من حقيبة "النهار" الديبلوماسية

دمشق أحبطت اتفاق المصالحة اللبنانية الأسد يريد ربط الأمن اللبناني بالأمن السوري

تاريخ الإضافة الجمعة 4 أيلول 2009 - 5:03 ص    عدد الزيارات 3805    القسم محلية

        


"كشف مسؤول عربي بارز معني مباشرة بالملف اللبناني لجهات أوروبية رسمية خفايا أزمة تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري، فأكد انه تم التوصل مباشرة بعد انتخاب السابع من حزيران الماضي الى اتفاق سياسي كبير بين الغالبية والمعارضة يقضي بالعمل معا من اجل الانتقال من مرحلة المواجهة الى مرحلة التفاهم والمصالحة والتعاون بين المنتصرين والمهزومين في الانتخابات، ويتضمن خطوات محددة لتحقيق هذا الهدف، وتم انجاز هذا الاتفاق بقرار داخلي وبتشجيع ودعم من جهات عربية ودولية على اساس ان ما يحتاج اليه لبنان ليس المزيد من النزاعات والحروب الداخلية والخارجية بل الامن والاستقرار والسلم الاهلي والتعاون بين جميع الافرقاء لمعالجة مشاكل اللبنانيين الحادة والملحة. وقد اكد المسؤولون السوريون لدولة عربية كبرى تأييدهم هذا الاتفاق، واحترمت قوى الغالبية مضمون هذا الاتفاق واخذت تعمل على تطبيقه، لكن نظام الرئيس بشار الاسد اراد استغلال الاتفاق لمصلحته فوضع مع حلفائه شروطا غير متوقعة وطرح مطالب تعجيزية مما ادى الى تعطيل تنفيذه بشكل كامل والى ازمة حكومية. واكد المسؤول العربي ان المصالحة الوطنية في لبنان لن تتحقق على اساس شروط النظام السوري وحلفائه لان هذه الشروط تقود الى التعطيل والمواجهة وتتجاهل ارادة اللبنانيين، بل ان هذه المصالحة تتحقق من خلال تطبيق الاتفاق السياسي الكبير الذي يحترم ارادة الشعب ونتائج الانتخابات ونصوص الدستور وصيغة العيش المشترك ويؤمن شراكة وطنية متوازنة في الحكومة بين الغالبية والمعارضة ويعزز دور الرئيس ميشال سليمان المهم والمرجح لدى اتخاذ القرارات الاساسية في مجلس الوزراء".
هذا ما ابلغتنا اياه مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع في باريس، واوضحت ان الاتفاق السياسي الكبير يستند الى التفاهم بين الغالبية والمعارضة على ضرورة التعامل مع نتائج الانتخابات الاخيرة التي فاز فيها فريق 14 آذار وحلفاؤه على اساس انها تشكل نهاية مرحلة التأزم والمواجهة وبداية مرحلة المصالحة بحيث يتم تعزيز التلاقي بين الافرقاء اللبنانيين وتحقيق الشراكة الوطنية في الحكم على اساس اتخاذ الخطوات البارزة الآتية:
اولا، التوافق بين الغالبية والمعارضة على اعادة انتخاب نبيه بري رئيسا لمجلس النواب من دون شروط ومن دون ربط هذه الخطوة بتشكيل الحكومة الجديدة.
ثانيا، التوافق بين الغالبية والمعارضة على تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري على اساس صيغة سياسية محددة تقضي بحصول الغالبية على خمس عشرة حقيبة وزارية، والمعارضة على عشر حقائب، ورئيس الجمهورية على خمس حقائب، وبذلك تتخلى الغالبية عن المطالبة بالنصف زائد واحدا في مقابل تخلي المعارضة عن الثلث المعطل. وفي اطار هذه الصيغة تحصل كل من الغالبية والمعارضة على حقيبة سيادية واحدة.
ثالثا، التوافق على تعزيز دور الرئيس ميشال سليمان من خلال تأمين حصوله على حقيبتي الدفاع والداخلية من اجل ضمان الاستقرار الامني في البلد، اضافة الى الحقائب الثلاث الاخرى، مما يمنحه القدرة على تأمين غالبية الثلثين لدى اتخاذ القرارات المهمة في مجلس الوزراء او على منع اتخاذها.
رابعا، التوافق على ان يعالج البيان الوزاري للحكومة الجديدة مختلف القضايا التي تهم اللبنانيين، بما فيها قضية سلاح المقاومة، في اطار الحرص على دور الدولة ومؤسساتها الشرعية وعلى السلم الاهلي وعلى استمرار الدعم الدولي والعربي للبنان المستقل. وهو ما يتطلب التزام تطبيق قرارات مجلس الامن ذات الصلة، وتأمين الدعم للمحكمة الدولية، ومعالجة قضية سلاح "حزب الله" في اطار مؤتمر الحوار الوطني والاستراتيجية الدفاعية الجديدة.
خامسا، التوافق على معالجة الخلافات المحتملة عبر الحوار وليس عبر القوة المسلحة من خلال احترام روح اتفاق الدوحة وخصوصا التزام جميع الافرقاء في هذا الاتفاق "حظر اللجوء الى استخدام السلاح والعنف او الاحتكام اليه في ما قد يطرأ من خلافات، وايا تكن هذه الخلافات وفي اي ظرف كان".
 

شروط الاسد

واكدت المصادر الديبلوماسية الاوروبية المطلعة ان الغالبية بقيادة سعد الحريري، وبموافقة مختلف اقطابها واطرافها، احترمت هذا الاتفاق وباشرت تنفيذه، سواء من خلال اعادة انتخاب بري رئيسا لمجلس النواب بتأييد عدد كبير من نوابها، او من خلال مباشرة العمل على تشكيل الحكومة وفقا للصيغة المتفق عليها، وجاءت مواقف رئيس "اللقاء الديموقراطي" وليد جنبلاط المؤكدة انفتاحه على المعارضة مع تمسكه بالبقاء ضمن الغالبية وبتحالفه مع الحريري، منسجمة تماما مع هذا الاتفاق السياسي.


ولكن تبين بسرعة لجهات لبنانية وعربية ان نظام الاسد يريد استغلال هذا الاتفاق لمصلحته، لمحاولة تعزيز نفوذه ودور حلفائه في لبنان، ولذلك وضع مجموعة شروط لتنفيذ الاتفاق بشكل كامل تتناقض مع روح التوافق والتلاقي بين الافرقاء اللبنانيين ومع التصميم العربي والدولي على دعم لبنان المستقل والمستقر. وأوضحت المصادر الاوروبية المطلعة ان الموقف الحقيقي لنظام الاسد من هذا الاتفاق السياسي يتضمن الامور والنقاط الاساسية الآتية:


1. يرفض نظام الاسد ان تتم المصالحة الوطنية بين الغالبية والمعارضة خارج ارادته ومن دون ان يكون له دور مباشر ومؤثر وواضح في تحقيقها. ولذلك اصر، بعد التوصل الى هذا الاتفاق، على ان يرعى هو هذه المصالحة اللبنانية، وما ينتج منها، فطالب فعلا بأن يقوم سعد الحريري بزيارة العاصمة السورية قبل تشكيل الحكومة الجديدة وليس بعد تشكيلها، واقترح كذلك عقد مؤتمر مصالحة وطنية بين الافرقاء اللبنانيين في دمشق وبرعاية سورية – عربية.


ووفقا لما قاله ديبلوماسي اوروبي مطلع: "ان نظام الاسد ليس راغبا اطلاقا في تكريس انتصار القوى الاستقلالية في الانتخابات من خلال تسهيل ولادة حكومة جديدة برئاسة الحريري من دون ان تدفع الغالبية ثمنا سياسيا لدمشق، ومن دون ان يكون للسوريين ولحلفائهم دور مهم واساسي في تشكيل هذه الحكومة وفي ادارة شؤونها. ولذلك ابدى السوريون انزعاجا حقيقيا من رفض الغالبية والحريري، وكذلك جهات عربية معنية بالامر، مطالبه هذه".


2. يريد نظام الاسد استغلال هذا الاتفاق السياسي واجواء التلاقي بين الغالبية والمعارضة من اجل اعادة ربط الامن الداخلي اللبناني بالامن السوري ومتطلباته وذلك من خلال تشجيع حلفائه على المطالبة بحقيبة وزارة الداخلية بحيث تكون من حصة العماد ميشال عون وليس من حصة الشيعة.


وهذا المسعى السوري يتناقض كليا مع مضمون الاتفاق السياسي ويشكل مطلبا تعجيزيا، اذ يستحيل حصول الغالبية على حقيبة سيادية واحدة هي وزارة المال في مقابل حصول المعارضة، وهي اقلية، على حقيبتين سياديتين هما وزارة الخارجية وهي من حصة الشيعة ووزارة الداخلية. واصطدم هذا المطلب برفض قاطع من الحريري ومن الغالبية.


3. يحاول نظام الاسد، بصورة غير معلنة، استغلال هذا الاتفاق من اجل تقليص دور الرئيس سليمان من خلال انتزاع حقيبة الداخلية منه. وهذا الموقف السوري ناتج من انزعاج نظام الاسد من مواقف الرئيس سليمان وتوجهاته الاستقلالية ومن رفضه تنفيذ تعليمات سوريا وحلفائها، ومن حرصه على تحقيق التوافق بين الافرقاء اللبنانيين في اطار احترام الدستور وارادة الشعب ومن حرصه كذلك على السلم الاهلي ونبذ استخدام القوة المسلحة والعنف وعلى تعزيز علاقات لبنان الدولية والعربية وعدم الارتباط بالمحور السوري – الايراني.


ووفقا لما قاله لنا ديبلوماسي اوروبي مطلع: "ان رفض الغالبية منح المعارضة حقيبة الداخلية ليس ناتجا فقط من ان ذلك يتناقض مع دورها وحجمها وصيغة توزيع الحصص، بل ايضا من ان المعارضة فقدت ثقة الغالبية الكبرى من اللبنانيين لانها استخدمت السلاح والعنف في الداخل مما يعني ان حصولها على وزارة الداخلية يهدد الاستقرار جديا ويمكنه ان يفجر نزاعات داخلية دامية خطرة، في الوقت الذي اثبت وزير الداخلية زياد بارود ووزير الدفاع الياس المر، المحسوبان على رئيس الجمهورية، حرصهما الشديد على صون السلم الاهلي وضمان الامن في البلد وعدم الانحياز الى فريق ضد آخر".


4. يريد نظام الاسد استغلال هذا الاتفاق السياسي للعمل على انهاء دور الغالبية كتكتل موحد قوي متماسك يضم ممثلين عن مختلف الطوائف ويرفض الهيمنة السورية على لبنان، وذلك من خلال محاولة تفكيك هذا التحالف بالتعاون مع حلفائه وتحويله مجموعة "اقليات صغيرة". وقد حاول النظام السوري بشكل خاص استغلال مواقف جنبلاط الاخيرة لتحقيق هذا الهدف لكن المسعى السوري باء بالفشل وبقيت الغالبية غالبية.


واكدت المصادر الاوروبية المطلعة ان هذا "الموقف السوري يلقى دعما كاملا من القيادة الايرانية، وانه ليس صحيحا ان ثمة خلافات بين دمشق وطهران حول لبنان، وان الايرانيين هم الذين يعرقلون تشكيل حكومة الحريري لانهم منزعجون من الحوار السوري – السعودي. والواقع، وفقا لمعلومات اكيدة واردة من دمشق وطهران، ان القيادتين السورية والايرانية متفقتان تماما حول لبنان، وانهما تتعاونان معا لتقديم الدعم الكامل لحلفائهما، ولإضعاف القوى الاستقلالية وتقليص حجم الدعم الدولي والعربي للبنان المستقل الى ادنى حد. وهذا التفاهم السوري – الايراني هو الذي يجعل المعارضة تتمسك بمطالب متشددة بل تعجيزية ومتناقضة، مع الرغبة في الشراكة الوطنية الحقيقية مع الغالبية ومع نتائج الانتخابات. وهذا التفاهم السوري – الايراني هو الذي جعل "حزب الله" يتراجع عن التزاماته في اطار الاتفاق السياسي الكبير. ذلك ان التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وفقا للصيغة المحددة، ليس معناه التوافق على المبدأ وحده بل ان ذلك يتطلب المساعدة والتعاون من اجل تأمين ولادة هذه الحكومة، بحيث يتولى قادة الغالبية تذليل العقبات داخل فريقهم، ويتولى قادة المعارضة تذليل العقبات داخل فريقهم. وقد نفذ قادة الغالبية التزاماتهم في هذا المجال، لكن قادة المعارضة بدوا متضامنين في موقفهم المعرقل تشكيل الحكومة المتفق عليها".



معركة المعارضة الكبرى

واكدت المصادر الاوروبية المطلعة ان موقف المعارضة المعرقل لتشكيل حكومة وحدة وطنية هو جزء من معركة كبرى يخوضها حلفاء سوريا وايران مع واقع لبناني واقليمي ودولي غير ملائم لهم ولاهدافهم، وهو واقع تعكسه وتجسده الحقائق الاساسية الآتية:


اولا، انتصار الاستقلاليين في الانتخابات الاخيرة وحصولهم على غالبية واضحة في كل الطوائف باستثناء الطائفة الشيعية الخاضعة لنفوذ "حزب الله" وحركة "امل"، مما يشكل هزيمة سياسية وشعبية للمعارضة يصعب تجاوزها ما لم تحقق المعارضة مكاسب في عملية تشكيل الحكومة، وما لم تعرقل تشكيلها لإثبات قدرتها على التعطيل.


ثانيا، تكريس وجود تيار استقلالي سياسي وشعبي في مختلف المناطق يضم فريق 14 آذار وحلفائه وكذلك الرئيس سليمان الاستقلالي التوجهات.


ثالثا، ادت نتائج الانتخابات الى تأمين شرعية لبنانية سياسية وشعبية جديدة للدعم الدولي والعربي الواسع للبنان المستقل المتحرر من الهيمنة السورية. وهذا ما يزعج حلفاء المحور السوري – الايراني.


رابعا، اقدام الدول البارزة والمؤثرة على التأكيد لنظام الاسد انه ليست له حقوق خاصة او مصالح مشروعة في لبنان تتناقض مع مصالح اللبنانيين الحيوية والمشروعة ومع قرارهم السيادي الحر.


خامسا، وجود قرار دولي مدعوم عربيا ولبنانيا يقضي بعدم السماح للمتشددين المسلحين بالسيطرة على الحكم في لبنان بالقوة لان استقرار لبنان "مصلحة لبنانية واقليمية ودولية"، ولأن سيطرة هؤلاء عليه تحوله بلدا خطرا في تعاطيه واسرائيل والدول العربية المعتدلة، وهو ما سيعطي الاسرائيليين ذريعة لشن حرب مدمرة جديدة اوسع نطاقا من حرب 2006 ضد هذا البلد. وقد اكد اللبنانيون في غالبيتهم الكبرى رفضهم خيار المتشددين ومعارضتهم الواضحة لاستخدام السلاح والعنف في الداخل من خلال تأمينهم فوز الاستقلاليين في الانتخابات. ذلك ان الاستقلاليين اثبتوا مرارا حرصهم على السلم الاهلي ورفضهم استخدام السلاح والعنف وقد دفعوا ثمنا باهظا لتمسكهم بخيارهم السلمي هذا.


بقلم عبد الكريم أبو النصر

 



المصدر: جريدة النهار

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,581,033

عدد الزوار: 6,996,745

المتواجدون الآن: 59