الأزهر.. في عباءة الثورة

تاريخ الإضافة الأربعاء 16 تشرين الثاني 2011 - 5:11 ص    عدد الزيارات 813    التعليقات 0

        

الأزهر.. في عباءة الثورة
وثيقته العربية أجازت عزل الحاكم المستبد.. واعتبرت صحوة الشعوب المضطهدة قادمة
القاهرة: وليد عبد الرحمن
بعد نحو 60 عاما قضاها في كنف الأنظمة السياسية الحاكمة في مصر، دخل الأزهر الشريف على خط الثورة المصرية التي تفجرت من قلب ميدان التحرير بالعاصمة المصرية القاهرة في يوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، وأطاحت بحكم الرئيس السابق حسني مبارك عقب ثلاثين عاما قضاها رئيسا لمصر.

تخلص الأزهر من تركة العيش في «حضن الأنظمة» التي فرضت عليه التأقلم مع آيديولوجياتها المستبدة والدفاع عنها، حتى أصبح مؤسسة مستأنسة، تصدعت مصداقيتها في المجتمع. ووجد في عباءة الثورة مناخا ملائما ليستعيد دوره الديني المستنير، ويدخل طرفا فاعلا في معادلة الحياة الجديدة بكل أبعادها السياسية والثقافية والاجتماعية.

خرج الأزهر في ثوبه الجديد بوثيقة ترسم خارطة طريق للشعوب العربية في الربيع العربي، عنوانها «دعم إرادة الشعوب العربية»، لتكون ثاني وثيقة يدشنها بعد وثيقته التي أعدها في يونيو (حزيران) الماضي وتضمنت رؤى مثقفي مصر للمستقبل بعد الثورة وسبل إقامة دولة ديمقراطية.

شروع الأزهر في وضع وثيقة للشعوب العربية يراه كثيرون محاولة لاستكمال دوره التاريخي والحضاري، وخصوصا في عهد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. كما اعتبر علماء دين إسلاميون ومسيحيون أنها تقضي على المقولة التي يتحجج بها البعض أن عدم الخروج على الحاكم الظالم أولى من الخروج عليه تحقيقا للاستقرار.

ولم يسلم الأزهر، أعلى وأقدم مؤسسة إسلامية (سُنّية) وسطية في العالم (أسس عام 972 ميلادية) وشيخه يعد إماما للمسلمين، من بعض الاتهامات بأنه كان بعيدا عن أحداث الثورة في ميدان التحرير، خصوصا في المظاهرات المليونية أيام الجمع، وأنه ترك «منصة التحرير» لدعاة التيارات الأخرى، مكتفيا بإصدار بيان واحد حث الثوار على ضبط النفس، إلا أن الدكتور الطيب أكد أنه كان يخاف على شباب الثورة من قيام النظام السابق بالفتك بهم، لذا دعا الجميع لضبط النفس.

ويرى خبراء أنه على الرغم من أن الأزهر لم يكن مطالبا أثناء الثورة المصرية بالقيام بدور سياسي لأنه ليس مؤسسة سياسية، بل تعليمية دعوية، لكنه مع هذا كان دوره أثناء الثورة تغلب عليه الإيجابية، وهو ما أكده علماء الأزهر الذين كانوا موجودين بين الثوار في التحرير، قائلين لـ«الشرق الأوسط»: «لم نتعرض لانتقادات من رؤسائنا». وبحسب السفير محمد رفاعة الطهطاوي، المتحدث الرسمي السابق باسم الأزهر، فإن مجموعات من الأزهريين شاركوا في الثورة ولم يصدر الأزهر بيانا يدين ذلك، وإنه هو شخصيا شارك المتظاهرين في ميدان التحرير، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، كان موقفه واضحا من تأييد الثورة ولم يصدر المجمع قرارا ضد موقفه».

وتابع الطهطاوي: «إن الأزهر كان موقفه متوازنا وتحسب له عدة أمور، أولا أنه أول من سمى ضحايا الثورة بالشهداء، ثانيا أن الأزهر لم يؤيد الثورة كونها ثورة فحسب، إنما أيد مطالبها، ووجّه رسالة شديدة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الحاكم) بأن لا يتورط في إراقة الدماء، وكان يمكن وقتها أن يصدر بيانا يقول فيه: (إن طاعة الحاكم من طاعة الله وإن هؤلاء الثوار (الموجودين في التحرير والميادين) مجموعة خارجة لا تأثمون لو قتلتموهم)».

شرارة الثورة المصرية ورحيل مبارك أعادتا للأزهر ريادته وأصبح بيتا للمصريين، يلتقي فيه الجماعة الإسلامية والتيار السلفي والمسيحيون والإخوان المسلمون والليبراليون، وكانت وجهة نظر الدكتور الطيب في ذلك أن الأزهر مؤسسة وطنية جامعة تؤكد على روابط الأخوة بين المصريين وتسعى للتقريب بين مختلف المذاهب على منهج وسطي. ولذلك أثنى المرشد العام للإخوان الدكتور محمد بديع (الذي يعد أول مرشد للجماعة زار الأزهر) على الوسطية التي يتمتع بها الأزهر، ونوَّه المرشد العام بدور الأزهر العالمي في نشر الفكر الإسلامي وتعليمه، وأنه يمثل «البذور المنتقاة التي تحمل الصفات الوراثية الأصلية، وحيثما زُرِعت في أي تربة تنتج الفكر الوسطي السمح».

وأدت السياسة الجديدة للأزهر إلى أن يقرر شيخه جمع المثقفين وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية لوضع رؤية لمستقبل مصر السياسي، وأصدر الأزهر بالفعل وثيقة من 11 نقطة تحترم حرية الأديان وتقر بالدولة المدنية. وعن الوثيقة قال الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد بجامعة القاهرة: «إن الوثيقة يمكن أن تكون هي الأساس الذي يتم البناء عليه لتحقيق الديمقراطية».

وبينما أوضح نافعة لـ«الشرق الأوسط» أن الوثيقة «يمكن أن تشكل نقطة ارتكاز لخارطة طريق نحو المستقبل»، قال الدكتور عبد الله الأشعل المرشح المحتمل لرئاسة مصر لـ«الشرق الأوسط» إن «الوثيقة تنفرد عن غيرها في التصدي بالشرح لمفهوم علاقة الدولة بالدين انطلاقا من روح الفكر الإسلامي المستنير».

وفي سياق موازٍ أصدر الأزهر وثيقة لمناصرة الشعوب العربية مكونة من ست نقاط بعد نشوب ثورات أطلق عليها «الربيع العربي» في سوريا وليبيا واليمن وقبلهم في تونس.

وقال الدكتور الطيب إن الوثيقة العربية تعتمد شرعية السلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية على رضا الشعوب واختيارها الحر من خلال اقتراع علني يتم في نزاهة وشفافية ديمقراطية، لافتا إلى أن كثيرا من الحكام درجوا على تعزيز سلطتهم المطلقة متشبثين بفهم مبتور للآية القرآنية: «وأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ»، متجاهلين سِيَاقَها الواضح الصريح في قوله تعالى قبل ذلك في الآية التي تسبق هذه الآية: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ»، ممّا يجعل الإخلال بشروط أمانة الحكْم وعدم إقامة العدل فيه مسوغا شرعيا لمطالبة الشعوب حكامهم بإقامة العدل ومقاومة الظلم والاستبداد، وإنه من قال من الفقهاء بوجوب الصبر على المستبد من الحكام حرصا على سلامة الأمة من الفوضى والهرج أجاز في الوقت نفسه عزل الظالم إذا تحققت القدرة على ذلك، وانتفى احتمال الضرر والإضرار بسلامة الأمة.

وأوضح شيخ الأزهر أن ارتفاع صوت المعارضة الشعبية والاحتجاج السلمي هو حق أصيل للشعوب لتقويم الحكام وترشيدهم، وإنه حال عدم استجابة الحكام لنداء شعوبهم ولا يبادرون بالإصلاحات، بل يصرون على تجاهل المطالب المشروعة، فإن هؤلاء المعارضين الوطنيين لا يعدون من قبيل البُغاة أبدا، وإنما البُغاة هم الذين تحددت أوصافهم فقهيا برفع الأسلحة في مواجهة مخالفيهم والإفساد في الأرض بالقوة، أما الحركات الوطنية السلمية فهي من صميم حقوق الإنسان في الإسلام، التي أكدتها سائر المواثيق الدولية.

ولمح الدكتور الطيب إلى أن مواجهة أي احتجاج سلمي بالقوة والعنف المسلح وإراقة دماء المسالمين تعد نقضا لميثاق الحكم بين الأمة وحكامها، ويُسقِط شرعية السلطة ويهدر حقها في الاستمرار بالتراضي، فإذا تمادت السلطة في طغيانها، حفاظا على بقائها، أصبحت السلطة مدانة بجرائم تلوث صفحاتها، وأصبح من حق الشعوب المقهورة العمل على عزل الحكام المتسلطين ومحاسبتهم، بل تغيير النظام بأكمله.

وطالب الطيب القوى الثورية بالابتعاد عن الاستقواء بالقوى الخارجية أيا كان مصدرها، مناشدا النظم العربية والإسلامية الحاكمة الحرص على المبادرة إلى تحقيق الإصلاح طوعا، قائلا: «صحوة الشعوب المضطهدة قادمة لا محالة، وليس بوسع حاكم الآن أن يحجب عن شعبه شمس الحرية».

ومن جانبه أشاد الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالوثيقة العربية، قائلا في رسالة بخط يده أرسلها إلى شيخ الأزهر: «هذا هو الموقف المنتظر من المعهد العتيق (الأزهر) الذي حمل راية الإسلام لأكثر من ألف عام، وهذا هو الموقف المنتظر من إمامه الأكبر».

وقال المفكر المسيحي جمال أسعد إن الوثيقة العربية وضعت خارطة طريق على المستوى العربي بما يتسق مع المتغيرات الجديدة، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الوثيقة دعت الحكام إلى سرعة المبادرة بالإصلاح في بلادهم، لأن هذا سوف يجنبهم المواجهة مع شعوبهم.

واعتبر القيادي بالجماعة الإسلامية ناجح إبراهيم الوثيقة انطلاقة جديدة للأزهر في القضايا العربية، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن الوثيقة أمرت الحكام أن يتركوا السلطة طوعا استجابة لشعوبهم.

وأكد الدكتور محمد نجيب عوضين الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية أن الوثيقة العربية قضت على المقولة التي يتحجج بها البعض أن عدم الخروج على الحاكم الظالم أولى من الخروج عليه، تحقيقا للاستقرار وتجنبا للفوضى، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة وإن في هذه الثورات لونا من ألوان الجهاد الذي يسعى لتحقيق شرع الله».

وتأتي وثيقة الأزهر للشعوب العربية استكمالا للدعوات شديدة اللهجة التي وجهها شيخ الأزهر للحكام العرب، خصوصا في ليبيا وسوريا واليمن، طالبهم فيها بأن يحقنوا دماء شعوبهم، ويكفوا عن قتلهم، وينشروا العدالة. وموقف الأزهر من القضية الفلسطينية ورفضه جميع أشكال التطبيع مع إسرائيل.

دور الأزهر يعد امتدادا لدوره الوطني على مدار عقود طويلة امتدت لأكثر من ألف عام، حيث كان ميزان الحق والاستقرار في البلاد، وكان لعلمائه هيبة لدى الحكام ومكانة لدى الشعوب، وقد أنجب الأزهر عشرات من رموز الدعوة والتجديد والاجتهاد‏، وضخ آلاف العمائم في المظاهرات ضد الاحتلال‏، وصاغ وجدان الأمة من فوق المنابر، وكان صوت ضعفائها ضد طغيان الحكام، كما أضاء للأقليات المسلمة في الغرب طريق الإيمان‏.

وبقي هذا حاله في عصر المماليك والعثمانيين وحتى بداية عصر محمد علي باشا، الذي في عهده بدأ التقييد يمارس على حركة الأزهر لتجريده من نفوذه السياسي، على الرغم من أن علماء الأزهر هم من وضعوا الوالي العثماني محمد علي على سدة الحكم وحولوا مصر إلى ولاية عثمانية عام 1805، وذلك عقب تصديهم للحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت عام 1798، بعد أن أشعل علماء الأزهر الثورة ضد الفرنسيين من داخل الجامع الأزهر.

وحسبما يقول الدكتور عبد الفتاح الشيخ عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر فإن «الأزهر منذ نشأته كان بمثابة البوتقة التي ينصهر فيها نضال الأمة، فكان علماؤه الأجلاء يتصدون للحكام الظالمين، ولذلك كانت مصر حينما تستعمر كان شيوخ الأزهر هم قواعد المقاومة»، لافتا إلى أن علماءه أدركوا أثناء الحملة الفرنسية أن دخول قائدها بونابرت الأزهر ومحاولة هدمه والقضاء على علمائه هو هدم لمصر.

ويلفت الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق إلى أن «مصر الحديثة التي بناها محمد علي كان للأزهر الدور الأكبر في إقامتها، وكان الأزهر ممتدا في الكفاح ضد الحملة الفرنسية، وكان دوره ممتدا ضد المماليك والولاة العثمانيين، وكان قادة حركات التحرر من شيوخ الأزهر في ذلك الوقت، مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، بما لهما من تأثير في العالم الإسلامي والعربي، ثم كانت الثورة العرابية بقيادة أحمد عرابي أحد خريجي الأزهر ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر، ثم ثورة 9 بقيادة الشيخ الأزهري سعد زغلول».

لكن في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أصبح الأزهر مغلول الأيدي، وشرع عبد الناصر للسيطرة عليه وتوظيفه لصالح أهداف ثورة يوليو 1952 داخليا وخارجيا، وأكبر دليل على ذلك ما قاله محمد فايق وزير الإعلام الأسبق: «عندما كلفني عبد الناصر بإعداد ملف ثورة 1952 لجأت لكل دول أفريقيا فوجدت أن الأوصال شبه مقطوعة معها، وبدأت أبحث حتى توصلت إلى الأزهر فوجدته الملاذ الآمن ووجدت فيه رواقا لكل دولة من دول العالم، خصوصا أفريقيا». وهو ما أكد عليه أيضا الدكتور عبد الفتاح الشيخ بقوله: «من أراد أن يعرف دور الأزهر فليرحل عن مصر ويذهب إلى أي بلد في العالم ويسأل عنه، فلن يجد معهدا في العالم ينازعه وسطيته ومنهجه الجامع الشامل غير المتعصب لأي مذهب أو رأي».

وجاءت هيمنة عبد الناصر على الأزهر بإلغاء «هيئة كبار العلماء» واستبدل بها «مجمع البحوث الإسلامية» وأصدر القانون رقم 103 لعام 1961 الخاص بتنظيم الأزهر، الذي لم يسعَ إلى تنظيم الأزهر بقدر سعيه لربط الأزهر بأجهزة الدولة، خصوصا رئاسة الجمهورية بشكل مباشر، وبموجب هذا القانون أصبح منصب شيخ الأزهر ووكيل الأزهر ورئيس جامعة الأزهر بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية، كما تحكم رئيس الدولة أيضا في كل أجهزة الأزهر كالمجلس الأعلى للأزهر وجامعته ومجمع البحوث (الذي يتكون من 50 عضوا). وأصبح يحق له وحده تعيين القيادات العليا فيها. وفي ذلك يقول الدكتور إسماعيل توفيق الأستاذ بجامعة الأزهر لـ«الشرق الأوسط»: «سبعة وأربعون عالما تناوبوا على منصب شيخ الأزهر، أبرزهم الخراشي، والمراغي، وشلتوت، وعبد الحليم محمود، وجاد الحق، وطنطاوي. ومنذ نشأة الأزهر ظل منصب شيخ الأزهر يُنتخب من جانب كبار المشايخ فيما بينهم من دون تدخل الدولة، إلا أنه في عام 1911 صدر قانون الأزهر الذي أسس (هيئة كبار العلماء) وتكونت من 30 عالما، واشترط القانون أن يكون شيخ الأزهر عضوا بهذه الهيئة».

ويرى علماء دين أنه نظرا لقيام رئيس الدولة بتعيين شيخ الأزهر لم تصدر من داخل الأزهر أي مواقف أو تصريحات تعارض النظام الحاكم طوال العقود الماضية، على العكس وقف الأزهر إلى جانب عبد الناصر في كل مواقفه، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر الفتوى التي أصدرها الأزهر يساند بها عبد الناصر في اتفاقية الجلاء في فبراير (شباط) عام 1954، ولم يجد عبد الناصر نافذة يحشد منها قوى الشعب ضد العدوان الثلاثي على مصر في يوم الجمعة، الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1956 سوى أن يعتلي منبر الأزهر ويلقي من فوقه خطابه المؤثر الشهير إلى الأمة.

واستمر الأزهر على هذا النهج في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، والسابق مبارك، الذي وصل ضعف الأزهر في فترة حكمه إلى أقصى درجة من السلبية والخفوت، ووصل الأمر إلى قيام شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي الذي تولى منصب الإمامة لأكثر من عشر سنوات، لإصدار فتوى بجلد الصحافيين 80 جلدة عقابا على نشرهم شائعات عن صحة مبارك عام 2007، علاوة على مواقفه من بعض القضايا الدينية التي تم تسييسها لصالح النظام، ومنها النقاب وختان الإناث وفوائد البنوك.

أدى ذلك كله إلى إضعاف مكانة الأزهر وتدهور دوره كمرجعية عليا للدعوة الإسلامية والإفتاء لكل المسلمين، وبدأ الكثير من المسلمين يضعون ثقتهم في الكثير من المشايخ الذين ينتمون إلى الحركات الإسلامية والذين يطلق عليهم «الدعاة». إلى أن تولى الدكتور الطيب الإمامة في مشيخة الأزهر، وعن اختياره قال السفير رفاعة الطهطاوي: «إن اختياره كان موفقا وغريبا، والنظام السابق أخذ (مقلبا) في اختيار (الطيب)، والذين رشحوه للمنصب أخطأوا، لما له من مواقف واضحة في القضايا الداخلية والخارجية».

وحرص الطيب في جميع لقاءاته بالمسؤولين الرسميين وغير الرسميين من الدول الغربية والعربية والأوروبية على التأكيد أن «الأزهر مؤسسة دينية لها تاريخ يعلو على تاريخ الثورات والحكومات، وأن الأزهر هو المؤسسة التي استطاعت أن تحفظ على المسلمين حضارتهم».

ويرى مراقبون أنه بمجيء الطيب بدأت رياح التغيير تهب على أروقة الأزهر العريقة، وكان ذلك قبل عام من قيام الثورة المصرية التي أطاحت بحكم مبارك في 11 فبراير الماضي. ويحسب للطيب أنه رفض طلب حاخام إسرائيلي إصدار فتوى للعفو عن مبارك، وهو ما أكده الدكتور بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، حيث قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزهر في عهد الطيب يختلف عن طنطاوي، نظرا للتحول السياسي في النظام المصري»، مشيرا إلى أن الطيب نشأ في بيت صوفي وذي علم، مكنه من قيادة الأزهر دون غلوّ أو تطرف، لافتا إلى أن «الأزهر مقبل على مرحلة جديدة مهمة من تاريخه».

ورغم عراقة الأزهر وتأثيره في العالم الإسلامي، ليس فقط على المستوى الديني، بل السياسي والاجتماعي، فإن منصب «شيخ الأزهر» لم يظهر إلا بعد مرور 741 عاما على إنشاء الجامع الأزهر، وتحديدا عام 1101هـ، عندما تولى المنصب لأول مرة الشيخ محمد بن الخراشي الذي كان يلقب بـ«شيخ الإسلام». وشهد اختيار مشايخ الأزهر الـ47 الكثير من المفارقات والمواقف الخالدة، كان من بينها أن جميع من تولى مشيخة الأزهر كانوا مصريين ما عدا الشيخ حسن العطار، وهو من أصل مغربي، وتولى المشيخة عام 1830، والشيخ محمد الخضر حسين التونسي الأصل الذي تولي الإمامة عام 1958.

وإلى الأزهر تسابق مرشحو الرئاسة المحتملون في مصر لمغازلة علمائه، وقاموا جميعا بزيارة مقر المشيخة في مشهد لم يكن متعارفا في النظام السابق. عن هذه الزيارات قال الدكتور عبد الله الأشعل المرشح المحتمل إن «الأزهر الوحيد الذي استطاع توحيد صف القوى في الفترة الأخيرة داخليا وخارجيا»، معتبرا هذا التحول محاولة للمصالحة التاريخية لحالة الخصومة التي شابت العلاقة بين الدين والسياسة على مر السنين من أجل توحيد كل الرؤى نحو المستقبل.

ويرى الأشعل أن «الأزهر العريق قد استرد روحه التي أزهقها الاستبداد السياسي لزمن طويل، وبدأ يتأهب ليستعيد مكانته ويرتفع بها كي تتكافأ مع إمكانياته الحضارية والعلمية والفكرية والتاريخية، ليس في مصر وحدها وإنما في العالم الإسلامي كله».

وقال المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا المرشح المحتمل للرئاسة لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزهر كان متأخرا عن أداء دوره السياسي في الماضي، وبعد مجيء الطيب عاد من جديد دوره السياسي»، موضحا أن «النظام السابق مارس ضغوطا على علماء الأزهر على مدار الثلاثين عاما الماضية».

ولم يكن شباب ثورة 25 يناير بمعزل أيضا عن هذا التحول، فقد التقوا شيخ الأزهر لتقريب الرؤى، وفي ذلك يشير الدكتور محمد طمان عضو مجلس أمناء الثورة، إلى أن «الأزهر يخطو خطوات جادة خلال الفترة الأخيرة، لكي نعبر بأمتنا من النفق الضيق التي تمر به مصر». وأضاف طمان لـ«الشرق الأوسط» أن «الأزهر يتطلع إلى مستقبل قوي للأمة يقف على العلم والحوار».

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,461,547

عدد الزوار: 6,992,444

المتواجدون الآن: 68