ثلاث عقبات تمنع انقلاب "حزب الله"

تاريخ الإضافة الجمعة 7 كانون الثاني 2011 - 5:28 ص    عدد الزيارات 486    التعليقات 0

        

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية

ثلاث عقبات تمنع انقلاب "حزب الله"
فريق عمل أميركي لمواجهة الدور السوري في لبنان

"المعركة على المحكمة الخاصة بلبنان ابرزت الفارق الكبير الجوهري بين الفريقين الرئيسيين المتصارعين في البلد. فقد اثبت الاستقلاليون انهم يحرصون فعلا على مصير لبنان والسلم الاهلي فيه والوحدة الوطنية بين ابنائه ويدعمون الدولة ومؤسساتها الشرعية ويتمسكون بالنظام الديموقراطي، ولذلك يستخدمون الوسائل السلمية المشروعة في التعامل مع التحديات والتهديدات التي تواجههم. وفي المقابل يستسهل "حزب الله" وحلفاؤه استخدام العنف او التلويح به والتهديد باللجوء الى السلاح عندما يواجهون مصاعب جدية او يفشلون في تحقيق مطالبهم واهدافهم. فالاستقلاليون ردوا سلمياً وبطريقة مشروعة على عمل اجرامي – ارهابي ضخم استهدفهم في الصميم وهو اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، فلم يلجأوا الى العنف والسلاح بل فجروا انتفاضة سلمية شعبية هائلة في 14 آذار 2005 وطالبوا بالعدالة ثم استعانوا بمحكمة خاصة ذات طابع دولي يرعي عملها مجلس الامن للنظر في هذه الجريمة وفي جرائم اخرى شملت شخصيات وطنية عدة. اما "حزب الله" وحلفاؤه فانهم يهددون باستخدام العنف والقوة المسلحة وقلب الاوضاع في البلد اذا وجه القرار الظني اتهاماً الى عناصر من الحزب بالتورط في جريمة اغتيال الحريري، كما انهم يريدون "معاقبة" الاستقلاليين لأنهم يتمسكون بالعدالة بوضع حد لنهج الاغتيالات والافلات من العقاب حرصا على مصير لبنان ومستقبل اللبنانيين. والفارق واضح وكبير بين الفريقين". هذا هو تقويم مسؤول اوروبي بارز لجوهر الصراع على المحكمة بين الفريقين الرئيسيين في لبنان، وهو صراع مرشح لأن يشهد في 2011 تطورات كبيرة بعد صدور القرار الظني وبدء المحكمة اجراءاتها القانونية لمحاسبة المتورطين في جريمة اغتيال الحريري وفي جرائم اخرى مرتبطة بها. والسؤال الاكثر اثارة للجدل والنقاش هو الآتي: هل ينفذ "حزب الله" انقلاباً مسلحاً ويتسلم بواسطته الحكم مع حلفائه بعد صدور القرار الظني؟ وهل هو قادر على انجاز عمل كبير كهذا؟ مصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس معنية مباشرة بالملف اللبناني قالت لنا، استنادا الى معلوماتها وتقويمها لمسار الاوضاع: إن "حزب الله" يتصرف بمنطق انقلابي وبذهنية انقلابية لكنه ليس قادرا على الذهاب ابعد من ذلك وتنفيذ انقلاب مسلح واسع النطاق يتيح له ولحلفائه تسلم الحكم واقصاء الاستقلاليين عن السلطة". واوضحت هذه المصادر الاوروبية ان "المنطق" الانقلابي لـ"حزب الله" تعكسه مواقفه واعماله الاساسية الآتية:
اولاً: نفذ "حزب الله" انقلابا صامتا على صيغة المشاركة الوطنية في الحكم بين الغالبية والاقلية التي كرسها تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري خريف 2009 اذ انه يستغل هذه الصيغة لاطاحة المشاركة ولمحاولة فرض مطالبه وشروطه على الحريري والاستقلاليين عوض ان يتوصل معهم الى تفاهمات وحلول متوازنة وعادلة ودستورية وقانونية تأخذ في الحساب مواقف الغالبية النيابية وتكون مقبولة لدى سائر الشركاء في الحكم. وقد اعتمد "حزب الله" هذا المنطق الانقلابي في تعامله مع قضية المحكمة وكل ما يرتبط بها، وفي تعامله مع القضايا المعيشية والاجتماعية والاقتصادية وهواجس المواطنين وهمومهم الاساسية ومع قضايا عدة اخرى. وذهب الحزب في نهجه هذا الى حد تعطيل عمل الحكومة من اجل محاولة فرض وجهة نظره في ما يتعلق بقضية شهود الزور، مما يتناقض ومتطلبات المشاركة الوطنية في الحكم.
ثانياً: اراد "حزب الله" ان يفرض على سائر الافرقاء اللبنانيين مفهومه الذاتي الخاص للاستقرار الامني والسياسي المنسجم مع مصالحه ومع مصالح حلفائه المحليين والاقليميين. فبالنسبة الى "حزب الله"، يتحقق الاستقرار في لبنان حين يرضخ الاستقلاليون والافرقاء الآخرون لمطالبه وشروطه فيرفضون القرار الظني ويطالبون بوقف عمل المحكمة ويقبلون تصوراته لطريقة ادارة شؤون البلد ويتخذون القرارات الداخلية والخارجية وفقا لما يريده الحزب. وفي رأي ديبلوماسي اوروبي مطلع "ان الاستقرار الامني والسياسي الحقيقي يتم تحديده والتفاهم بشأن مضمونه ومقوماته بالتعاون والتنسيق بين كل الافرقاء المشاركين في السلطة. واذا حاول فريق ما ان يفرض على الآخرين مفهومه الخاص للاستقرار وشروطه الذاتية لتحقيقه فهذا يعني انه ينقلب على شركائه في الحكم ويريد ثمناً لضمان الاستقرار هو رضوخ الافرقاء الآخرين لارادته".
ثالثا: الطريقة التي يتعامل بها "حزب الله" مع قضية المحكمة تشكل انقلاباً على صيغة العيش المشترك وعلى متطلبات السلم الاهلي، اذ ان الحزب يريد ان تكون مصالحه هي الاساس عوض ان يكون الاساس ضمان مصالح اللبنانيين الحيوية وحماية لبنان كدولة ومؤسسات ومجتمع تعددي وكصيغة فريدة للتعايش السلمي بين الطوائف. فالحزب يطلق التهديدات والتحذيرات المتنوعة لوقف عمل المحكمة ويلوّح باستخدام السلاح وبقلب الاوضاع اذا اتهم القرار الظني عناصر منه، من غير ان يبدي اهتماماً بالحقوق المشروعة لأهالي الضحايا وبالمتمسكين بتحقيق العدالة وبمشاعر اللبنانيين ومخاوفهم وقلقهم من مواقفه المتشددة، وبالانعكاسات السلبية لتوجهاته على الاوضاع العامة في البلد.

 

الجيش ومواجهة الانقلاب
 

هل ينتقل "حزب الله" من "المنطق" الانقلابي الى العمل الانقلابي المسلح؟ الحزب يعطي الانطباع انه يستطيع "في أي وقت" ان يحكم لبنان مع حلفائه بالقوة وان يتجاوز العقبات والمصاعب التي يمكن ان تمنعه من تحقيق خطته هذه. لكن مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع في باريس اكدت لنا ان المسؤولين الاميركيين والفرنسيين والبريطانيين المعنيين بمصير لبنان درسوا احتمال قيام "حزب الله" بانقلاب مسلح على خلفية عمل المحكمة وتوصلوا الى اقتناع، في ضوء معلوماتهم، بأن الحزب يستطيع القيام بأعمال عسكرية متنوعة، لكنه لن يتمكن من السيطرة على البلد وتسلم السلطة مع حلفائه وذلك لأسباب داخلية واقليمية ودولية. وقالت هذه المصادر ان العقبة الاساسية الكبرى الاولى التي سيصطدم بها "حزب الله"، اذا قرر تنفيذ انقلاب، هي القوى العسكرية والامنية الشرعية التي يتجنب الحزب وحلفاؤه عمداً التحدث عن موقفها من مشروعه الانقلابي المحتمل وكأن هذه القوى ليس لها وجود أو كأنها تدعم ضمنا خططه. وهذا يتناقض كلياً مع الحقيقة.
الواقع ان اي حركة انقلابية مسلحة يمكن ان يقوم بها "حزب الله" ستشكل، وفقاً للمصادر الاوروبية المطلعة، تحدياً تاريخياً حقيقياً للجيش وللقوى العسكرية والامنية الشرعية عموماً بل تهديداً جدياً لها، ذلك ان اي حركة انقلابية ستضع هذه القوى الشرعية امام خيارين:
الخيار الأول، هو ان تضطلع هذه القوى بدورها الوطني وتؤدي واجبها وتنفذ مهمتها القاضية بالحفاظ على امن البلد والمواطنين والسلم الأهلي وعلى الدولة ومؤسساتها الشرعية، مما يجعلها تواجه بحزم وبمسؤولية كاملة اي حركة انقلابية او اعمال عسكرية يقوم بها هذا الفريق أو ذاك، مما يؤدي الى صدامات يسقط خلالها ضحايا من العسكريين والعناصر الامنية ومن المواطنين ويتحمل مسؤوليتها الانقلابيون والراغبون في التعامل مع المحكمة والقرار الظني ومع خصومهم السياسيين بالعنف والقوة المسلحة. الخيار الثاني، هو ان تقف القوى العسكرية والامنية الشرعية "على الحياد" بذريعة الحفاظ على وحدتها وتماسكها وتمتنع تالياً عن التدخل وترفض الاستجابة لنداءات اللبنانيين الذين يطلبون حمايتها من هجمات المسلحين ومن اعمال الانقلابيين، فتتخلى حينذاك عن دورها الوطني وواجباتها ومسؤولياتها وتصير طرفاً في الصراع منحازاً الى الانقلابيين وحملة السلاح. ومثل هذا التطور السلبي، في حال حصوله، ستكون له تداعيات بالغة الخطورة في الداخل والخارج اذ انه قد يؤدي الى تفكك القوى العسكرية والامنية والى زرع بذور حرب أهلية، كما انه سيدفع الحكومة الاسرائيلية الى الادعاء ان الجيش و"حزب الله" يشكلان فريقاً واحداً الامر الذي يوفر ذريعة للاسرائيليين لشن حرب واسعة على لبنان. ولكن يبدو واضحاً من المعلومات التي تملكها الدول العربية والاجنبية المعنية بمصير لبنان ان القوى العسكرية والامنية الشرعية ستتبنى الخيار الأول وستمارس تماما دورها في حماية المواطنين والسلم الاهلي ومنع انهيار البلد. وعكست هذا التوجه بوضوح تصريحات علنية ادلى بها في الفترة الاخيرة قائد الجيش العماد جان قهوجي وأكد فيها ان الجيش وضع خططاً لمواجهة التوترات الامنية وانه "جاهز لمواجهتها وسيكون حاسماً في كل المناطق"، مشدداً على "ان الجيش لن ينقسم وانه اكثر وحدة وتماسكاً من ذي قبل" ومحذراً من ان الذين يروجون سيناريوات عن وقوع فتنة بعد صدور القرار الظني "يخدمون اولاً واخيراً العدو الاسرائيلي". كما ان الرئيسين ميشال سليمان وسعد الحريري سيتحملان مسؤولياتهما كاملة وسيتخذان كل القرارات والاجراءات السياسية والعسكرية والامنية اللازمة لاحباط أي محاولة انقلابية أو أي اعمال عنف.
وكما قال لنا ديبلوماسي اوروبي مطلع ومعني بالملف اللبناني: "لن يستطيع "حزب الله" ان ينتصر ويحسم الموقف لمصلحته ومصلحة حلفائه اذا نفذ انقلاباً مسلحاً الا في حال انهائه دور القوى العسكرية والامنية الشرعية، إما من خلال تحييدها ودفعها الى الامتناع عن التدخل كي يتصرف كما يريد في البلد، وإما من خلال الحاق الهزيمة بهذه القوى. والواضح ان قيادات الجيش والقوى الامنية مصممة على التدخل ومواجهة أي اعمال مسلحة واحباط أي انقلاب أو فتنة في البلد مما يعني استبعاد احتمال وقوفها على الحياد.
وتفيد المعلومات الدقيقة التي تملكها جهات عسكرية وديبلوماسية غربية عن موازين القوى في لبنان ان "حزب الله" لن يتمكن من الانتصار في أي مواجهة عسكرية مع الجيش والقوى الأمنية بل انه سيخسر المعركة مع هذه القوى الشرعية، خلافاً للانطباع السائد. كما ان الحزب لن يتحمل مسؤولية محاولة الحاق الهزيمة بالقوى العسكرية والامنية الشرعية أو العمل على انهاكها في مواجهات داخلية واسعة النطاق لأن ذلك يضعف موقف لبنان وموقف الحزب ذاته في التعامل مع اسرائيل، اضافة الى ان قيادات هذه القوى الشرعية لن تقبل الاستسلام للمسلحين الذين يحاولون فرض ارادتهم على الغالبية من اللبنانيين لأن ذلك يهدد مصير لبنان".

 

فريق عمل أميركي ثلاثي
 

العقبة الاساسية الثانية، وفقاً للمصادر الاوروبية المطلعة، هي ان "حزب الله" ليس حزباً لبنانياً مستقلاً مكتفياً بذاته وبقدراته وامكاناته بل انه جزء عضوي من المحور السوري – الايراني، مما يعني ان اي قرار يتخذه الحزب لتنفيذ انقلاب مسلح سيكون في الدرجة الأولى قراراً سورياً - ايرانياً وستتعامل معه الدول العربية والاجنبية البارزة والمؤثرة على هذا الاساس وسترى فيه تصعيداً للمواجهة معها في الساحة اللبنانية وفي ساحات اقليمية اخرى. ولذلك سترد هذه الدول البارزة على أي محاولة انقلابية بحزم وبوسائل متنوعة. وأي انقلاب مسلح يقوم به "حزب الله" سيكون انقلاباً سورياً - ايرانياً مما سيؤدي الى انهيار التفاهم السعودي – السوري في العلاقات الاميركية – الاوروبية – السورية والى تحركات في مجلس الامن لاتخاذ اجراءات جديدة ضد نظام الرئيس بشار الاسد مما يحبط جهود سوريا لتحسين علاقاتها مع الدول الغربية. واذا تدهورت الاوضاع الامنية في لبنان على نطاق واسع فليس مستبعدا ان تدرس الدول البارزة فكرة ارسال قوة عربية – دولية من دون مشاركة السوريين فيها الى هذا البلد لدعم الدولة ومؤسساتها الشرعية ولمنع سقوطه. وضمن هذا السياق قال ديبلوماسي اوروبي مطلع: "ان موقف المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي الذي وصف فيه المحكمة الخاصة بأنها "صورية" وقال ان اي حكم يصدر عنها سيكون "لاغياً وباطلاً"، هذا الموقف ناتج من فشل الجهود السورية لتعطيل عمل المحكمة ومن القلق الايراني من مضمون القرار الظني. وهذا الموقف الايراني يعني ان المعركة على المحكمة صارت جزءا من الصراع الايراني – الدولي. والدول البارزة لن تقبل ان تخسر المعركة مع ايران سواء في لبنان او في اي ساحة اخرى مما يجعلها تتصدى بحزم وبوسائل عدة لأي محاولة انقلابية سورية – ايرانية يمكن ان ينفذها "حزب الله".
العقبة الاساسية الثالثة هي ان حكومة بنيامين نتنياهو ستتعامل مع اي انقلاب مسلح ينفذه "حزب الله" على اساس انه يؤمن لها "فرصة تاريخية" لشن حرب واسعة النطاق على لبنان وعلى مواقع الحزب ومناطقه وكذلك على مواقع ومنشآت عسكرية وحيوية في سوريا، اذ ان الحزب سيكون حينذاك في حال مواجهة مع مجلس الامن ومع دول بارزة ومع الغالبية من اللبنانيين، كما ان ايران لن تتدخل عسكريا لمناصرة حلفائها لأنها تخشى حربا اسرائيلية او اميركية – اسرائيلية عليها.
ولخص مسؤول اوروبي مطّلع الوضع بقوله: "ان اي انقلاب مسلح ينفذه "حزب الله" سينقلب عليه داخلياً واقليمياً ودولياً ويزيد تصميم المجتمع الدولي على تحقيق العدالة". ورأى المسؤول الاوروبي "ان السفير الاميركي الجديد في دمشق روبرت فورد سيشكل مع السفيرة الاميركية في بيروت مورا كونيللي ومع مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط جيفري فيلتمان فريق عمل ثلاثياً يركز اهتمامه في اشراف فيلتمان على متابعة تطورات الاوضاع في لبنان والموقف السوري منها متمسكاً بثلاثة مواقف واضحة وحازمة هي:
تقديم الدعم الكامل لعمل المحكمة ورفض اي تدخلات في شؤونها، تأمين الحماية للبنان المستقل السيد ومنع اي هيمنة سورية عليه، مطالبة النظام السوري بضبط حلفائه ومنعهم من تفجير الاوضاع ردا على صدور القرار الظني، محملاً هذا النظام المسؤولية المباشرة عن اي اعمال عنف او تحركات عسكرية يقوم بها "حزب الله" وحلفاؤه ضد المواطنين او ضد القوى العسكرية والامنية الشرعية".

بقلم عبد الكريم أبو النصر     

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,720,716

عدد الزوار: 7,001,450

المتواجدون الآن: 73