سيرة الآباء اللعازاريين في لبنان: 225 سنة من عينطورة إلى دمشق

تاريخ الإضافة السبت 21 آذار 2009 - 2:47 م    عدد الزيارات 1411    التعليقات 0

        

مايا ابو صليبي

سبعة عشر كاهناً يسوعياً قدموا من بلدان أوروبية كاثوليكية، وتحديداً من فرنسا وإيطاليا، وحلّوا في بلدة عينطورة، في قضاء كسروان. دشنوا إقامتهم عام 1783 بإنشاء نواة «إرسالية الآباء اليسوعيين» التي بشّرت وعملت بين المؤمنين، فانضم إليها عدد من أتباع الكنائس الكاثوليكية، واستقروا على فقر وصلاة وتبشير.
بدأت الإرسالية بكنيسة صغيرة من غرفتين، واحدة للصلاة والتبشير وأخرى للتدريس. وشكّلت عينطورة نقطة انطلاق للآباء اليسوعيين إلى عدد من المناطق اللبنانية. وفي تاريخ هؤلاء أن بعضهم مات بسبب الأمراض التي كانت منتشرة آنذاك.
ولأسباب «بابوية»، تم استبدال هذه الإرسالية بمؤسسة ثانية، باسم الآباء اللعازاريين الذين توزعوا في المشرق، وأقاموا مؤسسات تابعة لهم في حلب وطرابلس ودمشق وعينطورة.
انكب الآباء والكهنة على العمل الاجتماعي، خاصة أن بعض هؤلاء الكهنة كانوا أطباء، فكرّسوا أنفسهم لمساعدة المرضى والناس. وفي ظل المشاكل بين كنائس الموارنة والكاثوليك، حينها، أدّى هؤلاء الآباء دور صلة الوصل بين الكنائس والأمراء الذين مروا على لبنان، وخصوصا في عهد الأمير بشير الثاني، على أن دورهم الاجتماعي قام على مساعدة الفلاحين بوجه الإقطاعيين.
وفي عام 1834، رأى الآباء اللعازاريون أن العلم والمدرسة هما الوسيلة الأفضل لمساعدة الإنسان على التطور. فأسسوا مدرسة بدأت صغيرة بغرفة وسبعة طلاب، كانوا في حينها من العائلات الميسورة جدا، كما ضمت أربعة غرباء عن المنطقة وثلاثة من بلدة عجلتون الكسروانية، وهم: إبن قنصل فرنسا ألفونس غي، إبن المسؤول الأول في القنصلية الفرنسية جوريل، ولدا قنصل النمسا جورج وألكسندر لورال، ميشال مدور، يعقوب تابت، وإبن أبو فرنسيس المجهول الإسم والعائلة.
كانت المدرسة تستقبل الصبيان فقط، وتعتمد برنامج تعليم طوال اليوم، مع دروس مسائية. في السبعينيات، تم استقبال فتاتين، ومن ثم راحت الأعداد تكبر حتى وصلت أعدادهن إلى ذروتها مع حرب عام 1975. وحتى تاريخ هذه الحرب، ضمت المدرسة طلاباً من كافة الديانات، وجمعت في أحضانها في عينطورة مختلف الاتجاهات السياسية، ومن أبرز الشخصيات التي مرت على مدرسة «عينطورة»: سليمان فرنجية، قبلان فرنجية، فيليب تقلا، صبري حمادة، فؤاد المقدم، آل البزري، رياض الصلح، إيلي حبيقة، وصولا إلى الوزيرين ابراهيم نجار، وزياد بارود.
كما كانت المدرسة، منذ عام 1834 وحتى عام 1981، داخلية، مع عدد قليل من طلاب «الخارجي»، أي كانوا يعودون الى منازلهم بعد الدروس، بما أنهم كانوا من طلاب الضيعة ومن أهل جعيتا... وبعدما كثر عدد «الخارجي» في السبعينيات، صارت المدرسة كلها خارجية في سنة 1981. وراحت تكبر مع الوقت حتى وصل عدد طلابها إلى أربعة آلاف في يومنا هذا، كما يشير نكد. ويذكّر بأن مدرسة عينطورة «ضمت ومنذ القدم، تلامذة من مصر، قبرص، فلسطين، تركيا ولبنان». وأكد أنهم كانوا من الطبقات الميسورة، «في الوقت الذي كان بعض الطلاب يتابعون دراستهم من دون أي مقابل، ومن دون أن يدري أحد من زملائهم بذلك». كما لفت الى أن كثيراً من اللبنانيين خاصة درسوا وتخرجوا ووصلوا إلى مراكز عالية في الدولة، من دون أن يدفعوا فلساً واحداً. غير أن بعضهم كان يدفع صندوقي تفاح أو تنكة زيتون مثلاً.
وفي سبيل مساعدة طلابها، اضطرت «عينطورة» لبيع أراض شاسعة في كسروان، جبلاً وساحلاً، و»لا تملك «عينطورة» راهناً سوى المدرسة فقط، فيما لا تزال المساعدات مستمرة، ولو لم تكن بالحجم الذي كانت عليه من ذي قبل».
المدرسة التي كانت محاطة بأشجار الصنوبر واللوز والزيتون، تغيرت اليوم معالم محيطها السابق المعهود، وحلّت البيوت والبنايات مكان تلك الأشجار. إلا أن طابع المدرسة القديم حوفظ عليه، وبقيت «عينطورة» على حجرها القديم، كما بقيت لليوم محطة لأكثرية العائلات الميسورة ماديا، من دون أن تتخلى عن مساهمتها في تعليم غير الميسورين، «فنحن نساعد حوالى 25% من العائلات، وإن كانت المساعدات بنسب مختلفة بحسب حالة كل منها... لكن هذه المساعدات مهددة بالتوقف في حال العسر، حتى لا نقع في عجز مادي، خصوصا أن المدرسة تتطلب صيانة دائمة، كما لا نتلقى أي مساعدات خارجية».
وفيما يخص التغييرات التي طالت وجه المدرسة، اعتبر الأب نكد، انه «حتى الطلاب تغيروا، اذ كانوا يأتون من صيدا، بعلبك، السعودية، تشاد والكاميرون... وقبل عام 1975، كان في المدرسة كثير من الطلاب اليهود. كان هناك دمج بين الديانات والحضارات. أما اليوم فصار للمدرسة وجه واحد تقريبا، وصار الطلاب متوزعين على الطوائف المسيحية، مع عدد من العائلات غير المسيحية المقيمة في المنطقة، ليبلغ عدد أبنائها حوالى الـ 25 طالبا».
ورأى أيضا أن عدد غير المسيحيين سيتزايد أكثر بعد عدد من السنوات، لأن «الناس ارتاحوا أكثر بعد عام 1995، وصاروا يشعرون بالاندماج أكثر».
أما عن دور إرسالية الآباء اللعازاريين فاعتبر أنه تحول الى مساعدة الشباب والأهل للحفاظ على القيم الانسانية والأخلاقية والدينية، خصوصا مع تطور العصر: «فالناس ضائعون وبحاجة لمن يقول لهم إن لكل شيء حدوداً». وأضاف أن كل مدرسة تمر بطلعات ونزلات، «وقد أقفل الأتراك قديما مدرستنا، ورحّلوا الكهنة. وفي كل فترات الحرب من 1840 إلى 1860 إلى 1914 و1940 و1975... وفي كل الأحداث التي مرت على لبنان، كانت المدرسة تقفل لتستقبل اللاجئين... حــتى أن الأب الرئيس إرنيست سارلوت عام 1914 كان يذهب ليـــلاً بحراً مــع الصيادين الى جزيرة رواد، عند الفرنسيين لينقل القمح الى منطقة البوار والمنطقة المحيطة بها، وكان يتفق مع لبــنانيين لتحميل القمح وتفــريقه على المحتاجين في منطـــقة كسروان... لقد كنا هنا ونحن اليـــوم هنا وسنبقى هنا».
إرسالية حلب اختفت منذ أيام الأتراك الذين احتلوا أرضها ومنعوها من الاستمرار. وحافظت دمشق على مدرستها وإرساليتها إلا أن اسمها تحول من «مار منصور» الى «المنصور». وتجدر الاشارة الى ان الإرساليات متواجدة في القدس وفي الاسكندرية وفي بيروت... وجميعها تتبع الرئيس العام للرهبانية اللعازارية الأميركي المقيم في روما غريغوري غيي. كما يتم اتباع الطقس اللاتيني ومطرانه المونسنيور بول دحدح.

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 156,498,184

عدد الزوار: 7,030,811

المتواجدون الآن: 71