"الضاحية" 28 كيلومتراً مربعاً... أمنياً

تاريخ الإضافة الجمعة 14 تشرين الأول 2011 - 6:24 ص    عدد الزيارات 733    التعليقات 0

        

ربيع دمج::


"الضاحية الجنوبية، وما أدراك ما الضاحية"، الداخل اليها مفقود والخارج منها مولود. إنها جمهورية مستقلة بمساحة 28 من الكيلومترات المربّعة، تشكل جزءاً من مساحة الوطن، وأهم ميزاتها أنها غير خاضعة لقانون ذلك الوطن.

لهذا المربع الأمني خصوصية دستورية، وإستراتجية سياسية منفصلة تماماً عن القانون اللبناني، ولا نبالغ بالقول انه من غير المسموح إطلاقاً ولوج أي عنصر من عناصر قوى الأمن الداخلي، أو الجيش اللبناني، الى أي حي من أحيائه، من دون أن تكون هناك موافقة مسبقة، وتنسيق تام من الجهات المسؤولة في المنطقة، وإلا سيكون العقاب سيد الموقف!

عشرات الجرائم المتنوعة بين سرقة وقتل وخطف، إضافة الى التعدّيات على أراضي المشاع وممتلكات الغير، كما الإعتداء على شبكات الكهرباء، وسرقة خزانات المياه، وهناك ايضا الهاربون من العدالة وتجار المخدرات والمنحرفون، وصولاً إلى المئات من الإشكالات الأمنية، والخلافات العشائرية اليومية، التي يستخدم فيها في أفضل الحالات السلاح الابيض والعصي، وفي أسوأها الرشاشات والقنابل الحارقة، وغالباً ما تنتهي فصول تلك الأحداث عبر حلّها بالطرق الخاصة، من دون الإحتكام الى قانون الدولة. فيحضر الفعل، ويغيب الفاعل، ليبقى مجهولاً حتى إشعار آخر.

منذ بداية العام 2011 حتى تاريخه، تم تسجيل، بحسب المرصد الأمني الصادر عن النشرة الرسمية لقوى الأمن الداخلي، ما يقارب الستين حالة سرقة تم الابلاغ عنها في مخافر المنطقة، تراوحت بين سرقة سيارات ودراجات نارية، وكسر محال تجارية وخلعها، وسرقة منازل أثناء وجود أصحابها في قراهم.

أما أكثر مواسم السرقات فيزدهر مع بداية فصل الصيف، حين تكتظ المنطقة بالمغتربين الذين يأتون لزيارة ذويهم، فتتم مراقبتهم وسرقة هواتفهم المحمولة، وسياراتهم التي استأجروها من شركات خاصة، إضافة الى الموجودات التي تكون بحوزتهم، والأنكى من ذلك بحسب شهادة العديد من سكان المنطقة، أن معظم تلك السرقات يتم في وضح النهار، وتحت تهديد السلاح، مشككين في أن يكون هناك تنسيق بين عناصر الشرطة في المنطقة وبعض اللصوص، وفي هذا الاطار تخوف مختار محلة الرويس عادل غملوش من التحدّث في الموضوع، حفاظاً على سلامته.

ومن حوادث السرقات إلى الإشكالات الأمنية، بحيث تم تسجيل خسمة وثلاثين إشكالاً أمنياً، إستخدمت خلاله أسلحة حربية من الجهة المعتدية، مما أدى إلى قتل وجرح عدد من المواطنين، إضافة الى عناصر من الجيش اللبناني والأمن الداخلي. ولم يتم في معظم الحالات القاء القبض على الجناة، الذين فروا إلى جهات مجهولة، ودائماً حسب المصادر القضائية والأمنية، هذا عدا عن الإشكالات التي لم يتم الابلاغ عنها، ويرويها سكان الضاحية أنفسهم، الذين لا يتفقون مع الوضع القائم في المنطقة.

وفي إستعراض لأبرز الأحداث والجرائم الأمنية التي وقعت منذ بداية العام 2011 حتى الآن، نبدأ بآخرها، ففي 24 ايلول الماضي، قتل المعاون أول في مديرية مخابرات الجيش اللبناني ـ فرع الضاحية الجنوبية حسين أيوب، الذي تدخل لفض إشكال بين أشخاص مسلحين من آل القاق وآخرين من آل الدر في منطقة بئر حسن ـ محلة حرج القتيل، فكان من نصيبه طلق ناري في رأسه، نقل على أثره في حال خطرة الى مستشفى "الزهراء"، لكنه ما لبث أن فارق الحياة متأثراً بجروحه. ولا يزال الفاعل متوارياً عن الأنظار، والقوى الأمنية تبحث عنه من دون جدوى.

وسبق ذلك بعشرة أيام إشكال أمني كبير في منطقة برج البراجنة ـ شارع جهاد زين الدين، بين عناصر من حركة "فتح" وآخرين من "حزب الله"، أوقع ما يزيد عن 10 جرحى من الطرفين. وسبب الخلاف لا يزال حتى اللحظة غير واضح، فالبعض إعتبره شخصياً والبعض الآخر أكد أنه تصفية "قلوب مليانة"، ولكن في كلا الحالتين تطوّر الإشكال من فردي إلى اشتباكات بين الطرفين وإلقاء القنابل، وإستعمال الأسلحة الرشاشة. ولم يتدخل الجيش إلا في وقت متأخر جداً، وبعد سقوط عدد كبير من الجرحى.

في 30 أيلول، وقع خلاف بين اشخاص من آل سويدان وآخرين من آل ناصر الدين في منطقة حي السلم ـ مفرق مستشفى "الهادي" لجهة السوق الشعبية، وتدخل فيه آخرون من آل مصباح، تطور الى اطلاق النار من اسلحة رشاشة، وما لبث ان هرب الجناة فور وصول القوى الامنية، وأيضاً بعد مرور فترة طويلة على الإشكال، ولم تعرف بالتالي الأسباب والنتائج.

ومن حوادث إطلاق النار إلى حوادث الخطف خلال الشهر الماضي، وتحديداً في 5 أيلول، حين إدعت لدى فصيلة المريجة، المواطنة عليا محمد الغريب التي تسكن بالقرب من كنيسة مار يوسف في المنطقة، ان ولدها بشير غادر مكان عمله بعد ظهر الخميس لتمضية عطلة مع صديق له في بعلبك، وتلقت اتصالاً من هاتف ولدها الخلوي يؤكد فيه أنه مخطوف وبحاجة الى فدية طلبها الخاطفون بقيمة اثنين وثلاثين الف دولار أميركي. ورجحت أن يكون خاطفو ولدها من سكان المنطقة ويتاجرون بالمخدرات، وأنها تشك في بعضهم، خصوصاً انها قبل حادثة الخطف قبضت تعويضها من وظيفتها.

وفي شهر آب الحافل بالسرقات، التي زادت من حرارة هذا الشهر، تمت سرقة 15 سيارة، منها 4 سيارات ذات نمرة خضراء، أي مستأجرة، وبقي الفاعلون مجهولين. إضافة إلى سرقة 3 محال لبيع الأجهزة الخلوية، أحدها في حارة حريك قرب البلدية، حيث تفاجأ المواطن وسام مزهر بأن باب محله مخلوع، أما داخله فتم تنظيفه من البضاعة الموجودة. وعندما قصد مخفر الحارة لتقديم بلاغ، جاءت الإجابة حسب قوله "لا يمكننا أن نفعل شيئاً، عليك الذهاب إلى مخفر بعبدا لتقديم البلاغ".

أما أكثر الأحداث الأمنية غرابة، والتي لا تزال لغزاً غامضاً، والتحقيق فيها أصبح في طي النسيان، فهو الانفجار الذي وقع في مبنى قرب "مجمع سيد الشهداء" في الرويس في 14 تموز، وترددت أقاويل حينذاك عن أن الحادث ناجم عن إنفجار قارورة غاز في أحد الأبنية، الأمر الذي إستغربه سكان المنطقة أنفسهم ولم يصدقوه، لاسيما وأن دوي الإنفجار وصل صداه إلى قرى الحدث والشويفات وكفرشيما، التي اكد أحد سكانها ويدعى غابي رجّي أنه إستفاق من نومه على دوي الإنفجار.

وأصرّ "حزب الله" على ان الانفجار ناجم عن انفجار اسطوانة غاز، وأدّى إلى إصابة مواطن بجروح خطيرة وتم نقله إلى مستشفى "بهمن". فيما أكدت مصادر تقطن في المنطقة ان شخصا قتل ولم تعرف هويته، مشيرة الى حدوث انفجارين وليس واحدا.

وفرضت عناصر امنية من "حزب الله" طوقاً امنياً على المنطقة، وأطلقت أعيرة نارية في الهواء لتفريق المواطنين الذين تجمعوا بالقرب من مكان الانفجار في الرويس، ومنعت دخول أي عنصر من قوى الأمن والجيش إلا في اليوم التالي. وآثر أبناء منطقة الرويس ومحيطها عدم التحدّث في هذا الموضوع، مفضلين الصمت، إلا أن إحدى السيدات وتدعى فايزة مطر، وهي من المناهضات لهيمنة الأحزاب في الضاحية، أصرّت على ذكر إسمها، غير مبالية بأي تهديد، وقالت: "نحن أبناء منطقة الغبيري أباً عن جد، يوم كانت المنطقة من أرقى المناطق في جبل لبنان، والمسيحي جار المسلم، من دون أن يكون للسلاح أي وجود وكلمة في المنطقة، اليوم يريدون السيطرة على عقولنا، والضحك علينا بالقول ان الإنفجار ناجم عن قارورة غاز، وكذلك إنفجار أنطلياس هو تصفية عائلية بين شخصين، كله ضحك على الذقون".

في تاريخ 24 شباط، أفادت معلومات أمنية بأن اربعة قتلى سقطوا في عملية إتجار بالمخدرات في أحد مقاهي الرصيف في حي المريجة بالقرب من أفران "الولاء"، وهم من آل جعفر ومقداد وعلاو. وفي حين تكتمت المصادر الأمنية عن سقوط القتلى، اشارت معلومات في المنطقة الى ان "عملية تبادل حقائب مليئة بالمخدرات بأخرى مليئة بالمال حصلت داخل المقهى، ولدى خروج البائعين بالمال أطلق اثنان عليهما النار، واستردا المال والمخدرات معا، فقتل احد البائعين وأصيب الثاني الذي ما لبث ان فارق الحياة متأثراً بجروحه. وفيما بعد قتل السارقان ليرتفع عدد القتلى إلى اربعة".

وبهذا الشكل تمت تصفية أفراد المافيا بين بعضهم البعض، على طريقة الأفلام الهوليودية، من دون أي مبالاة من مخفر المريجة الذي لا يبعد أكثر من مئتي متر عن مكان الحادثة، وحضرت عناصره بعد إنتهاء المعركة الطويلة، معتمدة قاعدة "لا مين شاف ولا مين دري".

ويؤكد أحد أصحاب المحال المجاورة لذلك المقهى ويدعى مصطفى منصور، أنه شاهد المعركة بأم عينه، وكيف كانت الناس تركض خائفة، وسائقو السيارات أوقفوها وولوا هاربين من دون أن يكون للدرك أي وجود. ولم يخف إستياءه وغضبه من المحسوبيات الحزبية الحاكمة بأمرها في المنطقة، وغياب الأجهزة الامنية الفعلية، مستغرباً "كيف أن الدرك لا يتجرأون على توجيه كلمة لأي عنصر من العناصر الحزبية أو المحسوبين عليهم، بينما إذا وقع تحت أيديهم رجل بسيط ودرويش، لا يتورعون عن ضربه وأذيته".

ومن المطاردات البوليسية إلى أحداث مسلسل "المشوار الطويل" مع مخالفات القمع والتصدي لعناصر الأمن المكلفة إزالة المخالفات والتعديات على أملاك الدولة.

فمنذ بدء الحملة الفعلية بتاريخ 10 نيسان حتى منتصف شهر تموز، استعرت المعارك بين المعتدين وعناصر قوى الأمن الداخلي. واثناء قيام قوة من قطعات سرية الضاحية بازالة مخالفة عائدة لشخص من آل عواد على طريق المطار قرب محطة زين الدين، اعترض القوة عدد من النسوة والشبان من آل عواد وآخرين من آل خيرالدين، وأقدموا بشكل مفاجىء على رشق الدورية بالحجارة واشعلوا الاطارات، ما ادى الى اصابة ثلاث آليات عسكرية تعود لفصيلة برج البراجنة وتحطم زجاجها. وبعد وصول تعزيزات الى المكان رشقت القوة بالمزيد من الحجارة ما ادى الى اصابة ضابط وثلاثة عناصر.

اليوم لم يتغير أي شيء، فحتى اللحظة لا تزال أعمال البناء جارية على قدم وساق، لا سيما في محلة الاوزاعي حيث شيد مبنى جديد فوق أرض تعود ملكيتها لعزيز بطرس متى، والذي كان يملك عليها مطعماً إسمه "سامبوغا". لم يستطع صاحب العقار إسترجاع أملاكه من آل زعيتر، الذين توعدوه بتصفيته في حال عاد مطالباً بحقه، وذلك بحسب ما أكده متى الذي يسكن اليوم في غرفة صغيرة في بلدة كفرشيما، بينما أملاكه تحت قبضة البلطجية، والقانون في غيبوبة، لا يتدخل لإعادة الحق إلى صاحبه.

ومن التعدّي على الأملاك العامة إلى التعدّي على شبكات الكهرباء، بحيث نظمت منذ 3 سنوات حملات دورية لمكافحة هذه الظاهرة التي شهدت استفحالاً شديداً خلال الفترات الماضية. الا أن حملات البلدية لم تؤتِ ثمارها، والتعليق على الشبكة كان يعود بعد ساعات من إزالة المخالفة ورمي الأسلاك. ويبرر أحد المواطنين ويدعى محمد عيسى من سكان المريجة ذلك بأنه "بسبب التقنين القاسي في التيار الكهربائي، وعدم قدرتي على دفع بدل الإشتراك (50 دولاراً شهرياً)"، قائلاً: "نحن لا نتعدى على الشبكة الكهربائية بهدف التهرب من دفع الفاتورة، إننا نعلّق بسبب المداورة في التقنين، فأنا أقيم على حدود منطقة برج البراجنة، لذا عندما يحين دورنا في التعتيم، يصل التيار الى منطقة البرج، "فأستعير الكهرباء من ذلك الخط لست ساعات. وفي المقابل يقوم جيراننا في منطقة البرج بالتعليق على الشبكة في نقطة تماسهم مع منطقة المريجة، للسبب نفسه، وهذه طريقة أشبه ما تكون بالمقايضة. نحن نستعير من خط هؤلاء وهم يستعيرون من خطّنا، فأين مكمن الضرر في ذلك؟".

هذه لمحة بسيطة عن أبرز الجرائم والمخالفات الأمنية، فضلاً عن الإشكالات الصغيرة، التي يذهب ضحيتها عدد من الجرحى، وغالباً ما تؤدي إلى أضرار مادية جسيمة، والجواب الوحيد لمخافر المنطقة "الله يعوضكن شو بدكن تعملو".

أما سكان المربع فيرفضون في غالبيتهم الإفصاح عن كامل أسمائهم، خوفاً من أي مضايقات، أو الحاق أذية بهم، إلا قلة قليلة لم تخف إنزعاجها من الإنفلات الأمني الحاصل في المنطقة، وبينها محمد حيدر صاحب محل "يونايتد" لبيع أجهزة الكمبيوتر في جادة هادي نصر الله، والذي تعرّض منذ 3 أشهر للسرقة ليلاً، والإستيلاء على كل محتويات محله، وعندما تقدّم بشكوى إلى مخفر الرويس، أتاه الرد "شو بدنا نعملك انت بالضاحية". ويشبّه محمد المخافر في المنطقة بمخفر "بدري أبو كلبشة" في حارة "كل مين ايدو الو" في مسلسل "صح النوم".

من جهة أخرى، لا تزال قضية مقتل المحامي فادي دندش، الذي تمت تصفيته من قبل مجموعة من آل زعيتر منذ 9 أشهر، في خانة الجريمة الغامضة والمجرم المجهول، بحيث لم يتم العثور على الفاعل، ولا تزال الحرقة في قلب الوالدة، التي أكدّت في حديث مقتضب انها "لم تأخذ حقها بعد من الدولة، وأن الأمر تمت تصفيته بين الأحزاب المتصارعة على السلطة في الضاحية، والعائلة هي آخر من يعلم بالموضوع".

الجدير بالذكر أنه في وقت سابق تم التسويق لحملة "النظام من الايمان" التي أطلقتها جمعية "قيم" منذ سنة تقريباً، وهي جمعية ثقافية تعنى بترويج القيم الاخلاقية والاجتماعية، واللافت أن هذا الشعار الذي اختارته لحملتها أوحى بأن الضاحية الجنوبية كانت تعيش فوضى كاملة، وان ابوابها فتحت فجأة امام القوى الامنية لتدخل المنطقة التي كان ممنوعاً عليها ان تطأ عتبتها. وعزز هذا الانطباع لا بل كرّسه تأكيد الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في احدى اطلالاته في عاشوراء اهمية هذه الحملة التي باركها، وحض اهالي الضاحية وسكانها على ابداء كل تعاون والتزام موجباتها. عندها بدا الامر وكأن "حزب الله" رفع الغطاء عن المخالفين وأطلق يد الدولة في القيام بمهامها بعدما قطع لها هذه اليد لأعوام طويلة.

ورغم كل الجهود والمساعي والمصاريف المالية لتسويق تلك الحملة، لم يلتفت أحد لها أو يأبه بها، فطارت الحملة وكلام السيد في الهواء، بل على العكس إزداد الوضع سوءاً.

والحقيقة الوحيدة والمطلقة هي أن الضاحية بتركيبتها الديموغرافية والسياسية مقسمة إلى شطرين، كل شطر يرزح إما تحت سيطرة "حزب الله" وهي أكثر المناطق أمناً، أو تحت سيطرة حركة "امل" والتي تعتبر مرتعاً للبلطجية والزعران.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,552,263

عدد الزوار: 6,995,684

المتواجدون الآن: 76