مساندة طوفان الأقصى وإنعكاساتها السوسيو-سياسية على لبنان..

تاريخ الإضافة الجمعة 26 نيسان 2024 - 5:41 ص    التعليقات 0

        

مساندة طوفان الأقصى وإنعكاساتها السوسيو-سياسية على لبنان..

بقلم العميد المتقاعد..حسين الشيخ علي..

بدأت المقاومة الإسلامية في لبنان عملية مساندة عسكرية للعملية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية بتاريخ 7/10/2023 في غزة (طوفان الأقصى)، وذلك في اليوم الثاني لبدئها عبر إستهداف المواقع العسكرية في مزارع شبعا المحتلة من قبل العدو الإسرائيلي، ثم أخذ الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بالتطور الى مرحلة الحرب التي نعيشها اليوم.

يمتاز الجنوب اللبناني كما لبنان بالتنوع الطائفي في جفرافيته بحيث تنتشر المدن والقرى ذات التنوع الديني الصافي أو المختلط الى جانب بعضها البعض بتداخل يصعب فصله وبطريقة يصعب فيها الإستغناء عن الحاجة للآخر من أجل تكامل الحياة في نواحيها الإجتماعية المختلفة من طبابة وتعليم وتجارة وغيرها.

تكونت لدى جماعات الشعب اللبناني عبر التاريخ منذ نشأة الكيان الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وما رافقها من انعكاسات على المجتمع اللبناني من تواجد مسلح وحروب، مواقف متناقضة بحسب رؤية كل منها لمصالحه والخطر الذي يشكله كل منهما على وجود هذه الجماعات. فأقامت تحالفات مع كل منهما للإستقواء على الأخرين من أجل بناء الوطن على الشاكلة التي تريدها والسيطرة على السلطة فيه.

استمر هذا الإنقسام لحين إندلاع الحرب الأهلية في العام 1975 وما تلاها من تدخلات دولية عسكرية وسياسية أجنبية وعربية وإسرائيلية في الساحة اللبنانية، إنتهت دون أن تفلح في بناء دولة قوية وشعب ذات هوية لبنانية واحدة، بل على العكس من ذلك كانت هذه الدول تغذي الجماعات اللبنانية بالمال والسلاح ضد بعضها البعض من أجل تحقيق مصلحتها وجعل لبنان يدور في فلكها السياسي والإقتصادي. وكان الجيش السوري هو أخر الجيوش المغادرة بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005. سبقه خروج جيش الإحتلال الإسرائيلي في العام 2000 من جنوب لبنان تحت ضربات المقاومة الإسلامية ومن يساندها.

لم تتعرض المقاومة بعد الإنسحاب الإسرائيلي للعملاء وعائلاتهم الذين بقوا في لبنان وتركت أمر معالجة هذا الأمر الى الدولة اللبنانية، الأمر الذي خلق إرتياحاً على الصعيدين السياسي والإجتماعي ساعد في العيش بهدوء وحرية وتعاون في الجنوب وخاصة في قرى أقضية بنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا، حيث كانت الوفود الشعبية والسياسية تشارك في المناسبات الإجتماعية والدينية والوطنية التي كانت تقام في تلك المنطقة.

في العام 2021 قامت مجموعة من المقاومة بإطلاق صواريخ على المراكز الإسرائيلية في مزارع شبعا من خراج بلدة شويا في قضاء حاصبيا، فاعترضتها مجموعة من شبان البلدة أثناء العودة وسلمتهم مع أسلحتهم للجيش اللبناني، وذلك رفضاً لتعريض بلدتهم للإعتداءات الإسرائيلية، وكادت هذه الحادثة أن يؤدي الى فتنة شيعية درزية في حينه نتيجة لتمدد الحوادث الى مناطق أخرى، ولكن سرعان ما تمت معالجة هذا الموضوع بحكمة من قبل الطرفين، وبدا واضحاً الى أي مدى الحدود المسموح الذهاب اليها وحجم التضحيات الممكن تقديمها لمقاومة العدو الإسرائيلي عند كل طرف، وهذا يعود الى اعتبارات ديموغرافية وسياسية عند هذه الأطراف.

بعد إنطلاق عملية مساندة (طوفان الأقصى) ظهرت بوضوحً إرادة العديد من البلدات المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة، بأن تنأى بنفسها عن إستخدام نطاقها البلدي، كمنطلق لصواريخ المقاومة ضد إسرائيل وهي تتوزع على الديانات المختلفة. وذلك من خلال الاتصالات والمواقف والخطب السياسية والدينية، ورَفض بعضها إيواء المهجرين من القرى المجاورة التي تتعرض للقصف، خشية من دخول المقاومين اليها ومن أن ينتقل العدوان اليها. وقد أصدرت بعض بلدياتها تعاميم في هذا الموضوع لمراجعتها عند اللزوم، وكانت مكتفية بإدانة الإعتداءات الإسرائيلية وبمواقفها الرافضة لما يجري من مجازر ضد الإنسانية في فلسطين المحتلة. بما يتوافق مع أوضاعها الديموغرافية والسياسية. ومطالبة بأن يتولى الجيش اللبناني حمايتها.

يتبين من خلال السرد المختصر للأحداث بأن القرار السياسي المتخذ للقيام بعملية مساندة (طوفان الأقصى) من قبل المقاومة كان له إنعكاسات ومواقف إجتماعية متباينة عند الشعب اللبناني بشكل عام وعند أبناء القرى الحدودية بشكل خاص، كونه يؤثر على حياتهم مباشرة. وكانت لكل فئة منهم رؤيتها الخاصة وطريقتها وأسلوبها من أجل مساندة غزة والشعب الفلسطيني، البعيدة عن كل البعد عن الموقف الموحّد. كما ظهرت الدولة اللبنانية بموقف العاجز عن اتخاذ أي قرار في هذا الشأن نتيجة ضعفها والفراغ السياسي الذي تعيشه والوضع الإقتصادي الصعب. وهي لم تكن في موقع الفاعل السياسي الذي قام بصناعة القرار، بل في موقع الباحث عن كيفية معالجة ذيول هذا القرار، وكما ظهرت عدم قدرتها على إمتلاك القوة وإحتكارها وأن هناك من يتفوق عليها في هذا المجال، وهذا من أبسط شروط قيام الدولة ونظرياتها.

هذا بالإضافة الى ظهور الإختلافات بين القوى السياسية المؤيدة للمقاومة والمعارضة لها، والتي انعكست على المؤسسات وحسن انتظام عملها، بالإضافة الى التداعيات الإجتماعية والإقتصادية والإنسانية الصعبة.

فهل نحن بحاجة الى مراجعة قراراتنا السياسية التي يكون لها انعكاسات حتمية على المجتمع من جوانبه المختلفة؟ وتبني عملية صنع القرار قبل اتخاذه؟ سواء على المستوى الإستراتيجي او التنفيذي في المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية. وهل نحن بحاجة الى بناء دولة قوية تتولى هي الدفاع عن الأرض وتؤمن المساواة بين المواطنين وتوفر لهم سبيل العيش دون تمييز بين المناطق؟

وإلاّ فسيكون لكل منا دولته التي تدافع عنه وتؤمن حياته.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,741,479

عدد الزوار: 7,002,098

المتواجدون الآن: 76