.
لكن المشكلة أن هذا الفريق، ومعه آخرون من التيار الآخر، صار أكثر قلقاً كلما تزايد نفوذ المسلمين في إدارة الدولة، فتكون النتيجة المزيد من الانكفاء عن الانخراط في السلطات وفي الإدارات وفي المؤسسات، وطبعاً في المؤسسات الأمنية والعسكرية. صارت الغالبية أقرب الى القطاع الخاص، وإن كان لذلك تبعاته على واقع الدولة وحمايتها، وحتى على الموقف الشخصي من فكرة القطاع العام، فإنّ له بعده المتصل بالهوية الوطنية نفسها. بمعنى أن الدولة قد لا تبقى الممثل الفعلي لمصالح هذه الجماعة. وبالتالي، فإنّ متطلبات الاندماج في هذه الدولة التي تقودها غالبية إسلامية، وفيها نفوذ متزايد للفريق المؤيد لفكرة المقاومة، هذه المتطلبات تتحول الى عبء عند هؤلاء. ومن هذا المنطلق، يصبح الابتعاد عن الدولة فيه نوع آخر من الابتعاد عن المقاومة. وهذا يشرح أحد الجوانب الرئيسية لكون غالبية القوى النافذة في فريق 14 آذار، ليست معنية بكل ما يسمّى الإصلاحات الجوهرية داخل مؤسسة الدولة.
هي ذاتها اللعبة عند الدروز الذين باتوا اليوم أرباب التقيّة. لم يعد وليد جنبلاط زعيماً مطلقاً. اهتزّت صورته كثيراً. مشكلة البناء الاجتماعي ـــــ السياسي لهذه الطائفة تجعله، إلى حد بعيد، يمسك بمفاتيح المبنى، وتُترك له المساحة الأبرز في طبقاته. كادت 14 آذار تجعله (أي جنبلاط) شريكاً كاملاً، أغوته المغامرة، لكنه اكتشف أن شرط الزعامة الكاملة يفرض مغادرة هذا المبنى، أو إيكال أمره إلى آخرين. وعندما حصلت المواجهة، ترك كل شيء وعاد إلى المنزل وأقفل البوابات ورفع الأسوار. صحيح أنه لم يُطرد، لكنه الآن يعيش وسط الصراخ والاحتجاجات، وإن أتت من دون عنف. لكن الدروز عندما يغلقون الأبواب ويتحدثون عن زعامة جنبلاط، يشكون من أنه أفرط في الذهاب والإياب، وأنه أفرط في استخدامهم في هذه اللعبة أو تلك، وهم الآن لا يسمعون منه تبريرات مقنعة غير إشعارهم بأن كلفة مواجهة المقاومة باهظة. وهو يكتفي بالقول لهم: ليس لديّ ما أفعله! ثم يقول لهم مطمئناً... ليس مطلوباً منكم حمل السلاح إلى جانب المقاومة، ولا مقاتلة الآخرين دفاعاً عنها. فقط التزموا الصمت والحياد الإيجابي، وقولوا القليل من الكلام الذي يخفّف التوتر ويسمح بتواصل ولو على أساس الرياء، فقط لأجل تمرير الوقت... ومقابل ذلك، يستعيد، باسم الجماعة، موقف الشريك القوي. صار عليه أن يقبض الثمن مضاعفاً. أولاً لأنه غادر الموقع الآخر، وثانياً لأنه محشور بين أهله. وهكذا، فكل ثمن يقبضه جنبلاط يحسم من رصيد خصومه داخل الجماعة، أولئك الذين لم يكن بمقدورهم أكثر من هزّ العرش وإعلان الاعتراض، ولو على شكل صراخ.
حتى خصوم جنبلاط عند الدروز، من الزعامة العائلية المنافسة تاريخياً أو المستجد من قيادات، فإن الصورة ليست على اختلاف جذري. بل ربما يوجد أصل لهذه الجذرية عند قواعد حزبية علمانية. وفي مكان ما، خلال العقد الأخير، قامت سوريا بدور حاسم في وجه هذا الفريق من الدروز إزاء قضية المقاومة. لكن التحول على صعيد الثقافة العامة وعلى صعيد السلوك الاجتماعي لم يكن بالمستوى نفسه للتحول في الخطاب السياسي. وعندما جاء اختبار أحداث أيار عام 2008، بدا أن الخطاب السياسي لأنصار المقاومة وسط الدروز أدنى بكثير من الترجمة على الأرض، وتحول الى رسالة متعددة الاتجاهات. بدا مرة جديدة أن الوعاء الطائفي الكبير هو الأكثر نفوذاً من كل الأطر التي تأخذ شكل زعامات أو قيادات أو حتى أحزاب.
لكن الحيرة ليست في أصل التحول الذي قام عند هذا الفريق من مسألة المقاومة، بل في انفكاك القائل عن قوله عند محاولة مطابقة الكلام العام لغالبية تسير خلف تيار «المستقبل» والجماعات الإسلامية، التي تتحدث عن المقاومة على أنها حق مشروع، وعن إسرائيل باعتبارها العدو المطلق. وبين الموقف من المقاومة عملياً على أرض الواقع، نجح التيار الأميركي في توسيع الهوة الى حدود أن تياراً يمثل أكثر من 60 في المئة من سنّة لبنان يرى في سلاح المقاومة شيئاً غريباً عن ضرورات تركيبة الهوية الوطنية.
وبهذا المعنى، صار أصحاب وجهة النظر هذه ينظرون الى المقاومة على أنها تمثل فريقاً واحداً من اللبنانيين، وأن هذا الفريق لا ينافسهم فقط على النفوذ داخل دولة ما بعد اتفاق الطائف، بل على أولويات المشاريع التي يفترض بالإدارة اعتمادها. ولذلك عمل الحريريون بقوة على إيهام (أو إقناع) غالبية المؤيدين بأن المقاومة هي عدوّ لمشروع البناء والإعمار الذي يعتقد هؤلاء أنهم أربابه... ثمة عبارة قيلت في 9 آذار 2005، رداً على خطاب السيد حسن نصر الله في 8 آذار في شكر سوريا: شارون دمّر بيروت وحافظ الأسد حماها... كان الحريريون يريدون من نصر الله القول: شارون دمّر بيروت، ورفيق الحريري عمّرها!
 
الشيعة والمقاومة والهوية الوطنية [2] : فائض وطنيّ يسرقه طفيليّون وطائفيّون
ابراهيم الأمين
مسألة المقاومة عند الشيعة تنطلق من الالتصاق بالسلاح. صار الشيعي المقتنع بخيار المقاومة فاتحاً منزله ومتجره ومدرسته ومصنعه ومكتبه لاستيعاب أكبر قدر من الصواريخ. لا تجد المقاومة صعوبات حقيقية في اختيار معظم ما يناسبها من أمكنة ومطارح تحتاج إليها في سياق بناء الجهوزية. والأهل المباشرون، يريدون فعلاً أن تستخدم هذه الصواريخ في وجه إسرائيل، سواء لردعها ومنعها من تكرار العدوان، أو للدفاع عن النفس لحظة المواجهة، ولنصرة سوريا وأهل فلسطين. لكن هناك حافز آخر نشأ خلال العقدين الأخيرين، وهو الذي يجعل كل الشيعة، باستثناء أقلية صغيرة، يتصرفون على أن سلاح المقاومة، قبل قضيّتها، بات يمثّل جانباً من هويتهم الوطنية، ثم صار عنواناً للحضور والنفوذ والتمثيل والمرجعية.
ومع أن أبناء هذه الطائفة يدفعون الأثمان المباشرة، إلا أنهم يتمسّكون أكثر بهذا السلاح، لأن ما تحقق لهم يحتاج إلى حماية، وحتى اللحظة، لا يبدو أن لدى الغالبية من هؤلاء غير السلاح وسيلة للحماية، ولا سيما أن الشعور بالتآمر تجاوز حدود العدو، وصارت الضرورة تفرض مجابهة إسرائيل، أو الذين يرفضون السلاح في الداخل. بهذا المعنى، فإن العقل الجماعي للشيعة لا يرى في استخدام السلاح داخلياً جريمة، بل يرى أنه حاجة فرضتها الظروف، وأنّ مَن يقف في وجه السلاح داخلياً هو في واقع الأمر كإسرائيل تجب مقاتلته.
لكن الغطاء الشيعي، أو الالتحام الشعبي لشيعة لبنان مع المقاومة، بات يتطلّب علاجاً من نوع مختلف. ليس بيننا مَن يقوم بهذه المهمة. وبهذا المعنى، نكون أمام جملة وقائع، أبرزها أن قائد المقاومة بات هو الرمز الذي يختصر الموقف. لم تعد هناك مشكلة عند أحد في أن يكون السيّد حسن نصر الله زعيماً للشيعة. نبيه بري نفسه لا يتصرف لحظة على أنه ينافس السيّد على زعامته. المجموعات الثقافية والأندية والروابط القائمة تاريخياً أو حديثاً، تتصرف هي أيضاً على أساس أن السيّد فوق النقد أو المساءلة، وأنه يمكن انتقاد حزب الله والاختلاف معه، ونقد قياداته وسلوكيات أفراده، لكن السيّد هو زعيم الطائفة لا زعيم الحزب فقط. صورته في منازل الشيوعيين والقوميين والأسعديين أمر عادي. يمكنهم في لحظة أن يعطوه ألقاب قادتهم التاريخيين أو رموزهم النضالية. ليس هناك ما يوجب على الشيعي أيّ ثمن خاص جرّاء قبوله بزعامة نصر الله.
نجح السيّد حسن في أن يوحّد خلف زعامته كل الفئات الطبقية والاجتماعية. يقف الأستاذ الجامعي مع صاحب المعمل والموظف في إدارة رسمية والتاجر والمغترب كما المزارع والعامل والعاطل من العمل، يقفون معاً في طابور ليقترعوا للّائحة نفسها التي أوصى السيد حسن بدعمها. صار نصر الله زعيماً للذين يصلّون صلاة الليل والذين لا يصلّون، واللواتي يلبسن التشادور واللواتي يلبسن الشورت. أمكنه احتلال موقع في حجر الزاوية للعقل الجمعي عند الشيعة، لكنه لا يقدر على بتّ أمورهم الخاصة.
عندما قاد نصر الله شخصياًَ حملة احترام قوانين الدولة، خرج متمرّدون، أو هامشيون من الفقراء، يشكونه، كما أصحاب مصالح يقودون أعمالهم على الطريقة اللبنانية التقليدية حيث «الزعبرة» والرشوة والتشبيح. شعر هؤلاء بأنه يطلب منهم أشياء فوق طاقتهم. وعندما حذّر من الآفات الخطيرة وسط حياة الناس اليومية، نظر تجار المخدرات إلى صورته المعلّقة في منازلهم وقالوا: الله يسامحك يا سيّد! وعندما قال إن الوحدة الشيعية تعلو على أي اعتبار، أحبط الذين يأملون الانتفاضة باسم «الشعب يريد تحسين صورة الطائفة». فجأةً، أمام حقائق التعب اليومي، يصبح الرمز ـــــ الزعيم ـــــ القائد، مطالباً بموقف، وهو في هذه اللحظة يعود أميناً عاماً للحزب، أو قائداً للمقاومة الإسلامية. وهذه المسؤوليات توجب عليه إعلاء شأن منظومة من المصالح التي تخص المقاومة، وقد لا تلبي حاجات كل الرعيّة المسلِّمة له بالزعامة.
وإلى جانب ما يُتهم به الحزب أو السيد بصفته التمثيلية، من أنه يعاني فائض قوة وفائض نفوذ، إلا أنه في الحقيقة يتمتع بفائض من الصدقية والمسؤولية، يتيح له دفع غالبية شيعية غير مسبوقة إلى أن تنسى للحظات كل الملاحظات والخلافات والانتقادات والتوجه إلى صناديق الاقتراع لتجديد الثقة بمن أعلنت المقاومة دعمها لهم. وهو في هذه اللحظة بات، من حيث يدري أو لا يدري، مسؤولاً عمّا يقوم به ممثّلو هذه الطائفة داخل مؤسسات الدولة، كما صار مسؤولاً عن نوعية الخدمة في مطعم «الساحة» أو حماية المستهلك من تجار المواد الغذائية، أو عدم احترام أرباب عمل لعشرات الآلاف من العاملين في مؤسسات شيعية صغيرة أو متوسطة، أو فوضى الظاهرة العمرانية والعشوائية منها على وجه الخصوص، ومسؤولاً عن التخلف في بناء مؤسسات قوية راسخة تتيح تكوين مصادر للحياة الدائمة. وصار مسؤولاً عن مبالغات من يمكن وصفهم بـ«طالبان» الشيعة الذين يغالون في المذهبية ورفض الآخر. وعليه التدخل لمنع قارئ عزاء من ارتكاب الأخطاء وهو يقدم السيرة الحسينية. وصار أيضاً مسؤولاً عن أبناء ضواحي الضاحية الذين يحتلون الأرصفة والشوارع ولا يهتمون بأن ينام غيرهم. وصار مسؤولاً عن غياب السجالات الحقيقية التي تدفع إلى المحاسبة والتغيير. وعليه تلقى كل المسؤولية عن رتابة بدأت تلوح داخل الجسم التنظيمي لحزب الله أو الأطر والجمعيات المتصلة به مباشرة أو بنحو غير مباشر. ووصل الأمر إلى حدّ غير مسبوق من الخطورة، عندما قرر الناس القول: دع السيد جانباً، لكن لدينا مشكلة مع هذا أو ذاك من المحيطين به. ثم يشار إليهم بالبنان عندما يجري نقد السيطرة المستمرة لتيار الرئيس بري على إدارات ومفاصل أساسية في الدولة، وأن موقف السيد نصر الله هو العائق أمام حركة تطويرية لتمثيل الشيعة ونمو الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية عندهم.
وفي عملية اختصار المشهد الإجمالي في صورة الشخص، ثم أسطرته بطريقة تجعل الرعب يسكن قلوب من يفكرون للحظة في أن إسرائيل قد تصل إليه في لحظة غفلة، في ذلك ما يجعل النقاش بشأن موقع المقاومة في قلب الهوية الوطنية رهن الحسابات التي يخضع لها قرار الحزب الذي يمثله السيد حسن، فيما يجري تعاظم بناء من الانعزالية الفكرية والتقليدية اللبنانية بأسوأ صورها من حول مؤسسة الرجل. والسلوكيات اليومية، تجري تغطيتها بالمصلحة العليا، كأن إدارة مقهى، أو شركة مقاولات، أو مؤسسة ترفيهية، أو مشاريع إنمائية لبلديات وأندية، تحتاج إلى سياق غير السياق الذي يسير عليه باقي اللبنانيين. وفي هذه الحالة، تزداد الريبة عند الآخرين. وفي هذه الحالة تصبح الصورة بالمقلوب.
أن ينجح شيعي في الوصول إلى موقع نافذ في السوق التجاري أو المؤسسة الخاصة هذه أو الإدارة الرسمية تلك، فهو في نظر بقية اللبنانيين ناجم عن قوة المقاومة. وبالتالي، تصبح المقاومة مسؤولة عن سلوكيات هذا الفرد. وعندما تحصل المنافسة، وهي غير حقيقية في واقع الأمر، يلجأ الآخرون إلى استحضار المقاومة كوسيلة استخدمها الشيعة رافعة في ارتقائهم الاجتماعي، فتتحول بحدّ ذاتها إلى خصم، أو أنها مصدر قوة الخصم، فيما هم لا يملكون ما يقابلها فيجعلهم يخسرون. بهذا المعنى، نجح زعران من الشيعة، وانتهازيون من الجسم اللصيق أو القريب جداً من المقاومة، في استغلال هذه القوة التي تتجاوز حجم لبنان، لتحقيق مصالح شخصية لا تعود أصلاً بفائدة على «العموم من الشيعة». وفي هذه الحالة، تبرز إلى الواجهة حالات تشبه ما كان موجوداً بكثرة عند طوائف أخرى، مع فارق أن الآخرين كانوا يستندون إلى زعامة ذات أصول طائفية أو عائلية، فيما يجري وسط الشيعة استغلال مقاومة قامت بدماء عشرات الآلاف من المواطنين. والجريمة الأكبر عند هذا الجسم الطفيلي، أنه يمنع على الآخرين، من بقية الشيعة ومن بقية اللبنانيين، حق التقرب من المقاومة، وهو يمنع عنهم أولاً حقهم في ادّعاء أنهم شركاء في هذه العملية، علماً بأن كل لبنان دفع جزءاً من كلفة المقاومة. يتصرف هؤلاء بانتهازية شديدة، تقوم على خشية من أن يتقدم أحد ليشاركهم في استثمار قوة المقاومة في منافسة على أمور خاصة.
مشكلة الشيعة الآن مع الهوية الوطنية أنهم يؤدون دوراً مركزياً في بنائها على أساس مفاهيم الاستقلال وتطوير التمثيل السياسي والاجتماعي. لكنهم يفعلون ذلك وحدهم. والشراكة مع الآخرين مرتبطة بجدول أعمال سياسي، بينما يقود متآمرون حروباً مفتوحة ضد المقاومة وضد محاولة تطوير بنيتهم الاجتماعية، وذلك من منطلقات طائفية. فتراهم يقعون في الفخ، فيسعون إلى تثبيت نفوذهم من موقع طائفي، من دون الانتباه إلى أنهم يحولون المقاومة إلى أداة في معركة لم تخلق لأجلها!.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,868,412

عدد الزوار: 6,969,345

المتواجدون الآن: 71