أيُّ مسارٍ بعد الأبرتهايد؟....

تاريخ الإضافة الأربعاء 8 شباط 2023 - 7:46 م    عدد الزيارات 353    التعليقات 0

        

أيُّ مسارٍ بعد الأبرتهايد؟....

مركز كارنيغي.. زها حسن

أعاد مؤتمر تاريخي تحديد النضال من أجل حقوق الفلسطينيين وتوصّل إلى خلاصات لم تأخذها الولايات المتحدة بعد في الحسبان.

أُدرجت بنود عدة على جدول أعمال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أثناء زيارته الأخيرة إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة التي دامت يومَين: إيران، وروسيا، ومصير الديمقراطية الإسرائيلية. وفيما كان يهمّ بالمغادرة، أُضيف بندٌ آخر إلى القائمة على وقع تصاعد وتائر العنف في الضفة الغربية، وتخلّلها شنّ الجيش الإسرائيلي هجومًا عسكريًا على مخيم جنين للاجئين أسفر عن مقتل عشرة فلسطينيين، فيما أطلق مسلّح فلسطيني النار على سبعة إسرائيليين في القدس.

على خلاف الهجمات الفلسطينية ضد الإسرائيليين التي ما زالت حتى الآن أحداثًا متفرّقة ونادرة، يواصل العنف الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين مساره التصاعدي منذ ربيع العام 2022 في ظل حكومة نفتالي بينيت ويائير لابيد، إذ لا يكاد يمرّ يوم من دون أن تشهد البلدات الفلسطينية ومخيمات اللاجئين عمليات اقتحام إسرائيلية. وعلى الرغم من أن بلينكن دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى خفض حدة التصعيد، لم يصدر أي مؤشر قبل جولته في المنطقة أو بعدها على أن إدارة بايدن قد تفكّر في تعليق مساعداتها الأمنية إلى إسرائيل حين تُستخدَم لتنفيذ هجمات ضد الفلسطينيين – وفقًا لما تنصّ عليه القوانين الأميركية – أو أنها قد تنزع غطاءها الدبلوماسي عن إسرائيل في المحافل الدولية. إذًا، لا تزال واشنطن توفّر دعمًا غير مشروط لإسرائيل.

لكن هل ينبغي إبقاء هذا الدعم غير المشروط حين يواجه الفلسطينيون في منطقتَين في الضفة الغربية خطر التعرّض للطرد الجماعي – بعد أن صنّفت إسرائيل إحدى القرى الفلسطينية منطقة إطلاق نار وخطّطت لبناء مستوطنة يهودية في منطقة أخرى، ما سيشقّ الضفة الغربية إلى نصفين وينهي التواصل الجغرافي اللازم لإقامة دولة فلسطينية؟ أو حين تواصل إسرائيل إفلاتها من المحاسبة عن قتلها مدنيين فلسطينيين، ومن ضمنهم نساء وأطفال، واستهدافها صحافية أميركية ترتدي سترة وخوذة واقية مطبوع عليهما باللون الأبيض كلمة صحافة (Press )؟

يتساءل الفلسطينيون إذًا عن مدى التزام إدارة بايدن بقيم حقوق الإنسان في القضايا المتعلقة بهم. ليس كافيًا أن تدعو الإدارة نتنياهو إلى خفض حدة التصعيد، ولا سيما حين يعتمد على شركائه في الائتلاف كي يبقى خارج السجن. يُشار إلى أن هؤلاء الشركاء يتبنّون مفهوم التفوّق اليهودي ويعتزمون إنهاء سيطرة المسلمين على مجمّع المسجد الأقصى، ويريدون إطلاق يد القوات المسلحة الإسرائيلية أكثر في قمع من تعتبرهم "إرهابيين". لكن إلغاء احتمال استخدام الضغط الأميركي لإحباط أسوأ النزعات التصعيدية للحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل يؤكّد على أن وتائر العنف ستزداد وأن الفلسطينيين سيتكبّدون الخسائر الأكبر باعتبارهم الشعب الخاضع للاحتلال.

في غضون ذلك، يعوّل نتنياهو على غياب الانخراط الأميركي الفعّال في المنطقة وعلى رفض إدارة بايدن إعادة تحديد أولوياتها فيها. فلم يوشك بلينكن على مغادرة المجال الجوي الإسرائيلي حتى صرّح نتنياهو لشبكة سي إن إن في أول مقابلة أميركية له بأنه لا يعتزم استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين لأن خططه لا تشمل إقامة دولة لهم. وقال إن فكرته حول "السلام العملي" تنطوي على السماح للفلسطينيين بإدارة شؤونهم المدنية داخل أراضٍ خاضعة للسيادة الإسرائيلية الفعلية، من دون إمكانية منحهم أي حقوق سياسية. بعبارة أخرى، طرح نتنياهو بالفم الملآن التعريف القانوني لنظام الأبرتهايد (أو الفصل العنصري) على أنه "السلام العملي" للفلسطينيين.

وما كان من المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إلا أن غيّر مسار الحديث عندما طُلب منه الردّ على هذه التصريحات، فأشار بدلًا من ذلك إلى إعلان بلينكن عن إرسال مساعدات إنسانية إضافية إلى الفلسطينيين بقيمة 50 مليون دولار، وإلى بحث الإدارة عن "طرق مبتكرة" لتعزيز قدرتهم على الحصول على تكنولوجيا الجيل الرابع في الأراضي المحتلة، إضافةً إلى زيادة إمدادات الطاقة المتجددة. أتت هذه التصريحات وسط غياب أي إدراك ذاتي بأن إسرائيل هي التي تمنع الفلسطينيين من الحصول على تكنولوجيا الجيل الثالث والجيل الرابع والجيل الخامس، وتعمد بصورة منهجية إلى تدمير البنى التحتية للطاقة المتجددة التي يموّلها الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية، وتُغلق الباب في وجه دخول المواد اللازمة لتوسيع شبكة الطاقة الشمسية في قطاع غزة.

لا بدّ إذًا من التساؤل حول مصير الفلسطينيين في ظل استبعاد حل الدولتين وغياب أي خطط إسرائيلية لمنحهم الجنسية والمساواة في الحقوق في إسرائيل. ربما بدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومن حوله يصدّقون أخيرًا كلام نتنياهو وحكومته الائتلافية. فبعد مرور أسابيع على الانتخابات الإسرائيلية، عقدت مجموعة من مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية سلسلة من الاجتماعات، بمشاركة ممثلين عن حركة "مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها"، ومجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، وشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية التي تُعنى بالتنسيق بين الكثير من المنظمات غير الحكومية الفلسطينية العاملة في الأراضي المحتلة. وأفضت هذه الاجتماعات إلى انعقاد "المؤتمر الوطني الفلسطيني" الأول لمناقشة موقف الحركة الوطنية الفلسطينية من الأبرتهايد. وكان القرار الذي توصّل إليه الأفرقاء تاريخيًا، إذ قلّل من أهمية حل الدولتين في إطار نضال الشعب الفلسطيني التحرّري، وتبنّى فهمًا أشمل لطبيعة التحديات التي تواجه الفلسطينيين.

ويؤكد القرار على حقّ "الشعب الأصلاني العربي الفلسطيني" في تقرير مصيره على "كامل ترابه الوطني"، ما يُعدّ خروجًا عن المألوف بالنسبة إلى مسؤولي السلطة الفلسطينية الذين اعتادوا تضمين ملاحظاتهم إشارات إلى "دولة فلسطين على أساس حدود ما قبل 4 حزيران/يونيو 1967 والخط الأخضر، وعاصمتها القدس الشرقية"، وهي جملة شائعة في مسألة حل الدولتين. ويدعو القرار أيضًا إلى منح الفلسطينيين المساواة ضمن "مناطق 1948" داخل إسرائيل. وبحسب القرار، يستوجب التوصّل إلى حلّ عادل ودائم تطبيق حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، ومحاسبتها على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها أمام المحكمة الجنائية الدولية. ويُعدّ القرار، الموجّه إلى "الحكومات والبرلمانات والأحزاب في الوطن العربي وحول العالم" والمنظمات الإقليمية والاتحاد الأفريقي، نقيض منتدى النقب المدعوم من الولايات المتحدة (والاتفاقات الإبراهيمية المرتبطة به)، الذي يدعو إلى دمج إسرائيل في المنطقة كوسيلة لتحقيق السلام الفلسطيني الإسرائيلي.

ما لا تأخذه الولايات المتحدة في الحسبان راهنًا هو احتمال أن يشكّل ذلك تحوُّلًا كبيرًا في التوجُّه على صعيد النضال الفلسطيني. من المعروف عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية أنها تتبنّى مبادرات جديدة، على غرار مساعي الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة في 2011-2012، وسرعان ما تتخلّى عنها عند استئناف المفاوضات. لكن الوضع هذه المرة قد يكون مختلفًا، إذ إن الولايات المتحدة لا تريد أن تؤدي دور وسيط السلام، ولا خيار أمام الفلسطينيين سوى مقاومة "السلام العملي" الذي خطّطت له إسرائيل، بطرق سلمية (أو عنيفة، وهذا مرجَّحٌ الآن على نحو متزايد) وبدعم دولي.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,090,827

عدد الزوار: 6,752,250

المتواجدون الآن: 112