لماذا تذكَّر مسيحيو لبنان مسيحيي الشرق؟

تاريخ الإضافة السبت 18 تشرين الأول 2008 - 10:13 ص    عدد الزيارات 1264    التعليقات 0

        

بقلم سركيس نعوم    
لم يكن مسيحيو لبنان في السابق، وتحديدا ايام عصرهم الذهبي الذي امتد من اعلان فرنسا الدولة المنتدبة عليه من عصبة الامم حتى اندلاع الحروب اللبنانية – الفلسطينية والمسيحية – الاسلامية فيه عام 1975، يهتمون كثيراً لمسيحيي الشرق رغم حجمهم الديموغرافي الكبير مقارنة بالحجم الديموغرافي المسيحي الاصغر بنسبة كبيرة. والسبب الرئيسي لذلك كان اقتناع هؤلاء المسيحيين بوجود فوارق واسعة بينهم وبين اخوانهم في الدين العائشين في العالمين العربي والاسلامي، ليس فقط من الناحية الدينية او المذهبية بل ايضاً وهذا هو المهم من ناحية الحقوق السياسية والمواطنة التي يتمتع بها هؤلاء واولئك. فمسيحيو لبنان عاشوا في الحقبة المحددة اعلاه – ولا يزالون يعيشون اليوم رغم التغييرات التي حصلت بسبب حروب نيف و15 سنة وتقلص الديموغرافيا المسيحية في لبنان – مواطنيةً كاملة كانت متميزة عن مواطنية المسلمين اللبنانيين وربما متفوقة عليها. ثم تساوت المواطنتان بعد اتفاق الطائف. علما ان لا احد يعرف اذا كانت هذه المساواة ستستمر طويلاً رغم كل ما يقال ومن كل الاطراف، علما ان الله وحده عليم بالقلوب وما فيها، عن "وقف العد" الذي ارساه الاتفاق المذكور وعدم اعتبار العدد اساساً في المواطنية وفي نسب التمثيل الطائفي والمذهبي في كل مؤسسات الدولة. اما "مسيحيو الشرق" فلم يعيشوا هذا النوع من المواطنية الكاملة. وهذه حقيقة يعرفها قادة الدول التي هم مواطنون فيها وشعوبها وان كان الاعتراف بها غير متوافر. واثارتها هنا ليست من باب التدخل في شؤون هذه الدول ولكن محاولة لشرح موضوع كان مشكلة كامنة وهو في طريقه لأن يصبح مشكلة متفجرة ولكن بدءا من العراق هذه المرة. فالحقوق السياسية الكاملة لملايين المسيحيين غائبة في دولة عربية كبرى لم يُعرف نظامها بانه متعصب رغم اسلاميته ومدنيته في آن واحد. وحدها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية مؤمنة. اما الممارسة الدينية فمسموح بها ومحمية ولكن ضمن حدود يمنع بعضها توسيع الكنائس او بناء جديدة. فضلا عن ان الاشتباكات بين المسيحيين والمسلمين تكاد تصبح سمة من سمات الحياة العامة في هذه الدولة العربية، وتنتهي دوماً على حساب المسيحيين، علما ان المسلمين قد لا يكونون المتسببين بها في بعض الاحيان. والحقوق السياسية مؤمنة رسمياً للمسيحيين ووفقاً لحجمهم الديموغرافي في دولة عربية اخرى. لكنها عملياً ليست كذلك بسبب غياب مشاركتهم كما مشاركة غيرهم في القرار السياسي عبر المؤسسات الدستورية. وما يخفف من وقع هذا الامر ربما هو ان المشاركة المذكورة لا تتوافر ايضاً للغالبية الشعبية من المسلمين. اما الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمسيحيين وحقوق الممارسة الدينية فمحترمة كلها ولكن بطريقة مبالغ فيها الامر الذي جعل الغالبية الاسلامية تنظر الى المسيحيين وممارساتهم "الاستفزازية" – مثل اطلاق النار اثناء الاعياد او شرب "المنكر" علناً وما الى ذلك – بسلبية بل بحقد، الامر الذي ينذر بأنها قد تجعلهم يدفعون الثمن يوماً اذا حكمت، وسيكون باهظاً. علما ان خرق الاعراف والاحكام الدينية لا يقتصر على المسيحيين بل يتجاوزه الى عدد لا بأس به من المسلمين وعلناً. اما في دولة عربية ثالثة فيها وجود مسيحي لا بأس به فان لا شكاوى تصدر عنه، لانه والمسلمين خاضعون لقانون واحد صارم يرفض التمييز، لكن ذلك لا ينفي ان الحماية والامان وحرية الممارسة يؤمنها الحكم بوجب القانون وكذلك حقوق المواطنية غير المكتملة تماماً. ولا احد يعرف ماذا يحصل في حال تغيّر الحكم ولاسيما في ظل اتجاه المجتمع المتنوع في هذه الدولة نحو "المحافظة الدينية" كي لا نقول الراديكالية ولكن غير المؤذية كثيرا حتى الآن بسبب "التطبيق القوي" للقوانين. طبعاً لن نتحدث عن مسيحيي دولة اسلامية تفاخر بحرية مسيحييها، وهي حرية موجودة لكن مضبوطة او حتى مقيدة باعتبارات كثيرة الامر الذي يفقدها الكثير من اهميتها.
لماذا بدأ مسيحيو لبنان يهتمون بمسيحيي الشرق اليوم وقد ظهر ذلك علناً من خلال تصوير زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون ناطقاً باسم هؤلاء اثناء زيارته الاخيرة للجمهورية الاسلامية الايرانية. وظهر ايضاً من خلال مبادرة رئيس حزب الكتائب الرئيس السابق امين الجميل الى التصدي لموضوع مسيحيي الشرق انطلاقا من الاضطهاد الذي يتعرضون له في العراق منذ سنوات والذي ارتفع كثيراً في الاسابيع الاخيرة؟
قبل الجواب عن هذا السؤال لا بد من اعطاء مثل على عدم الاهتمام السابق والتقليدي لمسيحيي لبنان بمسيحيي الشرق، هو رفض مرجعيات دينية مسيحية اثناء تكوين الكيان اللبناني او رسمه بعد انهيار الامبراطورية العثمانية التي كان جزءاً منها عام 1918 ان يكون وادي النصارى شمال سوريا جزءاً من لبنان رغم انه كان من شأن مسيحييه تعزيز عدد المسيحيين اللبنانيين. وكان سبب الرفض مذهب هؤلاء المسيحيين الذي قد يضعف اكثرية الموارنة التي كانت وربما لا تزال طائفة كبرى. ولا بد ايضاً من الاشارة الى ان محاولة قد تكون جرت او بحث فيها في السنوات الاولى للحروب في لبنان لجعله وطناً نهائياً لغالبية مسيحيي الشرق الاسلامي. لكنها فشلت في البداية ولأسباب اكثر من ان تحصى.
اما بالعودة الى السؤال المطروح اعلاه فيمكن الجواب بالقول ان شعور مسيحيي لبنان بضمور دورهم عملياً رغم وجوده رسمياً على الورق وبحجم اكبر من عددهم ورؤيتهم التهجير المنهجي لمسيحيي العراق، سواء كان المهجِّرون شيعة أو سنّة أو  اكراداً، قد جعلا قادة المسيحيين او قدّيسيهم كما يعتبرون انفسهم يخشون الا يكون مستقبل المسيحيين اللبنانيين في المدى المتوسط او البعيد افضل من مستقبل اخوانهم في العراق وخصوصاً بعدما استشرت الاصولية الاسلامية عند الشيعة والسنة وبعدما صار المسيحيون اداة ضغط او سلاحا تستعمله الاثنتان في حربهما المعلنة او غير المعلنة التي قد تستعر اذا استعرت الحروب المذهبية في العالمين العربي والاسلامي. لكن يمكن القول ايضاً ان ما حرك قادة المسيحيين وابطالهم حيال مأساة مسيحيي العراق بل الشرق عموماً هو صراعهم على النفوذ والسلطة بل على القيادة داخل الطوائف المسيحية في لبنان والتي رغم اختلافاتها صارت واحدة في التعامل مع المسلمين وفي تعاملهم معها وذلك نظراً الى تحولها اقلية وان متوسطة الحجم حتى الآن. وهذا الصراع جعل او سيجعل كلاً من هؤلاء الابطال اسيراً عند الدولة او الجهة الاسلامية الخارجية التي تدعمه بالسياسة والمال وربما بالسلاح. ومن شأن ذلك تحويل المسيحيين وقوداً في صراع اسلامي – اسلامي، او عربي – ايراني، او ايراني – اميركي، او سوري – سعودي – اميركي... الى اخر ما هناك من صراعات. والوقود يحترق كله ويصبح رمادا. ومعنى ذلك يعرفه الجميع، علماً ان ما يجب ان يحرك هؤلاء القادة هو المحافظة على مواطنة مسيحية كاملة في لبنان مع مواطنة مسلمة كاملة وتحول الاثنتين مواطنة لبنانية واحدة. بذلك فقط يحفظ المسيحيون اللبنانيون انفسهم فلا يتحولون اهل ذمة وان على الطريقة الحديثة كما هي حال معظم مسيحيي العالمين العربي والاسلامي ويَسلَم لبنان بتنوعه، اذ يفقد من دونه مبرر وجوده.
 

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 157,068,085

عدد الزوار: 7,053,769

المتواجدون الآن: 72