التلاقي ضد الاستبداد بين "ثورة الأرز" و"ثورة الياسمين"

تاريخ الإضافة السبت 29 كانون الثاني 2011 - 5:21 ص    عدد الزيارات 587    التعليقات 0

        

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
التلاقي ضد الاستبداد بين "ثورة الأرز" و"ثورة الياسمين"
نجيب ميقاتي والعقد الثلاث

العقد الأساسية والجوهرية الثلاث التي أحبطت، وفقاً لمصادر ديبلوماسية أوروبية وعربية وثيقة الاطلاع في باريس، الجهود السعودية والعربية والاقليمية والدولية لإيجاد حل سلمي وجدي ومتوازن للأزمة اللبنانية ولقضية المحكمة الخاصة مقبول لدى كل الأفرقاء ستواجه نجيب ميقاتي المكلف تأليف حكومة جديدة بتفويض من حلفاء دمشق وخارج نطاق التوافق الوطني بعد إسقاط حكومة سعد الحريري ، وهذه العقد هي الآتية:
أولا العقدة السورية. فنظام الرئيس بشار الأسد يتحكم به، أكثر من أي وقت، وربما بسبب اقتراب موعد صدور القرار الاتهامي، هاجس العودة الى مرحلة ما قبل الانسحاب السوري من لبنان في نيسان 2005 وتقليص الحماية العربية والدولية لهذا البلد. ولذلك يحاول النظام السوري الافادة من الأزمة المعقدة والخطرة، الناتجة أساساً من تشدده وتشدد حلفائه في التعامل مع قضية المحكمة، ليعزز نفوذه في لبنان على نطاق واسع مما يحد في تقديره من الانعكاسات السلبية المدمرة عليه وعلى حلفائه لأي قرار تصدره المحكمة الخاصة لبنان قريباً ويتهم عناصر من "حزب الله" وأشخاصاً غير لبنانيين بالتورط في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. وتصطدم الحملة التي يقودها نظام الأسد لمحاولة "استعادة" لبنان بعقبات جدية عدة داخلية وعربية وإقليمية ودولية مما يزيد الأوضاع تعقيداً.
ثانيا العقدة الانقلابية. يتحرك "حزب الله" وحلفاؤه ضمن إطار الاستراتيجية السورية لمحاولة "إستعادة" لبنان، وهم لذلك لم يجروا مع سعد الحريري والاستقلاليين منذ بدء الأزمة مطلع الصيف الماضي حتى اليوم أي مفاوضات جدية حقيقية تنسجم مع منطق المشاركة الوطنية الصحيحة في السلطة وفي اتخاذ القرارات وتقوم على الأخذ والعطاء وعلى تقديم التنازلات المتبادلة ومراعاة مصالح كل الأفرقاء ومطالبهم، بل اعتمدوا سياسة الاستقواء وأسلوب الاملاءات ونهج فرض المطالب والشروط على الآخرين والتهديد المستمر بقلب الأوضاع وتعطيل الحياة العامة وصولاً الى استخدام العنف والسلاح ضد خصومهم السياسيين كي يرضخوا لهم ويقدموا كل التنازلات المطلوبة منهم من اجل تعطيل عمل المحكمة ومحاولة فرض سيطرتهم على البلد.
ثالثاً عقدة الحل غير المتوازن. رفض المسؤولون السوريون وحلفاؤهم كل صيغ الحلول اللبنانية والعربية والاقليمية والدولية التي تحقق العدالة والاستقرار معاً وتمسكوا منذ البداية حتى اليوم بصيغة حل واحدة يحققون فيها كل ما يريدون ويخسر فيها الحريري والاستقلاليون كل شيء وتهدف الى تعطيل عمل المحكمة ونزع الشرعية اللبنانية عنها من دون معالجة أي من المشاكل المهمة العالقة في لبنان. وفي المقابل يبدو واضحاً من الاتصالات والجهود المختلفة ان الحريري والاستقلاليين يستعدون منذ البداية، لقبول الحل العادل والمتوازن للأزمة القائم على التنازلات المتبادلة والذي يضمن العدالة والاستقرار معاً ويضع حداً نهائياً لإخضاع لبنان لنهج الاغتيالات السياسية ويؤمن مصالح كل الأفرقاء وحقوقهم المشروعة، لكنهم يرفضون كلياً مشاريع الحلول الانتحارية المدمرة لهم وللبنان المستقل السيد والمعطل لعمل المحكمة. الا ان هذه الرغبة في التوصل الى حل عادل ومتوازن أحبطتها العقد الأساسية الثلاث.
وقال لنا مسؤول أوروبي مطلع: "ان ما فاجأ عدداً من الوسطاء الذين أجروا اتصالات مع الأفرقاء اللبنانيين والاقليميين المعنيين بالأمر ان حلفاء دمشق يقلبون الحقائق ويحاولون تضليل الرأي العام اللبناني والعربي والوسطاء أنفسهم وانهم ينسبون الى زعماء عرب وقيادات لبنانية كلاماً غير صحيح أو غير دقيق ومواقف تتناقض مع الحقائق سواء في ما يتعلق بمضمون التفاهم السعودي - السوري أو ما يتعلق بقضية المحكمة وكل ما يرتبط بها. فحلفاء دمشق يحاولون تصوير اللبنانيين المتمسكين بالمحكمة أنهم هم المعتدون المتآمرون على المقاومة وعلى لبنان وهم الظالمون وهم الذين يعطلون التسوية وهم الذين أوصلوا لبنان الى مأزقه الحالي وهم الذين يدفعونه نحو الهاوية برفضهم شروط الاستسلام التي حددها لهم السوريون وحلفاؤهم. بينما يبدو واضحاً ان الذين اغتالوا الرئيس الحريري ورفاقه وشخصيات وطنية عدة هم المعتدون على السلم الأهلي والوحدة الوطنية وان الذين يريدون حجب حقائق هذه الجرائم ومنع إنجاز العدالة عبر المحكمة وحرمان اللبنانيين الاطلاع على مضمون القرار الاتهامي هم الظالمون، وان الذين يطلبون من سعد الحريري والاستقلاليين رفض القرار الاتهامي قبل صدوره والاطلاع على مضمونه وتعطيل عمل المحكمة هم الذين يقودون البلد الى المأزق الخطر ويعطلون التسوية".
وأضاف: "إن الخطوات التي طلب نظام الأسد وحلفاؤه أن يتخذها الحريري للتوصل الى تسوية مقبولة لديهم والتي تشمل سحب القضاة اللبنانيين ووقف تمويل المحكمة والغاء مذكرة التفاهم بين الحكومة اللبنانية والمحكمة قبل صدور القرار الاتهامي، ان هذه الخطوات تتناقض كلياً مع متطلبات العدالة، بل انها تنسف العدالة. ذلك ان نزع الشرعية اللبنانية عن المحكمة والتخلي عنها يصيران مقبولين ومنطقيين إذا صدر القرار الاتهامي واتهم أشخاصاً معينين بالتورط في جريمة اغتيال الحريري ورفاقه استناداً الى معطيات ضعيفة ومعلومات خاطئة وشهادات مضللة. وحينذاك سيرفض الحريري والأطراف الآخرون قراراً كهذا. ولكن إذا كان القرار الاتهامي مستنداً في مضمونه الى أدلة وقرائن قوية وصلبة وقاطعة فإن هذا القرار لن يكون ظالماً ولن يشكل اعتداء على أي شخص أو فريق بل انه يساعد على تحقيق العدالة وعلى محاسبة المتورطين في جريمة اغتيال الحريري ورفاقه إستناداً الى أعلى المعايير القانونية".
وأوضح المسؤول الأوروبي: "ان الذين يقلبون الحقائق ويتمسكون بمطالب قصوى وبمواقف تتناقض مع متطلبات التسوية المتوازنة والعادلة يفعلون ذلك لأنهم قلقون من القرار الاتهامي وخائفون من اطلاع اللبنانيين والعرب والعالم على مضمونه وحقائقه. وما يزيد قلقهم إعلان المدعي العام الدولي دانيال بلمار في مناسبة تسليم القرار الاتهامي الى قاضي الاجراءات التمهيدية انه يمتلك أدلة قوية إذ قال: "مع بدء مرحلة المحاكمة ستتسنى لكم الفرصة لكي تقتنعوا بقوة الأدلة التي جمعناها".
ماذا جرى بين الرياض ودمشق؟
ومن الضروري ضمن هذا السياق، الاطلاع على حقائق ما جرى بين دمشق والرياض. فقد جاء الاعلان السعودي عن وقف الجهود المشتركة مع نظام الأسد لتسوية المشكلة اللبنانية بمثابة "صدمة سياسية ضرورية" لتسليط الأضواء على الحقائق ووضع حد لعملية تشويه مضمون التفاهم السعودي - السوري ومحاولة إلزام المملكة مواقف لم تتخذها يوماً. وأبلغنا مسؤول عربي بارز حقائق الموقف السعودي وتفاصيل ما جرى فعلاً بين الرياض ودمشق، مركزاً على الأمور الأساسية الآتية:
أولاً- ان السعودية لم تعلن إطلاقاً تخليها عن لبنان ولم توقف جهودها واتصالاتها مع الجهات العربية والاقليمية والدولية المعنية بالأمر ومع الأفرقاء اللبنانيين لإحلال الأمن والاستقرار في هذا البلد ولتسوية مشاكله العالقة. بل ان السعودية أوقفت تعاونها مع نظام الأسد لإنجاز تسوية عادلة ومتوازنة للمشكلة اللبنانية.
ثانياً - ان هذا الموقف السعودي ليس جديداً في مضمونه إذ إن المسؤولين السعوديين أبلغوا منذ أكثر من شهرين المسؤولين الفرنسيين وكذلك أطرافاً آخرين انهم يشعرون بخيبة أمل حقيقية من مواقف النظام السوري وتصرفاته وان هذا النظام قطع وعوداً عدة لم يلتزمها ولم ينفذها مما أدى الى انعدام ثقة السعودية به. كما ان النظام السوري يتعامل بطريقة خاطئة مع سعد الحريري والاستقلاليين وقد أحبط جهود الحريري للانفتاح عليه ورد بطريقة سلبية على مواقف أيجابية عدة اتخذها الأخير في تعامله مع الأسد. وقد حرص الرئيس نيكولا ساركوزي على أن يقول للأسد خلال لقائهما في باريس يوم 9 كانون الأول الماضي ان السعودية عاتبة عليه ومنزعجة من حملة دمشق وحلفائها القاسية وغير المبررة على الحريري ومن صدور مذكرات التوقيف الغيابية في حق 33 شخصية ومن تعطيل عمل الحكومة ومن المطالب المتشددة المقدمة الى رئيس الحكومة (آنذاك) وحلفائه، كما ان السعودية منزعجة من عدم تنفيذ أي من التفاهمات التي تم التوصل اليها بين الرياض ودمشق. وأكد ساركوزي للأسد انه يشاطر السعودية موقفها هذا إذ ان الحريري بذل جهوداً حقيقية لتحسين العلاقات اللبنانية – السورية وللتوصل الى صيغة تحفظ العدالة والاستقرار معاً. وبدا الأسد منزعجاً من اطلاع ساركوزي على حقائق الموقف السعودي منه.

 

"ثورة الأرز" و"ثورة الياسمين"

ثالثاً - أراد الملك عبد الله بن عبد العزيز الافادة من المصالحة مع الأسد لإيجاد حل شامل للمشكلة اللبنانية بالتعاون مع الرئيس ميشال سليمان وسعد الحريري وليس من خلال فرضه صيغة جاهزة سعودية - سورية على اللبنانيين تتناقض مع مصالحهم الحيوية المشروعة. والحل الشامل الذي سعى اليه الملك عبد الله عبر اتصالاته المباشرة وغير المباشرة مع الأسد يهدف الى معالجة "مشكلة" المحكمة في إطار الحل الشامل وعلى أساس تجنب الدخول في مواجهة مع مجلس الأمن والتعامل مع تداعيات القرار الاتهامي بعد صدوره بالتفاهم بين كل الأفرقاء اللبنانيين وبطريقة تحفظ الاستقرار وتؤمن العدالة. كما يهدف الحل الشامل الذي سعى اليه الملك عبد الله الى تقوية دور الدولة ومؤسساتها الشرعية وتعزيز السلم الأهلي والأمن والاستقرار من خلال تدعيم المصالحة الوطنية والتمسك بحكومة وحدة وطنية لإدارة شؤون البلد ومواصلة تطبيق اتفاق الطائف واتخاذ إجراءات محددة وملموسة في إشراف مؤسسات الدولة لحظر استخدام العنف والسلاح في الداخل تطبيقاً لاتفاق الدوحة ومعالجة مشكلة البؤر الأمنية في كل المناطق وبسط سلطة الدولة فيها وإنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وإحياء أعمال هيئة الحوار الوطني في رعاية الرئيس ميشال سليمان للتفاهم على إستراتيجية دفاعية جديدة وتحسين العلاقات اللبنانية - السورية على أساس الاحترام المتبادل لاستقلال كلا البلدين وسيادتهما. ويهدف الحل الشامل الذي سعت اليه السعودية أيضاً الى تأمين إشراف عدد من الدول العربية والاقليمية على مسار الأوضاع في لبنان لضمان تطبيق الالتزامات المتخذة ولمنع هيمنة جهة إقليمية على هذا البلد. لكن النظام السوري لم يكن راغباً إطلاقاً في تنفيذ حل شامل كهذا بل أراد استغلال تفاهمه مع السعودية للتوصل الى حل جزئي يلائم مصالحه ويعطل عمل المحكمة ويؤمن الحماية ﻟ"حزب الله" ويعزز دوره خارج سلطة الدولة وعلى حساب السلطة الشرعية، ويدعم مواقع حلفائه على حساب الاستقلاليين، ويعيد ربط لبنان تدريجاً بسوريا. ورفضت السعودية هذه المطالب والتوجهات السورية مما أدى الى وقف التعاون بين الرياض ودمشق لتسوية المشكلة اللبنانية والى سقوط حكومة الحريري بقرار إتخذه نظام الأسد.
رابعاً - أبدى المسؤولون السعوديون انزعاجاً من إقدام حلفاء دمشق على استغلال " سرية " التفاهم بين الملك عبد الله والأسد للإيحاء بأن المملكة تقف ضد المحكمة وانها تريد أن تفرض حلولاً غير منصفة وغير متوازنة على الحريري وحلفائه وانها رضخت للضغوط الأميركية وتراجعت عن وعود قطعتها لدمشق تتعلق بتعطيل عمل المحكمة. والواقع إن الملك عبد الله أكد للرئيس السوري منذ نهاية تموز الماضي انه ليس ممكناً الغاء المحكمة لأنها في أيدي مجلس الأمن وانه ليس ممكناً منع صدور القرار الاتهامي ولذلك يجب التعامل مع تداعيات هذا القرار بطريقة مقبولة كل الأفرقاء وتحقق العدالة والاستقرار معاً.
وذكر المسؤول العربي ان هذه العوامل كلها "دفعت القيادة السعودية الى التوصل الى اقتناع بعدم جدوى مواصلة التعاون مع النظام السوري لتسوية الأزمة اللبنانية لأن هذا النظام ليس راغباً في إيجاد حل شامل ومتوازن للمشكلة اللبنانية يؤمن الحقوق والمصالح المشروعة لكل الأفرقاء والطوائف ويعزز دور الدولة ومؤسساتها الشرعية وسلطة القانون ويمنع استخدام العنف والسلاح في الصراع السياسي الداخلي ويقيم علاقات صحية وسليمة بين لبنان وسوريا على أساس الاحترام المتبادل لاستقلال كلا البلدين وسيادتهما".
ولخص مسؤول أوروبي معني مباشرة بالملف اللبناني الوضع بقوله: "إن نظام الأسد وحلفاءه يصطدمون بواقع شعبي قوي وشرعي يتمثل في "ثورة الأرز" السلمية الضخمة التي فجرها الاستقلاليون عام 2005 فأحدثت تحولاً تاريخياً حقيقياً في لبنان وأنهت الهيمنة السورية المباشرة عليه، وذلك قبل نحو ست سنوات من "ثورة الياسمين" في تونس التي أطاحت نظام الرئيس زين العابدين بن علي. والثورتان الشعبيتان اللبنانية والتونسية قامتا على أساس رفض الاستبداد والظلم وتحقيق العدالة وتحرير الشعب من نظام مرفوض لديه. ويحاول حلفاء دمشق قلب الحقائق وتقديم صورة خاطئة مشوهة عن "ثورة الياسمين" وأهدافها. ذلك ان "ثورة الياسمين" ليست موجهة ضد السياسة الأميركية والمشروع الأميركي في المنطقة وهدفها ليس التلاقي مع المحور السوري - الايراني بل إن هذه الثورة أسقطت أساساً نظاماً استبدادياً فاسداً قمع شعبه واضطهده سنوات طويلة وألحق به الظلم. والتلاقي الحقيقي هو بين "ثورة الياسمين" و"ثورة الأرز" ذلك إن الشعوب العربية تتطلع أكثر فأكثر الى المزيد من الديموقراطية والتعددية والانفتاح والعدالة والاستقرار والشفافية والمحاسبة وليس الى القمع والاستبداد والتسلط واستخدام العنف والسلاح والاغتيالات في الصراعات السياسية الداخلية".
 

بقلم عبد الكريم أبو النصر     

Iran: Death of a President….....

 الأربعاء 22 أيار 2024 - 11:01 ص

Iran: Death of a President…..... A helicopter crash on 19 May killed Iranian President Ebrahim Ra… تتمة »

عدد الزيارات: 157,902,878

عدد الزوار: 7,084,101

المتواجدون الآن: 102