الجنوب ضحيّة الثأر والانتقام وانتهاك الحرمات..(4)

تاريخ الإضافة الجمعة 18 تشرين الثاني 2011 - 4:58 ص    عدد الزيارات 850    التعليقات 0

        

 

 
9 قتلى و85 جريحاً في 35 "معركة" بين رجال الأمن ومخالفي البناء
الجنوب ضحيّة الثأر والانتقام وانتهاك الحرمات..(4)
ربيع دمج
تأخذ الجريمة في محافظة الجنوب التي تضم 7 أقضية، طابعاً مختلفاً عن باقي المحافظات، من حيث نوعية الجريمة أو إستخدام السلاح، خصوصاً أن تلك البقعة تشكّل مسرحاً خصباً لأبرز حزبين جنوبيين هما "حركة أمل" و"حزب الله". وبالتالي إن وجود السلاح بكثافة بين أيادي قسم كبير من المواطنين لا يشكّل مفاجأة للبنانيين. ناهيك عن انتشار الأسلحة على اختلاف انواعها بكثرة داخل مخيّمات الجنوب، "عين الحلوة" و"الميّة ميّة" و"البص" و"برج الشمالي"، مع العلم أن المخيمين الأولين يشكلان أكبر مصدر قلق وإضطراب.
أما الجرائم التي ترتكب في محافظة الجنوب بشكل عام فتأخذ طابع الثأر والإنتقام على خلفية مشاكل معيّنة، كما تبرز الجريمة الجنسية المتعلّقة بإغتصاب الضحية ثم قتلها بسلاح حربي أو أبيض، بينما تقل جرائم السرقة تحت تهديد السلاح، وتجارة المخدرات. فيما تكاد الجريمة العائلية تكون غائبة تماماً عن مسرح الجنوب.
من جهة أخرى يظهر السلاح بشكل مباشر مع الحوادث الأمنية أثناء المداهمات التي تجريها قوى الأمن الداخلي لإزالة مخالفات بناء، وهنا تدور "المعارك" الطاحنة بين رجال الشرطة والمخالفين. وقد سجّل منذ مطلع العام 2011 حتى تشرين الأول 35 عملية إطلاق نار بين الطرفين، أدت الى سقوط 9 قتلى و85 جريحاً. مع العلم أن تلك المخالفات تنحصر مشاكلها بين الضاحية الجنوبية لبيروت وبين الجنوب، لا سيما في مدينة صور والقرى التابعة لها إدارياً.
في حصيلة رسمية صادرة عن وزارة الداخلية وزعتها على الوكالات المحلية والمتعلّقة بالقضايا الأمنية، تم تسجيل ما يقارب 125 حادث إطلاق نار لأسباب مختلفة، فضلاً عن 30 حادثاً أمنياً تم فيها إستخدام قنابل يدوية، وهناك بين 15 و20 حالة قتل جراء طلقات نارية، وأكثر من 50 جريحاً.
عشرات الحوادث استخدمت فيها القنابل اليدوية
الأطفال والنساء دروع بشرية في مواجهة.. تطبيق القانون
تُعدّ تصفية الحسابات الشخصية في قرى الجنوب، الدافع الأساسي لإستخدام السلاح غير الشرعي، ولكن الحماية والتغطية الأمنية اللتين تؤمنهما الأحزاب المسيطرة هناك للمجرمين الفارين من قصاص العدالة، تسهم في تفاقم هذه النوعية من الجرائم. كما أن الخلافات المستمرة بين الحزبين (أي "أمل" و"حزب الله") حول أحقية السيطرة والنفوذ في المنطقة، تفتح الباب أمام وقوع إشكالات بين عناصر الحزبين تنتهي بالقتل والأضرار المادية.
وافتتح العام 2011 بورصة الجرائم في الجنوب مع وقوع جريمة قتل مروعة (ثأر شخصي) ذهب ضحيتها جمال حسين حلاوي ( 49 عاماً ) الذي عثر عليه جثة هامدة داخل جبانة الخراب مصاباً بطلقين ناريين، وهو كان يعمل بائعاً متجولاً ويعيش من جمع الانتيكات والمعتقات الشبيهة بالآثار القديمة وبيعها.
وفي الأسبوع نفسه وقعت جريمة مماثلة ذهب ضحيتها أحمد مهنا (54 عاماً) امام منزله في بلدة جبال البطم (قضاء صور)، والذي عُثر عليه مقتولاً بثلاث طلقات نارية في صدره ورأسه أمام منزله، وبعد سلسلة توقيفات طالت اكثر من مشتبه به، تمكّنت الشرطة القضائية من إلقاء القبض على الجانية التي لم يكشف عن إسمها بالكامل، وبعد التحقيقات اعترفت بأنها أقدمت على فعلتها بسبب ثأر شخصي بعد الإعتداء عليها.
ومن بين الجرائم المزدوجة والغامضة، ألقت مخابرات الجيش في النبطية القبض في 12 تشرين الأول على حسين نجيب غريب من بلدة كفركلا أثناء قيامه بمفرده بغسل سيارته من نوع "مرسيدس" في محطّة الضاوي في المروانية وعثر بداخلها على آثار أشلاء لجلد رأس ودماغ وعظام أسنان بشرية في محاولة لإخفاء جريمة ارتكبت فيها، وتبيّن في ما بعد أن الضحية رجل تم قتله بالرصاص ثم تقطيعه ووضعه في السيارة لفترة زمنية طويلة.
وبعد التحقيق معه تحدث المتهم عن روايات عدة منها أنّه "اشترى السيارة من شخص من بلدة الخيام وبداخلها هذه الآثار، ثمّ عاد وأنكر قائلا إنه اشترى السيارة من بيروت وهي مسروقة وإنّ صاحبها نقل بداخلها جرحى من دون أن يحدّد ماهية المسألة، لكنه قال إنّ ما يقوم به على المحطة هو غسل السيارة التي تعود له". وأظهرت التحقيقات أن والد الموقوف سجين في "رومية" بتهمة تجارة الأسلحة وترويج عملات مزورة مع شقيق آخر له.
وفي إطار الجرائم بسبب الدافع الشخصي، وقع إشكال على خلفية إستفزازات حزبية بين علي محمد بداح من بلدة بيت ليف ومحمد فتوني، أدى إلى مقتل بداح وإصابة شقيقه حسن بجروح خطيرة. وفي التفاصيل أقدم فتوني على استفزاز وإزعاج المقيمين في المنطقة بسيارته من خلال إعداد أناشيد خاصة بالحزب الذي ينتمي اليه، ما دفع بالمغدور وشقيقه الى الطلب منه الكف عن هذه الحركات ومغادرة المكان، وما لبث ان تطور الأمر إلى عراك استخدمت فيه الأسلحة النارية ما أدى الى وقوع ضحايا.
وتكررت الحوادث المماثلة أكثر من مرة في الآونة الآخيرة، وشهد هذا العام 15 حادثة مماثلة بينها 7 حوادث في مدينة صور، ودوماً كانت توقع ضحايا، ما دفع ببعض رجال الدين في المنطقة، وعدد من الناشطين والمثقفين في المنطقة إلى إصدار بيانات حول تلك التجاوزات والإشكالات قالوا فيها إن "هذه الحركات اصبحت شائعة بين بعض الشبان في قرانا ومن دون حسيب أو رقيب، ويستخدمون الأسلحة والآلات الحادة"، وطالبوا بتكثيف وجود عناصر الجيش والدرك للحؤول دون وقوع مزيد من الضحايا".
وفي سياق الجرائم بين الجيران والعائلات، وقع إشكال كبير بين عائلتي عبيد وحمود في بلدة عرب طبايا في الزهراني منذ شهر، تخلله اطلاق نار بين الطرفين، ما أسفر عن سقوط 7 جرحى، بينهم 3 أطفال كانوا بالقرب من مكان الحادثة، أما الأسباب فتعود إلى إستفزازات حزبية قديمة بحيث ينتمي كل فريق إلى حزب معيّن، إضافة الى خلافات على كابلات كهرباء.
وعلى طريقة أفلام "الأكشن" الأميركية، وقع إشكال عنيف داخل "مول" في صيدا منتصف أيار الماضي، على خلفية تلاسن وتراشق كلامي بين شبان، تطوّر إلى إستعمال المسدسات والرشاشات. وأدى إلى سقوط 7 جرحى، فضلاً عن حالة هلع وخوف بين المواطنين داخل "المول".
المخيّمات ملاذ للفارين
تضم محافظة الجنوب أربعة مخيّمات موزعة بين صيدا وصور، أبرزها مخيّم عين الحلوة في شرق صيدا و"الميّة مية"، اللذان يشهدان مزيداً من التوترات الأمنية، ولا سيما في "عين الحلوة" الذي يسجل أعلى نسبة من الإشكالات الأمنية، والتي تؤدي إلى سقوط بعض القتلى والجرحى. ومشكلة السلاح داخل المخيّمات، كما خارجها، يبدو أن لا حل جذرياً لها في الوقت القريب.
وفي هذا الموضوع يؤكد خبير في علم الجنايات أن "مشكلة السلاح في لبنان بشكل عام وفي المخيّمات بشكل خاص، أخذت حجمها الكبير مع بداية الحرب الأهلية عام 1975، ولكن فعلياً السلاح موجود منذ عام 1943، ومع كل خضة أمنية وسياسية كانت تصيب لبنان، كان السلاح حاضراً ناضراً في أيدي اللبنانيين والمقيمين على أرضه. أما أسباب إنتشار السلاح بكثرة بين الناس فتتمثل في دعم الأحزاب، التي تموّلها جهات خارجية، وتشجيع المواطنين على حمل السلاح، كون وجوده يعزز وجود هذه الأحزاب وسيطرتها على المناطق والمواطنين، وبالتالي يؤدي ذلك الى التخفيف من هيبة الدولة وإضعاف دورها، وتتعزز السيطرة للميليشيات".
وشدد على "أن لا حل قريباً وجذرياً في مسألة السلاح، ولنكن واقعيين، السلاح أصبح في البيوت كما المواد الغذائية، ولا يخلو أي منزل من قطعة سلاح ولو كانت بندقية صيد، وأكثر ما يمكن فعله وهو أضعف الإيمان، في حال تعاون مسؤولو الأحزاب معنا بجدية، مداهمة البيوت ومصادرة الأسلحة، وإعادة النظر بإعطاء تراخيص حملها، كما يجب منع التراخيص حتى لبنادق الصيد، والتي باتت تستخدم في عمليات القتل والإنتحار، لا سيما من قبل القاصرين، وهناك بعض المحال تبيع قطع سلاح الصيد لمن هم تحت السن القانونية، وهذا يتطلب تباحث جميع الفرقاء بجدية حول هذا الملف الحساس، وإلا فنسمع بوقوع جريمة كل يوم، وسيتحول المجتمع اللبناني إلى مجتمع جريمة، ولا تحتاج المسألة للوصول الى ذلك أكثر من 3 سنوات، إذا لم تتم معالجة الأمر بشكل سريع".
أما عن المخيّمات ومشاكلها المستمرة، فقد أدّى خلاف عائلي في مخيّم عين الحلوة مطلع تشرين الأول، إلى معركة طاحنة سقط على اثرها 8 جرحى، ولم تهدأ المعركة إلا في وقت متأخر من الليل، أما الأسباب فكانت لخلافات شخصية بين أفراد من حركة "فتح " وآخرين.
وخلال عيد الفطر الماضي وقع إشكال "فردي" كبير في مخيم المية ومية أدى الى سقوط قتيل وأربعة جرحى، بسبب ألعاب العيد. وفي التفاصيل أن الشقيقين محمود ورشيد عدوان تدخلا لترطيب الأجواء بين مجموعة من الشبان في المخيّم بسبب إطلاق ألعاب نارية قرب المساكن ما أزعج الجيران، وعلى الاثر حصل إطلاق نار غزير بين مسلحين فلسطينيين، فأصابت طلقة محمود عدوان في رقبته وقتل على الفور، وبعد ذلك توتر الوضع الأمني في المخيم وسجل إنتشاراً لمسلحين فلسطينيين. كذلك إستهدفت منازل عدة وطاولتها النيران قبل أن تتدخل قوة من "الكفاح المسلح" الفلسطيني وحركة "فتح" لضبط الوضع.
وشهد مخيم البص قرب صور في الشهر نفسه، اشكالاً مسلحاً بين ناجي طعمه عامر من جهة وحمادة القط واخوته من جهة ثانية، وقامت مجموعة من حركة "فتح" بمطاردة ناجي وحصل تبادل لاطلاق النار ادى الى اصابة مريم الجمل وحماتها بجروح خطيرة.
التعدّي على الأملاك العامة
ودخلت قضية الاعتداء على الأملاك العامة ومخالفات البناء في مدينة صور وجوارها منعطفاً خطيراً مع سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى في عملية تبادل إطلاق نار بين القوى الأمنية ومجموعات من المخالفين والأهالي في المنطقة. وقد شهدت الأشهر الممتدة من نيسان الى تشرين الأول نحو 35 عملية إزالة مخالفات، ترافقت مع معارك بين المخالفين ورجال الشرطة، إضافة إلى أن الأهالي أقدموا على إحراق ثلاث آليات عسكرية، فضلاً عن وقوع قتلى وجرحى من صفوف الجيش والمواطنين. وكان يتم في تلك العمليات إستخدام النساء والأطفال كدروع بشرية للوقوف في وجه القوى الأمنية في محاولاتها تطبيق القانون ووقف التعديات.
ولم يفلح تدخل الجيش اللبناني، الى جانب قوى الأمن الداخلي، في وقف مخالفات البناء المتواصلة بتغطية غير معلنة من القوى السياسية الفاعلة في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.
أما الأبرز في ملف مخالفات البناء خلال هذا العام فهو ضلوع عمداء متقاعدين من السلك العسكري بموضوع المخالفات، لا سيما وأن أحد العمداء المتقاعدين في مدينة صور قد إتصل برئيس المخفر فيها، محتجاً على إزالة أعمدة بناء من ورشة تخصّه، وتبيّن لاحقاً أن البناء المخالف مؤلف من خمس طبقات، لم تُزل منها غير الأعمدة المشيّدة في الطبقة الأخيرة.
وأظهر هذا الملف فضائح كبيرة في موضوع مخالفات البناء من جانب مسؤولين، وقد ذكرت معلومات أمنية أن هناك مخالفة بناء تعود إلى العديد منهم.
بعد الحوادث الأمنية المتكررة، والمتعلّقة بالجرائم المغطاة والمدعومة من الأحزاب، إضافة الى التعدي على عناصر أجهزة الدولة والأملاك العامة، نفذ عشرات المواطنين من صور ومنطقتها امام ثكنة الجيش اللبناني في شهر أيلول الماضي تظاهرات دعماً للجيش واستنكاراً لكل محاولات التطاول عليه.
ورفع المحتشدون لافتات اكدت "ان الجيش اللبناني خط احمر ومن غير المقبول التعرض له بأي شكل من الأشكال".
وشدد المشاركون على "ان المؤسسة العسكرية الوطنية التي تمثل مختلف فئات الشعب اللبناني بعيدة كل البعد عن الطائفية والمذهبية، قدمت الشهداء في سبيل الدفاع عن الوطن والذود عن حريته وكرامته ويجب ان تبقى بمنأى عن كل التجاذبات السياسية، كما لا يحق لأي كان مهما علا شأنه تجاوز هذه المؤسسة والتلفظ بأي كلمة بحقها".

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,449,196

عدد الزوار: 6,991,897

المتواجدون الآن: 75