اللبنانيون في إسرائيل.. أزمة تواجه حزب الله

تاريخ الإضافة الأحد 27 تشرين الثاني 2011 - 6:34 ص    عدد الزيارات 992    التعليقات 0

        

اللبنانيون في إسرائيل.. أزمة تواجه حزب الله
يرفضون محاكمتهم أو نعتهم بـ«العملاء».. وعدد المتبقين في إسرائيل يتراوح بين 2500 و3500 شخص
بيروت: نذير رضا
أسئلة كثيرة طرحها أبناء مدينة الخيام الجنوبية خلال زيارتهم الأخيرة إلى بلدتهم يوم عيد الأضحى الماضي. «هل يعني إقرار مجلس النواب مشروع قانون معالجة أوضاع اللبنانيين اللاجئين إلى إسرائيل، الصفح عنهم؟ هل مطلوب منا مسامحتهم؟ هل سنعيش إلى جوارهم بعد أن تسبب كثير منهم في إبعادنا من بلادنا، وتهجيرنا خلال فترة الاحتلال؟».. أسئلة، قوبلت بإجماع في المزاج الشعبي على رفض صيغ الحلول المقترحة لمعالجة أوضاعهم، بعد إقرار المشروع في مجلس النواب، على قاعدة «الأسى لا يُنسى»، معتبرين عودة هؤلاء «معززين ومكرمين بمثابة استفزاز لمشاعرنا نحن أبناء الشريط الحدودي».

ويسجل هؤلاء اعتراضهم البالغ على التفريق بين العملاء وعائلاتهم. «عاشوا مترفين خلال فترة الاحتلال، وأكملوا حياة الترف في إسرائيل من غير محاكمة، أسوة بمتعاملين آخرين انضووا تحت لواء جيش لبنان الجنوبي، وسيعودون معززين»، يقول أحمد ضاهر ابن قرية دبين المجاورة للخيام، متسائلا: «هل هذا عدل؟» ولعل مشروع القانون الذي اقترحه تكتل التغيير والإصلاح برئاسة النائب ميشال عون، وأقره مجلس النواب الأسبوع الماضي، يحمل في طياته احراجا كبيرا لحزب الله وحركة أمل. والمفارقة أن مشروع القانون لم يرض الجنوبيين الذين «ذاقوا لوعة العملاء إبان الاحتلال»، كما يقول علي العبد الله ابن الخيام، ولم يرض اللاجئين في إسرائيل منذ مايو (أيار) من عام 2000، الذين سجلوا اعتراضهم في رسالة مفتوحة وجهت إلى الرؤساء اللبنانيين الثلاثة والنائب ميشال عون ونواب حزب الله، معربين عن إصرارهم على «براءتنا وحريتنا وعزة نفسنا»، كما على «عودة كريمة إلى الأرض التي بعتموها للغريب ودافعنا نحن عنها».

وتعود قصة هؤلاء إلى 25 مايو (أيار) عام 2000، حيث فر نحو خمسة آلاف لبناني إلى إسرائيل، غداة إعلان تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، وكان قسم منهم منضويا تحت لواء «جيش لبنان الجنوبي»، وأجبروا عائلاتهم على اللجوء معهم إلى المستوطنات الإسرائيلية. وبغياب الأرقام الدقيقة، أشارت مصادر متابعة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن العدد التقريبي المتبقي منهم في إسرائيل يتراوح بين 2500 و3500 لاجئ. وتناقص عددهم بفعل هجرة قسم منهم إلى كندا والولايات المتحدة وأستراليا وساحل العاج وبعض الدول الأفريقية الأخرى، كما أن بعضهم عاد منفردا وسلم نفسه للجيش اللبناني، وعادت بعض العائلات إلى لبنان من غير عودة رب العائلة. أما العملاء الكبار، على غرار أنطوان لحد الذي تزعم جيش لبنان الجنوبي، كما تقول المصادر، «فلم تمنحهم الدول الغربية لجوءا سياسيا كي لا يؤثر ذلك على علاقتها المميزة بلبنان». وعن التوزع الطائفي لهؤلاء اللاجئين في إسرائيل، أشارت المصادر عينها إلى أن 90 في المائة من هؤلاء ينتمون إلى الطائفة المسيحية، فيما لا يتعدى عدد الشيعة 10 في المائة. وتوضح المصادر أنه «حين تم الفرار إلى إسرائيل، أجبر المتعاملون المسيحيون في جيش لبنان الجنوبي نساءهم وعائلاتهم على الرحيل معهم، مما رفع عددهم في المستوطنات الإسرائيلية. أما المتعاملون الشيعة في جيش لبنان الجنوبي فقد فروا وحدهم دون اصطحاب عائلاتهم». قبل شهر أغسطس (آب) الماضي لم يتقدم أحد من النواب بمشروع قانون مكتمل لإعادة هؤلاء الفارين إلى لبنان، حيث اقترح تكتل التغيير والإصلاح مشروع قانون لمعالجة أمور اللبنانيين اللاجئين إلى إسرائيل، وأقر المشروع في جلسة مجلس النواب التي انعقدت مطلع الشهر الحالي. ويتناول المشروع معالجة أوضاع جميع اللبنانيين الذين لجأوا قسرا إلى إسرائيل مع انسحابها عام 2000. وجاء في الأسباب الموجبة له أن «هؤلاء المواطنين غير مسؤولين في الأصل عما أصابهم بسبب تخلي الدولة عنهم منذ بدء الأحداث اللبنانية وتركهم لمصيرهم الأسود تحت نير الاحتلال الإسرائيلي..».

ونظرا لحساسية المشروع، كون جزء من هؤلاء تورط في قتل لبنانيين، طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري صيغة معدلة تلحظ إجراء «محاكمة عادلة لمن فر إلى إسرائيل وانضم عسكريا في أي حين، في حال عودته، ويسلم إلى وحدات الجيش، أما المواطنون الآخرون الذين لم ينضووا عسكريا وأمنيا بمن فيهم زوجاتهم وأولادهم الذين لجأوا إلى الأراضي المحتلة، فيسمح لهم بالعودة ضمن آليات تطبيقية تصدر بمراسيم في مجلس الوزراء خلال سنة».

غير أن صيغة الحل، لم ترض أطرافا لبنانية. ففي حين تحفظ حزب الكتائب عن المشروع، مقترحا مشروعا آخر تقدم به النائب سامي الجميل في مجلس النواب، ويقضي بإقرار عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل 31 ديسمبر (كانون الأول) 2000، تحفظ الحزب الشيوعي اللبناني على استخدام مصطلح «اللاجئين إلى إسرائيل»، مشيرا إلى أن «الحل الوحيد لهذه القضية يكمن في اعتبار كل من التحق بالعدو الصهيوني بمثابة العميل». ورفض الحزب الشيوعي في بيان «الحل ضمن توافقات أو صفقات، خاصة على حساب كرامة المقاومين والمقاومات»، داعيا مجلس النواب والقضاء اللبناني إلى التعامل مع هذه القضية وفق منطوق يعتبر اللبنانيين الموجودين في إسرائيل في عداد العملاء والخونة.

غير أن «مهندس المشروع» النائب إبراهيم كنعان، عضو كتلة التغيير والإصلاح التي يرأسها النائب ميشال عون في البرلمان اللبناني، يشدد على أن هذا الملف «حساس»، مؤكدا أن المشروع «أول خطوة باتجاه إيجاد حل لشريحة كبيرة من المجتمع اللبناني وكان لنا شرف المبادرة فيه». ويتوجه إلى المنتقدين بسؤال: «لماذا لم يبادر أحد خلال 11 عاما إلى إيجاد حل؟» معتبرا أنه «لو تمت معالجة الموضوع قبل الآن بعيدا عن الحسابات السياسية لكانت القضية أقل تعقيدا».

ويشرح كنعان مشروع القانون في حديث لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن الملف «حساس ودقيق للغاية، لكننا لا نستطيع أن نترك جزءا من المجتمع اللبناني عند دولة عدوة ما زال الصراع معها مستمرا، وتكتشف كل يوم شبكات تجسس لصالحها، كما أن قسما منهم تتحمل الدولة مسؤولية إهمالهم». لذلك، يضيف كنعان، «من واجباتنا كدولة أن لا نسمح بانخراط الأطفال اللبنانيين هناك في الجيش الإسرائيلي، أو ذوبان أبنائنا في مجتمع العدو، بالإضافة إلى أنه لا يجوز إعادة مرتكبي الجرائم من غير محاكمة، خصوصا أن الصراع ما زال مستمرا مع إسرائيل، ويحاكم عملاء في هذا الوقت في المحاكم اللبنانية».

وإذ دعا كنعان إلى مقاربة الموضوع «من الخلفية الإنسانية تحت سقف القانون»، أوضح أنه «لا يمكن تناول الملف من زاوية عاطفية؛ إذ تقضي المصلحة الوطنية العليا باسترداد اللبنانيين في إسرائيل، ولا شك في أن هروبهم هو نتيجة لإهمال الدولة اللبنانية منذ عام 1975 الذي أدى إلى تعاملهم، كما أن تلك المرحلة شهدت انقساما لبنانيا وتفككا طال كل اللبنانيين خلال الحرب».

وردا على المطالبين بعفو عام، قال: «هم يعرفون أن هذا الطلب مستحيل، لكنه يستخدم للمزايدة السياسية. لا يمكن تطبيق العفو الكامل في هذا الوقت، ولا آلية واقعية له، فالاستحالة تنطلق من مبدأ التمييز بين المواطن المقاوم والمتعامل، وقد وجه لنا أحد نواب تيار المستقبل، حليف حزب الكتائب، هذا السؤال في مجلس النواب.. لذلك، ميزنا بين المواطنين الذين كانوا مرغمين على النزوح مع أزواجهم، وبين من له ملف أمني وعسكري، حيث سيحاكم محاكمة عادلة، بعد تسليم نفسه للجيش اللبناني مباشرة ويتم تحويله إلى المحكمة العسكرية».

وإذ أوضح كنعان أن «الطرف المتألم من جيش لبنان الجنوبي هو الطائفة الشيعية، ومع ذلك صوت نوابها مع المشروع»، دعا إلى «الابتعاد عن المزايدة السياسية، والتفكير إنسانيا، والبناء على قبول الطرف المتألم عوضا من إطلاق النار على المشروع، لأن في ذلك مصلحة وطنية، لأنه لا مصلحة لنا في تكبير حجم المجتمع اللبناني في إسرائيل». وقال: «إذا بقي السجال على حاله، فإنه قد يؤذي المشروع»، مؤكدا أن «المشروع ثمرة التفاهم مع حزب الله الذي أوصلنا إلى تحقيق شيء إيجابي». وشدد كنعان على «المحاكمة العادلة التي تفسر بالمحاكمة غير الثأرية»، مشيرا إلى أن إصدار المراسيم التطبيقية لن يكون بعيدا، حيث سيقر وزير العدل، بالاتفاق مع وزير الداخلية، المراسيم التطبيقية بعد عطلة الأضحى».

ويبدو أن المزاج الشعبي في الجنوب غير مرحب بالمشروع «من غير آلية عقاب عادلة»، في إشارة إلى التوجس من المحاكمة التي قد تكون مخففة. بيد أن أوساط حزب الله، لا ترى في إقرار مشروع القانون إحراجا له أمام جمهوره؛ إذ صوتت كتلة الحزب النيابية (الوفاء للمقاومة) للمشروع في مجلس النواب. ويرى هؤلاء، في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن مشروع عودة المبعدين إلى إسرائيل «مسألة مطلوب معالجتها»، مؤكدين «أن مشروع القانون تمت صياغته بطريقة تراعي الأمن القومي اللبناني من جهة، والدواعي الإنسانية من جهة أخرى».

وفي حين يطرح البعض أسئلة عما إذا كان الحزب سيرفض مشروع القانون لو تقدم به طرف لبناني آخر، ولم يقترحه حليفه تكتل التغيير والإصلاح، نفت أوساط الحزب تلك الفرضية، معتبرة أن التصويت لصالح المشروع «جاء انطلاقا من ضرورات إنسانية واعتبارات وطنية»، مؤكدة أن «لا علاقة للتحالفات السياسية بالموافقة على مشروع القانون أو رفضه، رغم أن خصوصية التيار الوطني الحر تؤخذ بعين الاعتبار».

من جهته، يشدد عضو كتلة التنمية والتحرير (حركة أمل) النيابية النائب علي خريس على أن عودة هؤلاء تنطلق من «اعتبارات وطنية»، موضحا في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن القانون «لا يقضي بالعفو عن المتورطين في قتل المقاومين والمجرمين والعملاء؛ إذ سيخضع هؤلاء لمحاكمة عادلة، وسيحاكمون أمام المحاكم اللبنانية»، وأضاف: «يلحظ قانون العفو الأطفال الذين لجأوا إلى إسرائيل مع ذويهم قسرا، كما أنه يأخذ بعين الاعتبار عائلات هؤلاء الفارين الذين لا ذنب لهم في ما ارتكبه العملاء، ولم يتورطوا في قتل المقاومين، ولم يمارسوا أعمالا عدائية ضدهم»، مشيرا إلى أن الاعتبار الوطني «يقضي باستيعاب هؤلاء بغية حمايتهم من الانخراط في نسيج المجتمع الإسرائيلي، أو من حصولهم على جنسية إسرائيلية في ما بعد».

وعن اعتراض بعض اللبنانيين على طريقة محاكمة العملاء الذين تم توقيفهم بعد التحرير في عام 2000، والذين توجسوا من أحكام مخففة بحق العائدين الجدد، شدد خريس على «ضرورة إنزال أشد العقوبات على المتورطين في قتل اللبنانيين إبان فترة الاحتلال»، مؤكدا أن «المحاكم اللبنانية يجب أن تتشدد في الأحكام لأن هؤلاء يستحقون العقاب»، معربا عن اعتقاده بأن «قسما منهم لن يعود إلى لبنان هربا من المحاكمة، كما أن قسما منهم اختار الهجرة إلى بلدان أخرى، بدلا من عودته إلى لبنان. ولفت إلى أن مشروع القانون «سيفتح أمام هؤلاء خيار العودة، وسيخضع المتورطون منهم للمحاكمة في المحاكم اللبنانية».

في المقلب الآخر، وجه اللاجئون في إسرائيل رسالة مفتوحة إلى المسؤولين اللبنانيين عبر موقعهم الإلكتروني، يسردون فيها وقائع تعاملهم مع إسرائيل، متذرعين «بتخلي الدولة اللبنانية طوعا عن سيادتها على أرضها، بموجب اتفاقية القاهرة»، وصولا إلى الدفاع عن النفس. وسجل هؤلاء اعتراضهم على مشروع القانون لأنه لم يتم إشراكهم في صياغة القرار، متسائلين عن المحاكمة العادلة والآليات التطبيقية، وأمن الأولاد ومدارس التأهيل المقترحة. وأصر هؤلاء على براءتهم، رافضين مشروع القانون لأنه «ينقض قرارات دستورية توليتم السلطة على أساسها وأظهرناها في كتابنا، ولأنه ينقض الإعلان العالمي لحقوق الإنسان».

وشدد الفارون إلى إسرائيل على «أننا لن نقبل المساومة على كراماتنا، ولن نقبل بنعتنا (عملاء)، ولن نقبل أي محاكمات وأي عودة مشروطة، ونعتبر كتابنا هذا بمثابة الإنذار الرسمي لكم وإنه الأخير قبل أن نلجأ أواخر هذه السنة الحالية إلى القضاء الدولي، وعليكم قبل هذا التاريخ معالجة وضعنا على الأسس التالية ووفقا للقوانين اللبنانية والدولية».

وطالب اللاجئون في إسرائيل بمنحهم «حق العودة إلى أرضهم مع كامل الاحتفاظ بكل حقوقهم المادية والمعنوية خلال فترة شهرين من تاريخ التصديق على هذا القانون في المجلس النيابي»، و«إسقاط دعاوى الحق العام وكافة الملاحقات والأحكام والتحقيقات العالقة ولا يجوز إحالة أي من القضايا أو الدعاوى أو الملفات المشمولة باقتراح القانون على أي مرجع قضائي».

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,677,720

عدد الزوار: 6,999,880

المتواجدون الآن: 73