الانخراط الأميركي الميداني في بناء دولة فلسطينية

تاريخ الإضافة الخميس 6 كانون الثاني 2011 - 7:51 ص    عدد الزيارات 492    التعليقات 0

        


 

الانخراط الأميركي الميداني في بناء دولة فلسطينية

- واشنطن – جهاد الزين

ليس معروفا كثيرا خارج فلسطين، الدرجة الواسعة لانخراط فريق السيناتور جورج ميتشل، المبعوث الاميركي الخاص للسلام في الشرق الاوسط، كما هي صفته الرسمية، في شبكة تنظيم وتدريب في الضفة الغربية، وحتى بصورة غير مباشرة في قطاع غزة، تشمل ادارات ومؤسسات في "السلطة الوطنية الفلسطينية" وتحديدا الاجهزة التي تشرف عليها حكومة رئيس الوزراء سلام فياض، الاجهزة الامنية كما الادارية كما الخاصة عبر مبادرات لشركات اميركية تشجعها وزارة الخارجية الأميركية في هذا الاتجاه، ضمن ما يسمى برنامج "الشراكة".
فمهمة ميتشل، كما تبدو من وزارة الخارجية في واشنطن، ليس فقط "الوساطة" التفاوضية بين الفريقين الفلسطيني والاسرائيلي، وانما كجزء من وزارة الخارجية المساعدة عبر فريق خاص على مواصلة برنامج تطوير دور "الحكومة الفلسطينية" ضمن ما يفضلون ان يسموه هنا "الثقافة الجديدة" للكوادر وآليات العمل الفلسطينية.
مع ذلك، لعل التطور الاخير بتكليف السيد دنيس روس تحت صفة "مستشار" في البيت الابيض  المساهمة في تفعيل التفاوض الفلسطيني – الاسرائيلي، يعتبر في نظر بيئة الخبراء الاميركيين المتابعين عن قرب انشطة البيت الابيض ووزارة الخارجية كنوع من اضعاف مباشر لدور السيناتور ميتشل السياسي. حتى ان احد هؤلاء المتابعين الاميركيين هنا يرى ان "دنيس روس اختطف عملية السلام من جورج ميتشل"، قياسا بكونه يتحرك – اي دنيس روس – بعد وصول جهود ميتشل السابقة الى طريق مسدود ضمن السياق المعروف لازمة الاستمرار الاسرائيلي في بناء المستوطنات، خصوصا ان دوره يأتي بتكليف من البيت الابيض. وعلى اي حال اعلن مؤخرا عن قرب وصول روس الى اسرائيل خلال هذا الاسبوع مما سيفتح المجال لرصد ما اذا كان يحمل جديدا سريعا في مواجهة المأزق اللاتفاوضي القائم.
على ان المراقب الآتي من العالم العربي الى واشنطن حاملا معه المناخ السائد هناك عن امكان انهيار في عملية السلام بسبب المواقف الاسرائيلية وتاليا حاملا احساسا ضاغطا بخطورة الوقت وكأن "الانفجار" بين لحظة واخرى... لا يجد لدى مستقبليه من الديبلوماسيين الاميركيين، الاحساس نفسه بالازمة. او ربما من الاصح القول ان هناك نمطا مختلفا من تحسس الازمة عما هو في العالم العربي.
لا شك ان الشعور بالمأزق قائم في واشنطن، حتى بمعايير تتعلق بالعلاقة مع العالمين العربي والمسلم... فأحد السفراء غير العرب الذي اتيح له الاستماع الى الرئيس باراك اوباما في جلسة خاصة فوجئ الحضور القليل فيها بانضمام الرئيس الاميركي اليها وكانت تتم مع احد اكبر مساعدي اوباما في واشنطن، ان الرئيس الاميركي وضع المسألة الفلسطينية في خانة "احترام العالم الاسلامي" ومشددا على ضرورة الوصول الى حل له.
لكن عندما يتعلق الامر بالخبراء في مراكز الابحاث، ستجد عديدين بينهم ايا تكن نسبة تأييدهم لاسرائيل – وهنا التفاوت هو بين مؤيدين او بين مؤيدين نقديين وغير نقديين – يقولون بلهجة حاسمة انه من الصعب جدا اذا لم يكن من المستحيل انتظار تسوية شاملة في ظل الوضع السياسي القائم في اسرائيل وتحديدا حكومة بنيامين نتنياهو.
لكن مع ذلك، فاللغة الديبلوماسية السائدة في وزارة الخارجية هي لوم الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي على "تفويت الفرص"، فبالنسبة الى هذه "اللغة" هناك مسؤولية ايضا، بين وقت وآخر، على الطرف الفلسطيني، اي فريق الرئيس محمود عباس، باضاعة الوقت عبر عدم اخذ المبادرة الكافية في اللحظة المناسبة. بينما النظرة بالمقابل من العالم العربي وخصوصا في المشرق الى "فريق ابو مازن" باعتباره دخل في طريق اللاعودة في الرهان على تسوية سياسية مع اسرائيل.
قد يكون هناك من يختلف بين الفلسطينيين والعرب في تقييم درجة "اللاعودة" هذه بالنسبة الى الرئاسة الحالية للسلطة الوطنية وللرئيس محمود عباس شخصيا ضمن الخلاف على نمط الخيارات المتاحة... لكن الامر الذي لا يحتمل اي جدل ان رجل المشروع الاميركي لقيام دولة فلسطينية اذا كانت ستقوم هو بدون ادنى شك سلام فياض رئيس الوزراء. فالاجهزة الاميركية – وعلى طريقتها – منخرطة تماما في عملية تقوية وتعويم يومية لكل اجهزة السلطة وبصورة خاصة الامنية. والظاهر من لهجة الديبلوماسيين الاميركيين ان ثمة ارتياحا جادا الى درجة تماسك وفعالية هذه الاجهزة "يجري اختباره يوميا". وحين يسأل الزائر محدثه الاميركي المتابع عن قرب "برنامج الشراكة" هذا الامني والاداري والاقتصادي من اين يأتي هذا التماسك لدى الفرد العادي الفلسطيني في الجهاز الامني بقدرته على ضبط المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال الاسرائيلي (لا زال تقسيم المناطق على اساس تقسيم اتفاق اوسلو A,B,C)... يأتي الجواب: "مصدر قوته في تنفيذ المهمات الامنية هو شعوره القوي بأنه يبني دولة وهذا يضعه في موقع ثقة بالنفس"؟!
طبعا تقويم هذه التجربة الجارية منذ سنوات – خصوصا في مجال المؤسسات الامنية – يحتاج الى درس ادق واشمل على المستويات الشخصية والمالية والسياسية، هل هي "ثقافة جديدة"، ثقافة جيل فلسطيني جديد كما يحب الديبلوماسيون والخبراء الاميركيون المتابعون ان يقولوا، والى اي حد يمكن الرهان على استمرار نجاحها اذا بقي الافق السياسي او افق الحل الشامل مسدودا في عالم كعالمنا العربي ليست فلسطين، على كل خصوصيات تجربتها تحت الاحتلال، الا جزء منه من حيث الانكشاف على الراديكاليات والتطرف في غياب البدائل او في مواجهة التطرف الاسرائيلي؟
اتيح لي في تشرين الثاني الماضي ان امضي في دبي يومين في محيط المجموعة الفلسطينية الناشطة التي تدعم بصورة خاصة في واشنطن رئيس الوزراء سلام فياض، وهي بقيادة الناشط الاميركي الفلسطيني الاصل زياد عسلي ورفيقه حسين ايبش.
سألت زياد عسلي في احدى المناقشات، وهو الذي نجح في جعل "فريق العمل الخاص من اجل فلسطين" نوعا من "لوبي فلسطيني" معترف به على اعلى المستويات الرسمية في واشنطن الى حد ان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون القت الخطاب الرئيسي في المؤتمر الاخير لمنظمته.
قلت لزياد: يا اخي من اين تأتون بكل هذا التفاؤل، بل حتى الهجومية، حيال مستقبل فلسطين رغم الصورة العامة الكئيبة؟
يجيب زياد بهدوء: لاننا واثقون ان مشروع الدولة الفلسطينية هو مصلحة اميركية ومصلحة اسرائيلية.
اجبت: مصلحة اميركية. مفهوم. مصلحة اسرائيلية؟ كيف؟
طبعا، لا تملك اسرائيل خيارا آخر والا معنى ذلك تهديد هويتها اليهودية.
يمكن لكثيرين ان يختلفوا مع هذه النظرة لكن ثمة شريحة من النخبة الفلسطينية في الداخل والخارج، على تفاوت ميولها، تواصل هذا الخيار مع اختبار انتقالي لجيل "تكنوقراطي" يمثله سلام فياض سيظهر في السنوات المقبلة ما اذا كان رهانه فعالا وقابلا للتطور ام ستطحنه الانغلاقات الخطرة في الصراع؟
لا شك ان الارادة السياسية الاميركية على رغم نقاط ضعفها حيال اسرائيل داخل اميركا وخارجها، تعبر منذ ما يقارب العقدين عن "قرار" النظام العالمي بقيام دولة فلسطينية بمعزل عن شكلها ومحتواها الجغرافي... وثمة بين الوقت والآخر مواقف في العالم تؤكد "الدولة الفلسطينية" كنقطة تلاق على المستوى العالمي مثلما ينبغي النظر الى الاهمية السياسية الفائقة لموجة اعترافات دول اميركية لاتينية كبيرة بهذه "الدولة"؟


( راجع التقرير الاول من واشنطن في "قضايا النهار" امس: "حوارات في واشنطن: ما الذي يمنع تحويل "حزب الله" من مشكلة في لبنان الى "مشكلة لسوريا؟)      

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,710,409

عدد الزوار: 7,001,082

المتواجدون الآن: 61