معضلة الدراسات العليا في الجزائر..

تاريخ الإضافة الأحد 21 نيسان 2024 - 5:25 ص    التعليقات 0

        

معضلة الدراسات العليا في الجزائر..

مركز كارنيغي..أبو بكر خالد سعد الله

أبوبكر خالد سعدالله، حاصل على الدكتوراه في الرياضيات التطبيقية، وهو يعمل أستاذا للرياضيات في المدرسة العليا للأساتذة في الجزائر. وهو باحث في مختبر المعادلات التفاضلية الجزئية التابع لوزارة التعليم العالي.

يمثل ارتفاع عدد حملة شهادة الدكتوراه في الجزائر مشكلة اقتصادية- تعليمية، نظرا لتشبع الجامعات منهم ولقلة توظيفهم في مجالات أخرى غير الجامعات.

تُثار في الجزائر حاليا تساؤلات بشأن استمرار توفير مساقات الدكتوراه في ظل عدم وجود ضمان للعمل في وظائف تناسب شهادات الخريجين، أم أنه ينبغي الاتجاه نحو إغلاق باب الدراسات العليا أو تحديد عدد المسجلين في مساقاتها طبقا لمتطلبات سوق العمل.

تتبنى الجزائر منذ الاستقلال عقيدة "ديموقراطية التعليم"، بمعنى تعميم التعليم المجاني والإجباري على الجميع بدون قيود على من يريد مواصلة الدراسة حتى الدكتوراه. لذا كانت ميزانية التعليم دائما الأولى في ترتيب الأولويات أو الثانية منذ العام 1962. وهكذا، نجد الآن نحو ثلث السكان أي 14 مليون يزاولون دراستهم في المدارس والجامعات، منهم 1.5 مليون طالب في المؤسسات الجامعية. الأمر الذي ساعد في بلوغ هذا المستوى من الاستثمار في التعليم – مقارنة مثلا بتونس والمغرب- هو توفر المال الناجم من الريع البترولي. يبلغ عدد المؤسسات الجامعية في الجزائر 240 مؤسسة، منها فقط 20 خاصة يقصدها نحو4000 طالب. ومن بين فئة الطلاب، ثمة 63500 طالب دكتوراه و374000 طالب ماجستير. أما هيئة التدريس فيبلغ تعدادها 70000 مدرس، منهم 46000 أستاذ من ذوي الخبرة العالية. أما عدد الخريجين فهو 377000 خريج سنويا، منهم الآلاف من حملة الدكتوراه.

هناك عدة أسباب تجعل الطلاب يتوجهون إلى الدراسات العليا، منها أن الرواتب لخريجي الماجستير – سيما في المؤسسات الحكومية- متدنّية، وأنه ليس من السهل الحصول على وظيفة لكثرة المتخرجين. ثم إن طالب الدكتوراه يأمل في الحصول على وظيفة في التعليم الجامعي، حتى لو كان بدوام جزئي، لأن تحضير الدكتوراه في الجزائر–كما في بلدان أخرى- لا يستدعي التفرغ، فكثير من الطلاب يشتغلون في مؤسسات مختلفة. أما غير الموظف فهو طالب يتمتع تلقائيا بمنحة دراسية تكفل له الحد الأدنى من التسهيلات، مثل النقل والإطعام شبه المجاني.

لذلك، تراكمت فئة الطلاب غير الموظفين حتى بلغت خلال السنتين الماضيتين زهاء 22000 دكتور عاطل عن العمل. أما توظيف هؤلاء فكان بمعدل 1500 إلى 1800 شخص في السنة. وقد أدى ضغطهم على السلطات خلال الفترة الأخيرة وتظاهراتهم في الشارع إلى إيجاد سبل لتوظيف عدد معتبر منهم خارج الجامعات، كما تمت عملية توظيف كبيرة خلال السنة الماضية، حيث أحالت السلطات قرابة 1300 أستاذ جامعي إلى التقاعد، ووظفت 10 آلاف من حملة الدكتوراه العاطلين، والعملية لا تزال متواصلة ضمن أكبر عملية توظيف في سلك التعليم الجامعي عرفتها البلاد. هذا الحل استهجنه عدد كبير من الجامعيين لأن إحالة ذوي الخبرة إلى التقاعد، وتعويضهم بعدد هائل ممن لا خبرة لديه، يعدّ ضربة قاسية لنوعية التعليم الجامعي ولخريجيه.

غير أن عملية التوظيف هذه حلّت مشكلة جميع الدكاترة غير الموظفين، لكن هناك آلاف المتخرجين المتوقعين الذي سيشكلون نفس المعضلة في المستقبل القريب. كما أن عملية التوظيف لم تلتفت لحملة الدكتوراه الذين يعملون خارج مؤسسات التعليم العالي الذين ينتظرون توظيفهم في الجامعة. لهذا نجد وزارة التعليم في حيرة. فالعدد الهائل من الخريجين سيصعب مستقبلا توظيفه في سلك التعليم العالي، ناهيك عن استمرار رغبة الطلاب الجدد من حملة الماجستير في مواصلة دراستهم للحصول على الدكتوراه. يبدو أن البلاد مقبلة على تقليص التسجيل في الدكتوراه أو غلق بابه، لكن من الصعب التنبؤ بالوقت الذي سيعلن فيه ذلك لأن الموضوع لايزال قيد الدراسة.

لاحظنا أن دولا غربية واجهت نفس الموقف، لكن مواطنيها تفطنوا إلى أن شهادة الدكتوراه ليست أفضل طريق لضمان وظيفة مرموقة، ذلك أن فرص العمل في تلك المجتمعات أصبحت متاحة أكثر فأكثر لغير الحاصلين على هذه الشهادة. ولم تصل مجتمعات المنطقة العربية إلى هذه القناعة بعد نظرا للظروف المعيشية والمجتمعية.

بالنسبة للجزائر، ينبغي أن يقصد الدكتوراه النخبة من الطلاب المتميزين، وألا تكون ملاذا لكل من لم تتوفر له فرص العمل. ولهذا فإن تقليص عدد طلاب الدكتوراه في كل الاختصاصات سيمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، وسيكون أساسا في صالح التحصيل العلمي. من جهة أخرى، ينبغي تكثيف فتح أبواب اقتصادية في مجالات متنوعة مثل الصناعة، والفلاحة، والخدمات، والمؤسسات الناشئة، عن طريق استغلال إمكانيات البلاد الاستثمارية من أجل خفض نسب البطالة على المدى المتوسط لدى حملة الدكتوراه، وتوعية جمهور الشباب بأن العهد الذي كانت فيه الدكتوراه تضمن لكل حامليها التوظيف الجامعي قد ولّى، كما هو الحال في بلدان أخرى من العالم.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,398,574

عدد الزوار: 6,989,795

المتواجدون الآن: 60