الربيع «المخفي»

تاريخ الإضافة السبت 15 تشرين الأول 2011 - 5:45 ص    عدد الزيارات 901    التعليقات 0

        

الربيع «المخفي»
مظاهرات الجمعة في ساحة التحرير في العراق.. ناشطون ومنظمون يتعرضون للاغتيال والتهديد
بغداد: حمزة مصطفى
مثل سواهم من الشعوب العربية التي بدأت تستلهم نسائم الربيع، حاول العراقيون تنظيم الاحتجاجات بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي مثل الـ«فيس بوك» والإنترنت، فضلا عن حركات تنسيق مجتمعية وشبابية، بالإضافة إلى تيارات ليبرالية وتقدمية وشيوعية وغيرها، بهدف إحداث التغيير المطلوب.

لكن الإشكالية الكبرى التي واجهت الجميع هي حدود هذا التغيير. هل يرتفع سقف المطالب والجهود إلى تغيير النظام السياسي برمته، أم الاقتصار على الإصلاح من الداخل وتفعيل الجانب الخدماتي، مثل حسم قضايا جوهرية مثل الماء والكهرباء وفرص العمل والبطاقة التموينية والخدمات البلدية، بالإضافة إلى محاربة الفساد المالي والإداري الذي استشرى بصورة لا مثيل لها في البلاد؟

وبالقياس إلى حجم قوى التغيير الفاعلة في ساحة التحرير أسبوعيا، مع الطبقة السياسية القائمة على أساس المحاصصة العرقية والطائفية والحزبية وغيرها، جعل من الصعب على حركات شبابية الذهاب إلى أبعد مما يمكن القيام به أسبوعيا، إذ تحول التحرك في ما بعد إلى نوع من العمل الاحتجاجي المقبول أو المسيطر عليه أمنيا وسياسيا، بحيث يمكن وصفه إلى حد كبير بأنه نوع من «الربيع المخفي» رغم كل ما حصل خلاله من مشكلات وإشكالات تمثلت في عمليات اعتقال واغتيال وغيرها من الممارسات التي تجعل مما حصل ويحصل في العراق أسبوعيا كل جمعة. وعلى الرغم من أن التحرك لم يعد يلفت انتباه المسؤولين الذين اكتفوا بما قاموا به من خلال خطة المائة يوم ومن ثم الترشيق الوزاري وتقليص الرواتب للمراتب العليا من المسؤولين، فإنه يمكن أن يتحول في أي لحظة شرارة قد تحرق الأخضر واليابس.

فالمعادلة قد تبدو في غاية الصعوبة بين أن تكون مجرد دعوة لتحقيق إصلاحات أو هي رغبة جامحة في التغيير. من هنا فإن الرؤية التي يذهب إليها بعض المراقبين السياسيين للحالة العراقية خلال الشهور الماضية أن حركة الاحتجاج الشبابية تبدو واقعة تحت التأثير السياسي والمجتمعي العراقي، على الرغم من أن السلطات تعاملت معها أول الأمر بوصفها عملية تهديد للأمن ولمنجزات تختص بتركيبة الحكومة.

وتقف التحركات الشعبية اليوم بين أن تبقى شبابية مجتمعية فقط، وهو ما يجعلها في ظل الاستقطاب الطائفي والمذهبي والعرقي والحزبي الحاد في العراق محدودة التأثير، وبين أن تتحول هي الأخرى إلى حزب أو حركة لتتحول إلى مجرد رقم من الأرقام التي تتسيد المشهد السياسي العراقي الحالي. وعلى الرغم من خفوت حدة الاحتجاجات الجماهيرية، طبقا لما كان متوقعا، فإن استمرارها كل أسبوع يوم الجمعة بما لا يتعدى المئات، وربما أحيانا العشرات من المتظاهرين، جعل الحكومة العراقية تراقب بحذر هذه الاحتجاجات، ولم يعد بيدها ما يمكن أن تقدمه أكثر مما فعلت من خلال خطة المائة يوم التي انتهت في شهر يونيو (حزيران) الماضي، دون أن ينتج عنها الكثير مما كان يمكن توقعه.

كما أن الحكومة لا تزال ترى أن من يحرك هذه المظاهرات من أطراف داخل العملية السياسية، مما يجعل نظرية المؤامرة أمرا قائما دائما. ومما يزيد من حدة المخاوف التحذيرات التي سبق لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أن أطلقها، والتي هدد بموجبها بتسيير مظاهرات مليونية ما لم تنفذ الحكومة شروطا كان قد وضعها، وهي منح كل مواطن عراقي حصة من واردات النفط، وإيجاد فرص عمل لنحو 50 ألف عاطل عن العمل، وتوزيع الوقود مجانا لأصحاب المولدات الكهربائية الخاصة. وبينما سارع التحالف الوطني إلى احتواء أزمة محتملة في حال نفذ الصدر تهديداته بتسيير مظاهرات مليونية، يمكن أن يتم من خلالها استغلال الوضع الأمني أو السياسي من قبل جهات أخرى، وهو ما قد يؤدي إلى تأزيم الأمور أكثر فأكثر، فقد تم الاتفاق داخل التحالف على دراسة هذه الشروط مع الاستجابة الضمنية لها.

الصدر من جانبه اعتبر أن الإجابة التي حصل عليها مقنعة وإن كانت ليست كافية، وهو ما جعله يؤجل المظاهرات ثانية، علما بأنه كان قد أعلن أنه لن يكون طرفا في مهلة المائة يوم التي أعطتها الحكومة لنفسها لكي تبدأ عملية الإصلاحات السياسية وتقديم الخدمات، وذلك على خلفية المظاهرات التي عمت المدن العراقية وبخاصة بغداد، قبل أن تستقر عند حدود معينة أسبوعيا. فالصدر أعلن من جانبه أنه قرر أن يمنح الحكومة مهلة ستة شهور، ومن ثم يتم بعد هذه الشهور الستة فحص أدائها السياسي والخدمي. وعقب الانتهاء من هذه المهلة في السادس من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، دعا الصدر أولا إلى مظاهرات مليونية بعد أن ثبت له أن الأداء لم يكن بالمستوى المطلوب ومن ثم عدل باتجاه وضع شروط لحل الأزمة قبل الدعوة إلى المظاهرات.

وطبقا لمسار المظاهرات التي بدا حتى الآن أنها لم تعد تخيف الحكومة رغم قيام أعداد من الناشطين إلى رفع سقف مطالبهم حتى باتجاه إسقاط النظام، فإنه طبقا لما يشاهد على مستوى العالم العربي من مظاهرات حاشدة وبمئات الآلاف ولم تؤدِّ بالضرورة إلى إسقاط أنظمة مثل اليمن أو سوريا، ما يجري في العراق من مظاهرات محدودة قد يبدو أنه لا يمكن أن يمثل خطرا وشيكا على الحكومة، إلا أنه يظل خطرا قائما ومستقبليا في حال نضجت الظروف الخاصة التي تجعل من فعاليات المجتمع المدني والناشطين المدنيين قوة مؤثرة في الشارع. وهذا ما تخشاه الأجهزة الرسمية وتحشد ضده عبر مستويات مختلفة، من أبرزها أن من يقوم بهذه المظاهرات إما هم معادون للعملية السياسية وإما مدفوعون وفق أجندات معينة وإما بعثيون، أو غيرها من الاتهامات التي غالبا ما يواجهها المتظاهرون بكثير من أنواع الغضب، لأن غالبية هؤلاء كانوا ضد النظام السابق أو من ضحاياه أصلا، وفي مقدمتهم الإعلامي المعروف هادي المهدي الذي اغتيل في منزله عشية مظاهرات التاسع من سبتمبر (أيلول) الماضي.

وكان النظام السابق قد أعدم اثنين من أشقائه بسبب انتمائهم إلى حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه الآن رئيس الوزراء نوري المالكي. وكان المهدي قد اعتقل من قبل ورفع شكوى ضد المالكي بوصفه قائدا عاما للقوات المسلحة. ومما جاء فيها أنه يتقدم بالشكوى «ضد القائد العام للقوات المسلحة بشخصه ووظيفته جراء تعرضه للاختطاف والاعتقال دون مذكرة قضائية ودون جرم، وتعرضه للإهانة والضرب وإصابته بكدمة خطيرة في رأسه وورم في ساقه اليسرى». وأضاف: «ألفت نظر الرأي العام العراقي إلى أنني وبعد تقديمي ونشري لهذه الشكوى وفي حال تعرضي أو أسرتي لأي خطر فإنني أحمل مسؤولية ذلك على عاتق نفس الجهة التي أشتكيها وأتظلم منها». أما آخر ما دونه على صفحته على الـ«فيس بوك» قبل اغتياله فكان التالي: «كفى.. أعيش منذ ثلاثة أيام حالة رعب، فهناك من يتصل ليحذرني من مداهمات واعتقالات للمتظاهرين، وهناك من يقول ستفعل الحكومة كذا وكذا، وهناك من يدخل متنكرا ليهددني في الـ(فيس بوك).. سأشارك في المظاهرات، وأنا من مؤيديها، وأنا أعتقد جازما أن العملية السياسية تجسد قمامة من الفشل الوطني والاقتصادي والسياسي، وهي تستحق التغيير، وأننا نستحق حكومة أفضل.. باختصار، أنا لا أمثل حزبا ولا أية جهة، إنما أمثل الواقع المزري الذي نعيشه.. لقد سئمت مشاهدة أمهاتنا يشحذن في الشوارع، ومللت أخبار تخمة ونهب السياسيين لثروات العراق!». وأضاف على صفحته: «غدا 9/9 عرس حقيقي للديمقراطية في عراقنا الجديد.. سيخرج أبناء العراق بلا طائفية، بلا أحقاد، يحملون قلوبا ملؤها العشق والتسامح، ليقولوا لا للمحاصصة والفساد والنهب والفشل والعمالة، يطالبون بعراق أفضل وحكومة أفضل وأحزاب أفضل وقيادات أفضل».

ومع ذلك فإن هناك من هو مستعد لمواصلة الدرب من الناشطين والناشطات في منظمات المجتمع المدني. وفي هذا السياق أكد الناشط المدني سعد الله الخالدي لـ«الشرق الأوسط»، الذي كان قد واكب حضور جميع المظاهرات التي حصلت في بغداد، أن «لا ربيع ثوريا في العراق حتى الآن، فالمظاهرات التي تحصل منذ بضعة أشهر في أيام الجمع من كل أسبوع هي عبارة عن مطالب بالإصلاح فقط ومزيد من الخدمات مثل توفير الكهرباء والماء والسكن وحل مشكلة البطالة وغيرها».

وأضاف أن «الموقف السياسي، وأقصد قادة الكتل الرئيسية، هو من صار يغذي تلك المظاهرات حسب الاشتباكات التي تحصل في ما بينهم وصراعاتهم على الكراسي، والمظاهرات العراقية اليوم أصبحت تثار بمبالغ مالية لصالح جهات حزبية متنفذة في العراق، أي أن المظاهرات مسيسة، وهي عبارة عن أوراق للضغط على كتلة ما ضد كتلة متنفذة أخرى».

أما الإعلامية والناشطة أفراح شوقي فترى في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يمكن مقارنة حركة التغيير في العراق بربيع الثورات الحاصلة في الدول العربية اليوم، لأن العراق عاش متغيرات حقيقية لتغيير النظام ومارس انتخابات وفرت بعض الحرية في اختيار ممثلي الشعب، ولو أنها جاءت بنتائج خيبت آمال النخبة الفقيرة من العامة عبر انشغال القادة بالخلافات الشخصية والمناصب على حساب تغيير حقيقي في النظام نحو أفق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «ما يحسب على المظاهرات الحاصلة في عموم العراق هو أنها صحوة للتغيير، متنفس لممارسة الديمقراطية والتعبير عن الرأي بعد سنوات من تكميم الأفواه والنفوس أيضا، وبالتالي فإن الحديث عن ربيع ثوري في العراق ما زال يرسم خطواته الأولى، التي لا تشبه حتما خارطة الطريق التي حصلت في ربيع بعض الدول المجاورة».

أما الناشطة السياسية والإعلامية ذكرى سرسم فقد رجحت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن «تأخذ عملية التغيير في العراق وقتا أطول قليلا بالقياس مع ما حصل في ربيع الثورات العربية. هناك مساعٍ وبوادر رسم إطار عام لثورة التغيير الكبرى. ما يهمنا من المظاهرات أنها استطاعت أن تخيف المسؤول وتحثه على مراعاة الشعب في أدائه الحكومي». وأضافت أنها «تحفيز لهم ورقيب أيضا، حققت بعض النجاحات في ما يخص الإسراع بإبداء الخدمات وتنفيذ المطالب، وفي العراق لا يمكن أن نغفل أن هناك صراعات بين السلطات ذاتها التشريعية والتنفيذية ورغبة الجماهير، وربيع الثورات الحاصل في الدول المجاورة يختلف عن ربيع العراق الذي نسعى له، إذ إن تلك الشعوب ذاقت مرارة الدكتاتورية عشرين أو ثلاثين عاما، لكن نحن في العراق ما زال بعضنا يتلمس حلاوة تذوقه الخلاص من الدكتاتورية التي وإن جاءت على أيدي المحتل ولكنها لا تعني أنه يمكن أن يهيئ نفسه لدكتاتوريات بأشكال مختلفة، ومن هنا فإن العملية بحاجة إلى الوقت والدراسة كي نستطيع استيعاب كل دروس الثورات العربية المجاورة».

أما الناشطة والإعلامية آية اللامي التي تعرضت للخطف والتهديد بالاغتصاب في حال استمرار مشاركتها بالمظاهرات، فقد قالت إنها لا تزال تتلقى التهديدات من قبل جهات مختلفة، منها عناصر أمن عراقيون لكنهم كانوا يرتدون الزي المدني، حيث قاموا باعتقالها على خلفية مشاركتها في المظاهرات السلمية التي تجري كل يوم جمعة في بغداد. وبشأن أساليب التهديد التي تعرضت لها تقول آية إن شخصا مجهولا قام باختراق الإيميل الخاص بها وأرسل لها رسائل تهديد، منها أنه سوف يعطي صورتها لضابط برتبة لواء كي تتم تصفيتها نهائيا. لكن ومع كل ما تعرضت له آية وما يمكن أن تتعرض له مستقبلا فإنها لا تزال تملك الإصرار على التحدي.

من جهتها أكدت الناشطة البارزة في حقوق الإنسان في العراق هناء أدور ورئيسة جمعية الأمل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنهم «كناشطين في مجال الحريات والمجتمع المدني سوف يواصلون عملهم مهما كانت الصعوبات، وذلك من أجل تحقيق الأهداف التي نذروا أنفسهم من أجلها». وأشارت إلى أن «الوضع في العراق قد يكون مختلفا بعض الشيء عما يجري في الدول العربية، إلا أن النتيجة واحدة، وهي أن هناك ظلما وفسادا يتطلب مواجهته والوقوف بوجهه، والمظاهرات سواء كانت محدودة أو كبيرة فإنها في النهاية تعبير عن الرفض والحاجة الماسة إلى التغيير والإصلاح».

وطبقا للمسؤولين العراقيين فإن ما حصل في العراق في عام 2003 من سقوط نظام صدام حسين على أيدي القوات الأميركية والبريطانية يكاد يكون السبب الرئيسي في ما بات يعرف اليوم بـ«الربيع العربي» الذي بدأ في ذروة الشتاء الماضي هذا العام، عندما أحرق المواطن التونسي محمد البوعزيزي نفسه، احتجاجا على سوء أحواله المعيشية. وفي الوقت الذي تبدو فيه الفاصلة الزمنية بعيدة بين ما حصل في العراق من تغيير ليس للنظام، وإنما شبه تدمير لهيكلية الدولة وبنيتها، وما تلا ذلك من كوارث إنسانية واجتماعية واقتصادية وثقافية لم تضع العراق بمثابة النموذج الذي يحتذى به، وإنما هو أقرب إلى الأمثولة التي يتعظ بها. صحيح أن العراق تحول من بلد يحكمه نظام دكتاتوري وحزب واحد طوال 35 عاما، إلى بلد تعددي يتمتع مواطنوه بقدر واسع من حرية الرأي والتعبير، إلا أن عواقب وخيمة ترتبت على المحاصصة الطائفية والعرقية، كان أبرز مظاهرها المرة أعمال العنف الطائفي التي بلغت ذروتها خلال السنوات من 2006 إلى 2008، فضلا عن ملفات الفساد المالي والإداري التي جعلت العراق طبقا لتقارير المنظمات الدولية من بين أعلى الدول فسادا في العالم إلى الحد الذي لا تتفوق عليه سوى الصومال.

وبينما تفخر السلطات العراقية بحرية الرأي من خلال الانتشار الهائل لوسائل الإعلام في العراق من مرئية ومسموعة ومكتوبة، إلا أنها تعترف بوجود إخفاقات في مجال الخدمات والإصلاحات، وأهمها قضية الكهرباء التي تحولت إلى واحدة من المعضلات التي يعاني منها المواطن العراقي، رغم إنفاق عشرات المليارات من الدولارات على هذا القطاع من دون فائدة. وبين الهامش الواسع من حرية الرأي والتعبير، ومنها حق التظاهر الذي كفله الدستور العراقي، والنقص الحاد في الخدمات والإصلاحات، كانت قد انطلقت الشرارة الأولى للمظاهرات العراقية بعد انبلاج فجر الربيع العربي خلال شهر فبراير (شباط) الماضي. وتقول القيادات العراقية إن العراقيين هم من ألهموا الشعوب العربية أولى نسمات هذا الربيع، رغم تأخره سبع سنوات كاملة إلى الحد الذي جعل وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري يقول مؤخرا إنه لو لم يسقط صدام حسين لما كان هناك ربيع عربي، في إشارة إلى أن إزاحة نظام شمولي بحجم نظام صدام حسين سمح للشعوب بأن تراهن على قدراتها في إزاحة أنظمة دكتاتورية.

إذن التلاقح بين الديمقراطية المسموح بها من جهة، والحاجة إلى الخدمات والإصلاحات الحقيقية التي لم تتحقق رغم الوعود من جهة أخرى، كانا هما ما فجر المظاهرات العراقية التي لم تأخذ شكل وصيغة ما عرف بـ«ربيع العرب» في دول أخرى، كانت نتيجتها إما إسقاط أنظمة مثلما حصل في تونس ومصر وإلى حد ما في ليبيا، وإما انتفاضات شعبية عارمة مثل اليمن وسوريا.

عندما انطلقت أولى المظاهرات في العراق في 25 فبراير الماضي كانت قد حملت أهدافا مختلفة، بحيث أدت إلى خشية حقيقية من قبل الحكومة والأجهزة الأمنية والعسكرية المختصة إلى الحد الذي طلب فيه رئيس الوزراء نوري المالكي، ومن خلال بيان رسمي بعد لقاء عقده مع الرئيس العراقي جلال طالباني، تأجيل تلك المظاهرة التي تصادف انطلاقتها يوم الجمعة في 25 من الشهر لأن هناك «رائحة مؤامرة» قد تمت حياكتها من قبل جهات تريد إسقاط العملية السياسية برمتها في العراق.

وفي الوقت الذي يمكن القول فيه إن المظاهرة الأولى كانت هي الأكبر من حيث العدد وطبيعة الشعارات والهتافات التي رفعها المتظاهرون، إلا أن الحشد الأمني والعسكري الذي رافقها، فضلا عن وجود كبار المسؤولين في أماكن قريبة من المظاهرة، وبالأخص في الطابق الثاني عشر من المطعم التركي المطل على ساحة التحرير، جعل من إمكانية السيطرة عليها أمرا قائما، وطبيعة الإجراءات الأمنية من غلق الطرق والجسور أو استخدام أساليب مختلفة في التعامل مع المتظاهرين، بما في ذلك دخول شرطة مكافحة الشغب واستخدام خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين، لا سيما بعد أن حاول قسم منهم عبور جسر الجمهورية باتجاه المنطقة الخضراء أو التعامل بخشونة مع وسائل الإعلام، وأخيرا ملاحقة عدد من الناشطين ومنظمي المظاهرات ومن ثم اعتقالهم. وكان من بين المعتقلين الناشط والإعلامي والفنان العراقي المعروف هادي المهدي الذي اغتيل بعد نحو ثمانية شهور من وجوده الأسبوعي في ساحة التحرير في منزله عشية التهيئة لمظاهرة جديدة أريد بها أن تستعيد وهج المظاهرة الأولى.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,544,167

عدد الزوار: 6,995,283

المتواجدون الآن: 65