قراءات إسرائيلية في حصاد العقد الفائت: تعمّق التدخل الدولي وتفاقم الاستحواذ الديموغرافي !

تاريخ الإضافة الخميس 13 كانون الثاني 2011 - 5:40 ص    عدد الزيارات 528    التعليقات 0

        

قراءات إسرائيلية في حصاد العقد الفائت: تعمّق التدخل الدولي وتفاقم الاستحواذ الديموغرافي !

 العدد الأخير من المجلة الفصلية "المستجد الإسرائيلي"، التي يصدرها "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب (عدد تشرين الأول 2010)، شكّل واحداً من أبرز التقارير الإسرائيلية التي تصدّت لإجمال حصاد العقد الفائت من خلال قراءة أهم محطاته المرتبطة بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وذلك تحت عنوان محدّد هو دراسة تأثير الانتفاضة الفلسطينية الثانية في مناسبة مرور عشرة أعوام على اندلاعها في أيلول 2000.
أول ما يصادفه قارئ هذا العدد هو تقويم رئيس المعهد الدكتور عوديد عيران، أحد كبار الديبلوماسيين الإسرائيليين السابقين، بأنه ربما سيتبين في المستقبل أن العقد الفائت (2000- 2010) هو الأكثر أهمية في تاريخ الصراع الإسرائيلي- العربي من بين العقود التي سبقته كلها، وربما ستكون السيرورات والأحداث التي وقعت في هذا العقد الأكثر حسما وأهمية من بين التطورات والأحداث السابقة كافة.
ويتوقف الكاتب بشكل خاص عند مسألة التدخل الدولي في الصراع، فيشير إلى أنه من الصعب الإشارة إلى عقد تعمق فيه التدخل الدولي في جوانب حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني أكثر من هذا العقد. ومع أن ذلك من ناحية إسرائيل ينطوي على قدر من الإيجابية، إلا إنه لا بُدّ من أن تترتب عليه قيود مستقبلية على حرية عملها.  
وقد انعكس هذا التدخل الدولي بادئ ذي بدء في النشاطات الاقتصادية في مناطق السلطة الفلسطينية. لكن في الوقت ذاته، فإنه في أعقاب فشل المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية في عام 2000 ومطلع عام 2001 واندلاع الانتفاضة الثانية، ازداد التدخل الدولي في محاولة لرسم سمات التسوية المستقبلية وملامحها.  ومن هذه السيرورة انبثقت مثلاً أفكار الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في كانون الأول 2000، و"المبادرة العربية للسلام" في 2002، و"خريطة الطريق" في 2003، ومؤتمر أنابوليس في 2007، واستئناف المفاوضات المباشرة في أيلول 2010. والحديث يدور في شكل أساسي على تدخل فعال من جانب الولايات المتحدة أكثر من تدخل لاعبين دوليين آخرين، إلا إنه يجب الإشارة إلى أن لاعباً جديداً دخل إلى النشاطات والجهود السياسية والاقتصادية ممثلا في اللجنة الرباعية الدولية، وفي واقع الأمر فإن تدخل "الرباعية" ملموس بشكل رئيسي في المجال الاقتصادي، غير أن النشاطات العامة والشاملة لهذا الإطار أوجدت سابقة لن تستطيع إسرائيل تجاهلها في المستقبل.
وكانت هناك سابقة أخرى مهمة، وربما تكون دلالاتها للمدى البعيد أكثر أهمية، تتمثل في التدخل الدولي في الجوانب الأمنية، وخصوصا في ما يتعلق بالتزامات السلطة الفلسطينية بموجب "خريطة الطريق"، وإنشاء أجهزة أمنية (فلسطينية) بالتعاون بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهذا التدخل المباشر أوجد سابقة لا يمكن لإسرائيل أيضا تجاهلها أو منع تكرارها.  ولم يكن هذا  المثال الوحيد، إذ لا بد من الإشارة إلى أن إسرائيل وافقت أيضا على وجود فريق من المراقبين من طرف الاتحاد الأوروبي على الحدود بين قطاع غزة ومصر كبديل جزئي لوجودها في المعبر بين  الجانبين (المصري والفلسطيني). وبالتالي فإن ما يمكن افتراضه هو أن مطلب إسرائيل بشأن ترتيبات أمنية وثيقة وناجعة يمكنها، بواسطة مرابطة قوات أمنية إسرائيلية بعد وضع الاتفاق موضع التنفيذ، الحيلولة دون شن عمليات "إرهابية" من أراضي الدولة الفلسطينية، سيصطدم برفض الفلسطينيين، الأمر الذي قد يؤدي إلى مرابطة عناصر أمنية دولية تلبي متطلبات إسرائيل في المجال الأمني.
ثمة تطوّر مهم آخر يعتقد الكاتب أنه أصبح ناجزاً مع انتهاء العقد الفائت، وهو ترسيخ مبدأ الدولتين كحل سياسي نهائي. وفي هذا الصدد فإنه يشير إلى أنه على الرغم من أن مبدأ الدولتين بدأ "يحلق" في الفضاء السياسي الإسرائيلي على الأقل منذ توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، إلا إنه لم ينل شرعية رسمية من الولايات المتحدة سوى في خطاب الرئيس السابق جورج بوش في حزيران 2002، وفي "خريطة الطريق" في 2003، التي قبلت إسرائيل بمسارها الرئيسي.  ويشدّد عيران على أن غالبية معسكر اليمين السياسي في إسرائيل وافقت على هذا المبدأ لأول مرة فقط بعد تأليف حكومة أرييل شارون الأولى في عام 2001، وقد انسحب وزيران فقط من حكومة شارون بينما لم ينسحب أي وزير من حكومة بنيامين نتنياهو بعد خطاب "بار- إيلان" في حزيران 2009 (ولا حتى أفيغدور ليبرمان الذي سبق أن انسحب من حكومة شارون الأولى على هذه الخلفية).  ويشكل ذلك في رأيه تحولا أيديولوجيا لا يستهان به، وهو شرط ضروري - وإن لم يكن وحيداً- لإيجاد حل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، يكون مقبولا على الطرفين. ومن الواضح أنه سينشب مع استمرار المفاوضات جدل حاد حول سمات وملامح الدولة الفلسطينية ومكونات سيادتها، غير أن استعداد اليمين الإسرائيلي لقبول الفرضية الأساسية للحل ينطوي، وفق اعتقاده، على مغزى تاريخي.
بيد أن هذا الإقرار سرعان ما أخذ يتوازى مع مطلب اعتراف العرب بإسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي. ويعتبر ذلك تجديداً أيضا، إذ إن هذا المطلب لم يطرح في جميع جولات المفاوضات السابقة. ومع أنه يمكن الادعاء أن نهاية الصراع والمطالب المتبادلة التي ستكون جزءا من الاتفاق الشامل بين الجانبين تقدم جوابا عن هذا المطلب، إلا إن الاعتراف الفلسطيني والعربي المطلوب ينطوي على تسليم تام بوجود إسرائيل.  
وهو يعتقد أن هناك طرقاً لحل مسألة قلق الفلسطينيين والعرب إزاء ما يسميه "الأقلية العربية في إسرائيل" وحقوقها الكاملة، الأمر الذي يطرح كسبب لرفضهما (أي الفلسطينيين والعرب) تقديم الاعتراف المطلوب. وكما هو معلوم فإن مسألة المكانة الدستورية والفعلية للعرب في إسرائيل نشأت بفعل قيام دولة إسرائيل، إلا إنها أخذت تتفاقم أكثر فأكثر، وقد سمعت من طرف الجانبين، اليهودي والعربي، خلال العقد الفائت، تعابير متطرفة يمكن في المستقبل أن تلقي بثقلها على إيجاد حل للصراع الشامل بين إسرائيل والفلسطينيين.
على صعيد آخر كان لأحداث العقد الفائت، ودور الانتفاضة فيها، تأثير على الرأي العام الإسرائيلي في كل ما يتعلق بـ "قضايا الأمن القومي"، وهو ما يتناوله مقال آخر في المجلة الفصلية نفسها كتبه الباحث في المعهد الدكتور يهودا بن مئير، الذي كان في السابق عضواً في الكنيست وشغل منصب نائب وزير الخارجية، والباحثة أولنا بيغانو - مولدافسكي، مستندين إلى مجموعة كبيرة من استطلاعات الرأي العام التي أجراها المعهد، وإلى استطلاعات أخرى أيضا تم نشرها في الصحف والمجلات والدراسات ذات الصلة، منذ عام 1985 وحتى عام 2009. وتراكمت أمام الباحثين كمية كبيرة من الاستطلاعات تمكنا، بعد تحليلها، من الإطلاع على آراء الجمهور اليهودي في إسرائيل إزاء القضايا السياسية والأمنية، وعلى نظرته إلى الفلسطينيين خصوصا والعرب عموما.
وتطلع الباحثان للتوصل إلى إجابات عن ثلاثة أسئلة، هي: أولاً، هل بالإمكان تلمس وجود تأثير متصل للانتفاضة على الرأي العام الإسرائيلي؟؛ ثانياً، إذا كانت الإجابة عن السؤال الأول إيجابية، فإلى أي ناحية أثّرت الانتفاضة وما هي التغيرات التي حدثت في صفوف الرأي العام عقب أحداث الانتفاضة؟؛ ثالثا، هل التغيرات في أوساط الرأي العام التي تم رصدها كانت قصيرة الأمد ومتغيرة، أم إنها كانت تغيرات بعيدة الأمد ولا يزال تأثيرها قائما حتى اليوم؟ ومن أجل الرد على هذه الأسئلة، استخدم الباحثان أجوبة المشتركين في الاستطلاعات عن أسئلة تتعلق بأربعة مبادئ أساسية: "دولة مع غالبية يهودية"؛ "أرض إسرائيل الكاملة"؛ "دولة ديموقراطية"؛ "الحالة السلمية".
وخلص تحليلهما إلى أن آراء الجمهور اليهودي في إسرائيل في عام 2009 كانت قريبة جدا من آرائه في عام 1998، على الرغم من أنه خلال هذه الفترة وقعت "أحداث أمنية" بالغة الأهمية: الانتفاضة، خيبة أمل الإسرائيليين من تنفيذ خطة الانفصال عن غزة، حرب لبنان الثانية، إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على جنوب إسرائيل، والحرب على غزة أو ما يعرف في إسرائيل بعملية "الرصاص المصبوب".
ورأى الباحثان أنه "إذا كان هناك تأثير بارز للانتفاضة، فإنه بالأساس كان في اتجاه تعزيز مركزية الاعتبار الديموغرافي". وبينما كان مبدأ "الحالة السلمية" في الأعوام التي سبقت الانتفاضة هو المبدأ الأهم في نظر الإسرائيليين، فإن مبدأ "دولة مع غالبية يهودية" أصبح منذ عام 2003 هو الأهم. وتزايدت أهمية هذا المبدأ رويداً رويداً إلى درجة أنه في عام 2006 اعتبره أكثر من نصف الإسرائيليين أنه المبدأ الأهم على الإطلاق. وقد كان الموضوع الديموغرافي مركزيا في تفسير الحاجة، بالنسبة لإسرائيل طبعا، إلى تنفيذ الانفصال الأحادي الجانب عن قطاع غزة. ونجم اهتمام الإسرائيليين بالموضوع الديموغرافي عن بضعة أحداث، شدد الباحثان على أن الانتفاضة كانت أحد أبرزها.
وكان الرأي العام الإسرائيلي مختلفا في عامي 2001 - 2002، اللذين بلغت الانتفاضة فيهما ذروتها، وبرز خلالهما ارتفاع معين في نسبة أهمية مبدأ "أرض إسرائيل الكاملة". لكن باستثناء هذين العامين فإن نسبة الإسرائيليين التي تعتبر هذا المبدأ على أنه الأهم بقيت تراوح ما بين 7 إلى 11 في المئة. كذلك فإنه باستثناء عام 2002، تم تدريج هذا المبدأ طوال الأعوام الفائتة على أنه الأقل أهمية من بين المبادئ الأربعة المذكورة أعلاه.
ونوّه الباحثان بأنه كان للانتفاضة تأثير معين على انخفاض أهمية مبدأ "دولة ديموقراطية" الذي يعني "حقوقا سياسية متساوية للجميع". ففي عام 1999 رأى 27 بالمئة من الإسرائيليين أنه المبدأ الأهم، وفي عام 2000 رأى 32 بالمئة أنه الأهم، لكن منذ عام 2002 تراجع التأييد لهذا المبدأ وأخذ يراوح ما بين 14 - 18 بالمئة، وهو ما يعني بلغتهما تعاظم المشاعر السلبية لدى الإسرائيليين إزاء العرب، بمن فيهم العرب في إسرائيل، عقب أحداث الانتفاضة.
ولا شكّ في أن هذا المعطى يتسق مع تفاقم الاستحواذ الديموغرافي، والذي يغذي بدوره التمسك بمطلب الدولة اليهودية. ومن اللافت أن المقال الذي يتناول هذا المطلب بالتشريح في المجلة الفصلية ذاتها، وهو بقلم الباحثة شيري طال- لندمان، يؤكد أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية بنيامين نتنياهو قد رفع درجة الأهمية المعطاة له إلى حد طرحه باعتباره واحدة من القضايا الجوهرية الأكثر مركزية المدرجة في مائدة المفاوضات. وتخالف الباحثة الآراء التي تقول إن طرحه لا يعدو كونه وسيلة تكتيكية لتحقيق أهداف أخرى، مؤكدة أن الإصرار عليه ناجم عن دوافع جوهرية أكثر مما هو ناجم عن محاولة لتأجيل مؤقت في العملية السياسية.
وهي ترى أن وقائع العقد الفائت تنطوي على ظهور تطوّر مهم في الخطاب الإسرائيلي بشأن القضايا الجوهرية في النزاع، وفي نهايته احتل مركز الحلبة العامة والسياسية اتجاه أصبحت فيه مكانة مسألة جوهرية خامسة متقدّمة على مكانة المسائل المركزية الأربع التي طرحت على مائدة المفاوضات في عام 2000 (وهي الحدود والمستوطنات؛ القدس؛ اللاجئون؛ الأمن)، والمقصود مسألة الاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، بل إن هذه المسألة، مع افتتاح جولة المحادثات السياسية في أواخر صيف 2010، حظيت في الأجندة التي عرضها نتنياهو للعملية السياسية بمكانة الصدارة من حيث أهميتها.
 

أنطـوان شلحـت - عكا     
(باحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - مدار)      

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 157,091,401

عدد الزوار: 7,054,535

المتواجدون الآن: 72