محنة أبو مازن

الجمعة 9 تشرين الأول 2009 - 9:00 ص

1314

بقلم رنده حيدر

يمر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأسوأ أزمة سياسية له منذ وصوله الى الرئاسة بعد وفاة (اغتيال!) القائد الفلسطيني التاريخي ياسر عرفات. والسبب هو تراجع السلطة الفلسطينية عن قرارها طرح تقرير القاضي ريتشارد غولدستون على مجلس الدفاع عن حقوق الإنسان لتبنيه، ورضوخها للضغوط التي مارستها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما والحكومة الإسرائيلية.

وهكذا يجد الرئيس الفلسطيني نفسه بين نارين؛ النار الفلسطينية من الداخل والنار الإسرائيلية. فلقد استغلت حركة "حماس" و الحركات الإسلامية المتطرفة التأجيل للإنقضاض على عباس والطعن بشرعيته، واتهامه بالتفريط بضحايا حرب غزة من المدنيين، مقابل مكاسب سياسية غير مؤكدة مثل عودة المفاوضات مع إسرائيل، أو مكاسب مادية من بينها الموافقة الإسرائيلية على انشاء شركة للهاتف النقال في الضفة تقول الشائعات أن ابن محمود عباس يملك أسهماً فيها.

وعلى الرغم من المأزق الذي أوقعت السلطة الفلسطينية نفسها فيه والشعور الكبير بالإحباط والمرارة جراء تفويت الفرصة الثمينة التي يتيحها تقرير غولدستون لمحاسبة إسرائيل على الانتهاكات الخطيرة التي اقترفتها خلال الحرب على غزة؛ رغم هذا كله لا يمكن إلا أن نرى مدى الإستغلال السياسي الذي تقوم به حركة "حماس" لزعزعة المكانة السياسية لعباس ونزع صفته التمثيلية للشعب الفلسطيني الذي تقتضي أبسط القواعد عدم التفريط بحقوقه.

وهي هنا تنسى أو تتناسى أن التقرير المؤجل يدينها أيضاً ويتهمها بإرتكاب "جرائم حرب". وعلى الرغم مما يبدو من تبني الحركة غضب الناس والتعبير عن شعورهم بالمرارة، فهي ربما آخر من يمكنه أن يتحدث عن ضرورة احترام عمل وجهود حركات الدفاع عن حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية غير الحكومية نظراً الى العداء الذي تكنه الحركة ضد نشاط هذه التنظيمات وبصورة خاصة في تصديها لمساعي "حماس" لأسلمة الحياة في غزة وفرضها قيوداً على الحياة العامة، لا سيما على حياة المرأة، ووقوفها ضد كل المؤسسات الغربية وغلقها عدداً كبيراً منها.

ولا يقل الهجوم الذي تعرض له أبومازن من جانب إسرائيل لحمله على الاعلان عن قرار تأجيل البحث في تقرير غلودستون شراسة عن هجوم "حماس" وسائر القوى الفلسطينية الذي نشهده في هذه الأيام. فقد اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية تبني التقرير بمثابة توجيه"ضربة قاتلة" لمساعي السلام. وقامت الأوساط الحكومية المقربة من رئاسة الحكومة بحملة كبيرة على رئيس السلطة شخصياً مذكرة إياه بصورة مهينة، ولكن ويا للأسف حقيقية، بأنه لولا ضباط الجيش الإسرائيلي والقادة السياسيين الاسرائيليين الذين يتيح تبني التقرير ملاحقتهم قضائياً وتوقيفهم ومحاكمتهم، لما استطاع أن يصمد لحظة في منصبه في الرئاسة. فالتواجد العسكري للجيش والاستخبارات الإسرائيلية في الضفة الغربية هما اللذان يحميان عملياً بقاء محمود عباس في السلطة وليس الأجهزة الأمنية الفلسطينية. واتهمت هذه الأوساط أبو مازن بالإزدواجية، فهو من جهة يريد أن يحصل على دعم إسرائيل له ولكن من جهة ثانية يقوم بالتحريض عليها.

وهكذا وجد أبو مازن نفسه في هذه الورطة بسبب قراره غير الحكيم وبسبب مراعاته للإدارة الأميركية التي لعبت هنا دوراً مزدوجاً بإمتياز. فما قامت به إدارة اوباما على هذا الصعيد لا يقل بشاعة وتحيزاً. إذ كيف يعقل لإدارة يقول رئيسها أنه مع التغيير والعدالة والمساواة الضغط على رئيس سلطة فلسطينية مغلوب على أمره مثل محمود عباس للتراجع عن التمسك بتقرير دولي هو بمثابة إدانة صريحة وواضحة لمدى العسف الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين؟

لقد اعتقد مستشارو الرئيس الأميركي أنهم قادرون في حال لبوا طلب الحكومة الإسرائيلية وقف تقرير غولدستون الذي يدينها الحصول على مكاسب سياسية من نوع إعلان الحكومة الإسرائيلية عن تجميد البناء في المستوطنات، ومعاودة المفاوضات السياسية مع زعيم السلطة الفلسطينية مما سيساعد على تعويم زعامة أبي مازن وإنقاذها من السقوط الشعبي الذي تعيشه حالياً. وبالطبع هذا أمر لن يتحقق لأسباب عدة أهمها أن زعزعة مكانة أبي مازن وشرعية تمثيله الفلسطيني هو هدف تسعى اليه منذ بدء مهمة جورج ميتشل إسرائيل لعرقلة المفاوضات، وتأجيل البت بتجميد الإستيطان.

أسماء الشخصيات الوطنية التي دعت لعدم تأجيل المصالحة الوطنية

يواجه شعبنا في هذه الفترة العصيبة جملة من التحديات الخطيرة والمصيرية تتعلق بقدسنا ومقدساتنا، وبأرضنا وحقوقنا، وصمود شعبنا على أرضه جراء تواصل العدوان الإسرائيلي الهمجي الذي يستهدف في الأخير تبديد قضيتنا ووأد حقوقنا وتشريد شعبنا.

وفي الوقت ذاته يواصل المحتل الإسرائيلي في ظل ضعف عربي، وتواطؤ دولي، حصاره لقطاع غزة، وخلق المبررات لمواصلة العدوان عليه، وارتكاب المزيد من المجازر بحق أهله.

وعلى الرغم من التداعيات الخطيرة الناجمة عن الانقسام وحالة الصراع فإن العدوان الإسرائيلي الذي يستثمر ذلك أيما استثمار ويستهدف كل الأرض الفلسطينية وكل الشعب الفلسطيني، ويواصل توجيه ضرباته وتدخلاته لتعميق الأزمة الفلسطينية التي طال أمدها، وتشعبت تأثيراتها ومخاطرها، وتداعياتها الأمر الذي يستدعي من كافة القوى التحلي بالمسؤولية الوطنية، وتسهيل وصول الحوار إلى مبتغاه بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الفلسطينية.

وإننا إذ صعقنا وندين بشدة ونطالب بمحاسبة المسئولين عن تأجيل وتعطيل الفرصة التي أتاحها تقرير القاضي ريتشارد غولدستون الذي يستحق كل التقدير بسبب مهنيته ونزاهته، والتزامه الموضوعية وجانب الحق والقانون ، فإننا نعبر عن حزننا العميق بسبب ما أحدثه ذلك من صدع عميق في الأجواء والعلاقات الوطنية التي كانت أخذت مؤخراً تبشر بإمكانية تحقيق المصالحة الوطنية ، ومن موقع الحرص الوطني على الشعب والقضية والأهداف.

وإذ نعبر عن تقديرنا لدور مصر من اجل صيانة الوحدة الوطنية والحقوق الفلسطينية فإنا نناشد الأشقاء في حركة حماس وفتح وبقية الفصائل بان تمتلك الإرادة والشجاعة للمضي قدماً وبايجابية نحو توقيع اتفاق المصالحة في الموعد الذي تم التوافق عليه في السادس والعشرين من الشهر الجاري في القاهرة.

إننا لا نرى أن ثمة ما يبرر التأجيل واستمرار الصراع والانقسام، ونتطلع إلى مداواة جراحنا، وتجاوز ضعفنا بإرادة وطنية جامعة تعيد لنا قوتنا، وتعزز صمود شعبنا في مواجهة سياسات التبديد، والتشبيت والانقسام ، التي تخدم العدو الصهيوني.

وفي هذا الإطار نناشد الأشقاء في جمهورية مصر العربية متابعة جهودهم للتدخل لدى الأطراف الفلسطينية المعنية من اجل تهيئة الظروف والمناخات من اجل إتمام اتفاق المصالحة الوطنية .

التوقيع:

د. جواد وادي علي أبو شهلا

علي الحايك عصام يونس

طلال عوكل عمر شعبان

عبد الكريم عاشور خليل أبو شمالة

نبيل أبو معيلق محمد اليازجي

عمرو حمد مجدي شقورة

طارق السقا جميل سرحان

مصطفى ابراهيم مازن شقورة

د.أحمد أبو طواحينة د. ابراهيم ابراش

عماد الفالوجي رجب أبو سرية

حسن الكاشف د. يوسف أبو دية