خيار الدول الثلاث لا الدولتين

تاريخ الإضافة الثلاثاء 13 كانون الثاني 2009 - 1:30 م    عدد الزيارات 1478    التعليقات 0

        

تظهر الحرب في قطاع غزة، مرة أخرى، فشل نموذج الحاكمية الحالية للشعب الفلسطيني. يسيطر إرهابيون تموّلهم إيران وتزوّدهم بالإمدادات، على غزة؛ والسلطة الفلسطينية منقسمة بطريقة يتعذّر إصلاحها على الأرجح؛ والتنمية الاقتصادية متعثّرة في غزة والضفة الغربية. يعاني الفلسطينيون من عواقب الصراعات الإقليمية التي تُشَنّ من خلالهم وبالوكالة عن القوى الإقليمية المتصارعة.
وليست إسرائيل مكاناً سعيداً أيضاً. فهي تتحمّل الاحتقار من أصحاب المبادئ السامية في العالم لأنها تدافع عن نفسها في وجه الإرهاب، ومع ذلك لا تزال تتعرّض للهجمات الإرهابية من "حماس" ومن إرهابيين يتّخذون من سوريا ولبنان قاعدة لهم. تصبح السياسة الداخلية الإسرائيلية مشوّشة أكثر فأكثر، ويزداد طريق إسرائيل نحو الأمام غموضاً.
والبلدان المجاورة تعاني أيضاً. لقد أغلقت مصر حدودها مع غزة؛ ولا يزال لبنان تحت تهديد قيام "حزب الله" بانقلاب مدعوم من إيران؛ وتنزلق سوريا أكثر فأكثر تحت الهيمنة الإيرانية؛ والأردن عالق في المأزق العام. تبحث بلدان عربية أخرى عن حلول، غير أن اهتمامها يتحوّل أكثر فأكثر نحو التهديد المتعاظم من إيران والهبوط في أسعار النفط العالمية.
انطلاقاً من هذه الصورة، يجب أن نسأل لماذا لا نزال نطالب بـ"حل الدولتين" حيث تعيش إسرائيل و"فلسطين" جنباً إلى جنب بسلام، بحسب الشعار الذي يُردَّد دائماً. من الواضح أننا لا نحقّق أي تقدّم، بل على الأرجح إننا نعود القهقرى. لا ننفك نحدّق في "خريطة الطريق" الخاصة بالشرق الأوسط لأن هذا كل ما نملكه، ولأنه أفضل الموجود، كما يقولون في وزارة الخارجية الأميركية.
لقد انتهت صلاحية المنطق الذي يستند إليه هذا الموقف، منذ وقت طويل. لسوء الحظ، من الصعب تصوّر مقاربة جديدة يتلقّاها اللاعبون الأساسيون بحماسة. فلو كان المخرج واضحاً، لكان قد ظهر إلى العلن من قبل. لننظر إذاً في ما يأتي على الرغم من أنه قد لا يلقى ترحيباً واسعاً، ومن صعوبة تطبيقه:
لنبدأ بالإقرار بفشل محاولة إنشاء سلطة فلسطينية ترتكز على منظمة التحرير الفلسطينية القديمة، وبأن أي حل لإقامة دولتين قوامه السلطة الفلسطينية سوف يولد ميتاً. لقد أجهزت "حماس" على الفكرة، وحتى الأرض المقدّسة لا تتحمّل أكثر من قيامة واحدة. بدلاً من ذلك، يجب أن ننظر في مقاربة قائمة على "ثلاث دول" حيث تعود غزة إلى السيطرة المصرية، وتعود الضفة الغربية في شكل معيّن إلى السيادة الأردنية. من بين المفارقات الغريبة الكثيرة، يقع الصراع الحالي داخل حدود ثلاث دول هي في حالة سلام مبدئياً. إن قيام الدولتين العربيتين بإعادة بسط سلطتهما السياسية السابقة هو سبيل حقيقي لتوسيع رقعة السلام، والأهم من ذلك، تعزيز مكانة الحكومات التي توفّر السلام والاستقرار في بلدانها. لا يستطيع "المراقبون الدوليون" أو ما شابه أن يحقّقوا ما هو ضروري؛ نحتاج إلى دول حقيقية تملك قوات أمنية حقيقية.
لا شك في أن هذه الفكرة لن تلقى تأييداً في مصر والأردن اللتين لطالما سعتا إلى غسل أيديهما من المشكلة الفلسطينية. وبناءً عليه، يجب ألا تُضطرّا إلى إعادة تحمّل هذه المسؤولية بمفردهما. بل يجب أن تحصلا على دعم مالي وسياسي من الجامعة العربية والغرب، تماماً كما تحصلان على الدعم من الولايات المتحدة منذ سنوات. ويجب أن توافق إسرائيل على تأدية الأردن ومصر أدواراً سياسية وإدارية، إلا إذا كانت تنوي تأدية هذه الأدوار بنفسها (ومن الواضح أنها لا تريد ذلك).
وليست مصر أكثر رغبة من إسرائيل في تحمّل مسؤولية التعامل مع "حماس". تخشى القاهرة أن يؤدّي تطرّف "حماس" وإعجاب الإخوان المسلمين بها إلى زيادة خطر التطرّف في مصر. هناك روابط قوية بين "حماس" والإخوان المسلمين، ويزداد التطرف في مصر، وهكذا فإن المسألة الحقيقية المطروحة هي إيجاد السبيل الأفضل للسيطرة على التهديد في مصر وغزة في الوقت نفسه. قد يكون إبقاء غزة منفصلة سياسياً عن مصر مرضياً للبعض من الناحية البصرية، غير أنه يؤدّي بكل بساطة إلى زيادة التهديدات للاستقرار المصري الذي من شأن انهياره أن يولّد تداعيات كارثية في المنطقة برمتها. يكفي أن تسألوا الملالي في طهران.
من دون دور مصري أكبر، لن تحقّق غزة، وعلى الأرجح أنها لن تتمكّن من تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار الضروري للتنمية الاقتصادية. علاوةً على ذلك، إن ربط غزة باقتصاد حقيقي بدلاً من "اقتصاد فلسطيني" وهمي هو السبيل الملموس الأسرع لتحسين حياة المواطنين العاديين في غزة. أما ربط الضفة الغربية بالأردن فهو أقل إلحاحاً في المرحلة الراهنة على الأقل؛ لكن لا يمكن وضعه على الرف إلى أجل غير مسمّى، وأحد الأسباب هو أن المشاغل الأمنية الإسرائيلية البعيدة المدى هناك هي لسخرية القدر أكثر تعقيداً منها في غزة.
في ما يتعلق بالفلسطينيين، يعني الإقرار بالفشل الواضح للسلطة الفلسطينية وعواقب اختيارهم لحركة "حماس"، قبول الواقع على الرغم من أنه غير سار. لكن الفلسطينيين بالتحديد هم من سيحققون الفائدة الأكبر من الاستقرار. ليست السلطة الفلسطينية – المستضعفة والفاسدة والفاقدة للصدقية – دولة في منظار أي تقويم واقعي، كما أنها لن تصبح دولة مقبولة من إسرائيل ما دامت "حماس" أو الإرهاب في شكل عام لا يزال قوة سياسية أساسية بين الفلسطينيين.
سوف تكون الاعتراضات على هذه الفكرة متعدّدة الوجه، والتطبيق صعباً. إحدى الطرق لتفادي المشكلات هي التخلّي عن النقاشات المعقّدة حول الوضع القانوني الدقيق لغزة والضفة الغربية. فالنظريات القانونية فيهما أكثر من الأرض في ذاتها. قد لا تكون إعادتهما إلى مصر والأردن دائمة أو قد لا تصبح كذلك، لكن لا حاجة إلى المطالبة بذلك كمرحلة أولى.
يستحق الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي القليل من الغلاسنوست (الانفتاح والشفافية) والبريسترويكا (إعادة الهيكلة الاقتصادية) من جانب العالم الخارجي. إذا لم يصبح أداؤنا أفضل، مفهومياً وعملانياً، فسوف تبادر إيران بكل سرور إلى ملء الفراغ.

"واشنطن بوست"
ترجمة نسرين ناضر

جون بولتون     
(سفير الولايات المتحدة لدى الأممش المتحدة بين آب 2005 وكانون الأول 2006 وباحث في معهد "أميركان انتربرايز" الاميركي)  

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 156,056,558

عدد الزوار: 7,013,741

المتواجدون الآن: 68