جبل محسن – باب التبانة (الجزء الأول)

تاريخ الإضافة الأحد 25 تشرين الأول 2009 - 7:51 ص    عدد الزيارات 1560    التعليقات 0

        

محمد بركات ، السبت 24 تشرين الأول 2009
\"\"
   
\"\"
 

\"\"

حتى تاريخ كتابة هذه السطور، كان مطلقو قذائف الإينيرغا على جبل محسن ما يزالون مجهولين. لا أحد يعرف من يحاول إعادة إشعال خطّ التماس السني- العلوي بين باب التبانة وجبل محسن في عاصمة الشمال. ولا أحد يعرف من الذي في مصلحته إعادة النار إلى خطّ برد قي أيلول 2008، حين وقّع الرئيس المكلف سعد الحريري مصالحة مع آل عيد، زعماء الطائفة العلوية في الشمال، من علي الأب الثمانيني، إلى رفعت الإبن الثلاثيني.

لكنّ واحدة على الأقلّ من أهداف الإينيرغا قد تحققت، وهي إعادة توتير الأجواء السياسية والأمنية والإعلامية في طرابلس، المدينة القابلة دائما لتتحوّل إلى مسرح رسائل محلية وإقليمية.

والأطراف الطرابلسية تتراوح بين من يدعو إلى إعطاء الأولوية للتحقيقات الأمنية والقضائية، ومن يتسرّع نحو الإتهامات السياسية، طمعا في حصد مكاسب محلية أو تبرعا لإرضاء جهات إقليمية.

\"\"

منسق "تيار المستقبل" في الشمال عبد الغني كبارة يؤكد أن "تيار المستقبل لا يستطيع إلا أن يوكل أموره كلها إلى مؤسسات الدولة وإلى الجيش اللبناني المسؤول عن الامن في هذه المنطقة"، مطالبًا في الوقت عينه القوى الأمنية بأن "تقدم للجمهور إجابات واضحة عن الأحداث الأخيرة ومفتعليها".

نذهب إلى الأمن الرسمي، فتشير مصادره إلى أن "لا خيوط نهائية حتى الآن"، ويرفض المصدر "الخوض في الإستنتاجات والتسرّع في إطلاق الإتهامات". هذه الإتهامات التي تسرّع في إطلاقها مسؤول العلاقات السياسية في "الحزب العربي الديمقراطي" رفعت عيد، متهما عبر الإعلام الإستخبارات المصرية بـ"التضرر من المصالحة السعودية- السورية واللجوء إلى الرسائل الأمنية للتخريب على التوافق الإقليمي".

السفارة المصرية نفت في بيان رسمي هذا الإتهام جملة وتفصيلا. كذلك أكّدت المصادر الأمنية المعنية والمطّلعة على التحقيقات أنّ "الأمر الوحيد المؤكد حتى الآن هو أن لا علاقة لا لإستخبارات مصرية ولا للإسلاميين والأصوليين بالأحداث الأمنية الأخيرة".

بدوره يقول كبارة في تحليل العلاقات العربية، إنّ "مصر هي من المجموعة العربية التي تحاول إعادة الدور العربي إلى الأمة العربية وبالتأكيد ليست من الدول المتضررة بل هي سعيدة كما كل الدول العربية الأخرى، وهي مرتاحة لعودة سوريا إلى الحضن العربي".

\"\"

من جهة أخرى ينقل مصدر إسلامي سلفي في طرابلس عن أربعة أجهزة أمنية، تقاطعا في معلوماتها على اتهام مجموعات من "الحزب العربي الديمقراطي"، حزب آل عيد، بافتعال هذه الأحداث.

المصدر الإسلامي على علاقة جيدة بالقيادة السورية، ويزور دمشق بانتظام، ويروي أنّ "ضابطا سوريا برتبة عالية أرسل في طلب رفعت عيد ووبّخه بسبب ما يحصل بين جبل محسن وباب التبانة".

هذه المعلومات عرضناها على عيد، فـ"بلع ريقه" أكثر من مرة، قبل أن يجيب: "زرت سوريا؟ هذا موضوع أخرجونا منه". لكن ما موقف القيادة السورية مما يحصل في منطقتكم؟ يجيب: "السوريون اذا اردت... صدقا لم أزر سوريا في هذين اليومين لكن أقول لمن يسألني إنني أزور سوريا 6 مرات في اليوم، وأين المشكلة؟".

نردّد السؤال: لكن ما هو الجوّ في الشام؟ فيجيب: "لنتحدث في موضوع آخر: أنا  زرت مسؤولين في المعارضة والموالاة، من الرئيس نبيه بري إلى النائب وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري و"حزب الله" وغيرهم، وطرحت مطلبنا وهو توزير علوي في الحكومة العتيدة، فقال لي الطرفان انه موضوع لم يطرح في القمة بين سوريا والمملكة السعودية، فقلت لهم ان لا علاقة لتوزير العلويين بالموضوع السوري- السعودي".

وأضاف عيد: "قلت لهم إن القيادتين تضعان خطوطا عريضة، لكن هذا موضوع داخلي يخص المعارضة والموالاة، وهذا حق الطائفة العلوية، والمستغرب ان الجميع من الطرفين لم يعترضوا بل تمنّوا، كما أنّ العماد ميشال عون طرح الموضوع مع الشيخ سعد الحريري، ومبدئيا هناك موافقة، لكن لا أعرف من أين الاستغراب".

لكن من حصة من سيكون هذا الوزير، حيث أنّ حيثية أكبر متمثلة في الوزير طلال أرسلان قد تستبعد عن الحكومة؟!، فيجيب: "اذا ارادوا التقسيم فيمكن أن يكون وزيرنا من حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ونحن نلتزم بقراراته. وبالطبع من يتوزر هو الطرف الأقوى في الطائفة الذي هو الحزب العربي الديمقراطي، لأننا حصلنا على 96 % من أصوات الطائفة العلوية في الإنتخابات الأخيرة، وهي 10 آلاف صوت، أما نائبا تيار المستقبل فحصلا على 200 صوت و150 صوت".

\"\"

هكذا أخذ عيد الحديث كلّه من الإينيرغا إلى الحديث عن التوزير والوزراء، الأمر الذي أوضحه الشيخ صفوان الزعبي، رئيس جميعة "الأخوة" السياسية في طرابلس، المقرّب من "حزب الله"، والذي يرى نفسه غير بعيد عن "تيار المستقبل"، وهو الذي يعتبر "مهندس" وثيقة التفاهم التي لم تبصر النور بين التيار السلفي و"حزب الله" في العام الماضي.

يقول الزعبي أن ما يجري في جبل محسن هو "عملية محلية يقوم بها أحد قيادات طرابلس الذي يطمح الى التوزير، والمسألة هي انه مضطرب، فمرة يتهم فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، ثم يعود ويتهم الاستخبارات المصرية، ومؤخرا اتهم الاستخبارات الصهيونية بأيدي عربية، ويقول انه يعرف، ثم اذا عرف لن ينتظر احداً، والاضطراب هذا يدل على ما يفكّر به، وما يصرّح به من وجود غبن لاحق بمنطقته ويجب تذليل الغبن من خلال تمثله في الحكومة بعد فشله في الإنتخابات النيابية". 

\"\" 

من جهة أخرى، فإنّ خطّ التماس بين جبل محسن وباب التبانة يقع في مرمى نيران مخيم البدّاوي للاجئين الفلسطينيين، لذا أشارت أصابع كثيرة بالإتهام إلى تنظيمات إسلامية في المخيم.

هذه الإتهامات يردّ عليها خالد عودة، المسؤول السياسي في "الجبهة الشعبية – القيادة العامة" في الشمال وعضو اللجنة الأمنية في مخيم البداوي، فيعتبر أنّ "زج المخيم بإتهام سياسي لا معنى ولا معطيات له"، ويضيف: "قبل الأحداث الأخيرة قمنا بزيارات الى الاجهزة الأمنية اللبنانية من أمن عام وأمن دولة ومخابرات الجيش وفرع المعلومات، وأكد الجميع لنا أن المخيم لا علاقة له بأي أحداث أمنية في الشمال، ثم بعد 24 ساعة سمعنا اتهامات لنا نضعها في سياق السعي إلى تهجير الفلسطينيين من لبنان".

لكن بعد انتهاء المعارك تأكد أن زعيم تنظيم "فتح الإسلام" شاكر العبسي أمضى فترة في مخيم البداوي أثناء معارك نهر البارد، في منزل حمزة القاسم؟ فيجيب عودة، الملقب بـ"أبو عدنان": الحقيقة أنه حتى هذه المعلومات لم تؤكد بعد، بل نشرت في الإعلام وليس في القضاء، بعد التوقيفات التي كنا جزءا أساسيا فيها. والقضاء لم يثبت أيّ شيء حتى الآن".

بعد يومين من هذا الحوار، وزّع القضاء اللبناني نصّ القرار الإتهامي لبعض موقوفي "فتح الإسلام"، وفيه يعترف أحدهم بأنّ العبسي أقام لفترة في منزل ذوي الشيخ حمزة القاسم في مخيم البداوي.

\"\"

منذ أيام خمدت حماوة قذائف الإينيرغا على محور جبل محسن – باب التبانة. لكنّها تبقى مرشّحة للحماوة من جديد في أيّ وقت، كما تعوّد أهل المدينة، إذ إنّ الفاعلين مازالوا مجهولين، فيما الأطراف الطرابلسية تتبادل الإتهامات.

أحمد الأيوبي، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية وفي شؤون طرابلس، والذي يصفه المحللون بـ"الإسلامي المعتدل"، يردّ على اتهامات عيد، فيقول: "على القاعدة التي طرحها عيد بأن مصر متضررة من القمة السعودية - السورية أقول: كلا. فالمراقبة الجدية للأداء السياسي الإيراني تؤكّد أنها المتضرر الأكبر والحقيقي في ظل التواصل الديبلوماسي العالي بين مصر والسعودية. التواصل القادر على حل المشاكل بين البلدين، لكنّ النظامين الأمنيين الإيراني والسوري لا يتخاطبان إلا بالرسائل الأمنية، والمجموعات المسؤولة عن القذائف هي مجموعات إيرانية".

ويستشهد الأيوبي على كلامه بأنّ "مواكبة الإعلام الرسمي الإيراني للقمة السورية السعودية كانت في غاية الخطورة، إلى درجة المطالبة بسحب إدارة الحرمين الشريفين من مكة والمدينة من يدي المملكة العربية السعودية وتدويلها، وهذا طرح في غاية الخطورة، وترجم على خطوط التماس التقليدية في طرابلس".

\"\"

أما الأمين العام لـ"حركة التوحيد الإسلامي"، الشيخ بلال شعبان، أحد أبرز حلفاء "حزب الله" في طرابلس، فيدافع بشراسة عن إيران، معتبرًا أن "ربط الإينيرغا بما جرى في الإعلام الرسمي الإيراني بعيد جدا وضعيف، ففي الوقت نفسه بيونغ يانغ ضربت صاروخا باليستيا عابرا للقارات في أقصى آسيا وتم توقيع إتفاقية ما في موسكو.. هذا تزامن بعيد".

شعبان الذي يعرض علينا مستندات تؤكد أنّه عضو في تجمع عالمي تديره ليبيا وفي تجمع عالمي آخر تديره تركيا، وأنّه على علاقة ممتازة بـ"حزب الله" وإيران، يشدد على استعداده لبناء علاقة مماثلة مع السعودية إذا استطاع إلى ذلك سبيلا، ويضيف: "المهم هو أنّه جرت مصالحة عربية-عربية وستكون هناك مصالحة سعودية - ايرانية قريبا، ومصلحتنا في حلف سعودي ايراني تركي سوري قطري لبناني فلسطيني وعربي. هذا التحالف هو الذي يعيد لنا حقنا في أرضنا وليس الصراعات الداخلية المصطنعة".

ويختم شعبان كلامه بالإستناد إلى "ما قاله رئيس الجمهورية، وهو ان سوريا وايران لا تتدخلان بشكل سلبي في لبنان".

\"\"

المعلومات المتداولة بين أبناء طرابلس وأحزابها وحركاتها تجمع على ووجود نحو خمس وعشرين مجموعة مسلّحة في المدينة متحالفة مع "حزب الله"، مجموع عدد مقاتليها يصل إلى أربعمائة، إلى جانب نحو مائة مقاتل تابعين لـ"حركة التوحيد"، وأكثر من ثلاثمائة آخرين تابعين لـ"الحزب العربي الديمقراطي"، وأكثر من مئة وخمسين ضمن "الحزب السوري القومي الإجتماعي"، ومئة وخمسون مسلّحا تابعون لـ"الجبهة الشعبية – القيادة العامة" في مخيم البداوي.

أكثرمن ألف مسلّح إذا، تتوزّع ولاءاتهم بين سوريا وإيران. من بين هذه المجموعات مجموعتا سمير الحسن ومحمود الأسود. ورغم أن "حزب الله" ليس متواجدا بشكل مباشر، أمنيا وسياسيا وشعبيا في طرابلس، إلا أنّه يمتلك حلفاء جديّين، أبرزهم بلال شعبان، الذي يعتبر أنّه "لا وجود لسلاح للمقاومة في طرابلس، بل إنّه في كل بيت في لبنان هناك سلاح، والحديث عن طرابلس محاولة للنيل من صورة طرابلس".

شعبان لا يعطي إجابة مقنعة عن جدوى "سلاح المقاومة" في الشمال، بعيدا مئات الكيلومترات عن الحدود مع إسرائيل، فيما الأيوبي يضع هذا السلاح في إطار غايات مثل تلك التي يتخوّف منها، وهي "أن يكون التوتير الأمني في طرابلس وصيدا ومجدل عنجر وعدد من المناطق الأخرى ضمن مخطط لضرب الجيش بالمواقع الإسلامية السنية التي واجهت انقلاب السابع من أيار".

ويقصد الأيوبي بقوله هذا أنّ "هناك من يريد أن يدفّع الأقوياء شعبيا في مناطقهم، الذين صمدوا في وجه انقلاب السابع من أيار، وأن يدفّع أهالي مجدل عنجر وطرابلس وصيدا، ثمن الوقوف ضد الإنقلاب".

وحين نسأل شعبان عن مجموعتي سمير الحسن ومحمود الأسود يجيب: "ليستا مجموعتين من خارج النسيج الطرابلسي، بل هما جزء من نسيج المدينة الإجتماعي والسياسي ولا علاقة لهما بالتفجير الأخير، وتسليط الأضواء عليهما سببه أنهما رفضا أن يكونا جزءا من الصراع بين باب التبانة وجبل محسن".

هنا يلمّح شعبان إلى دور ما لتيار المستقبل في "تسليح هاتين المجموعتين وتركهما لاحقا من دون تمويل، ما دفعهما إلى التعامل مع الوزير نجيب ميقاتي ثم مع الوزير محمدالصفدي وصولا إلى "حزب الله" اليوم".

\"\"

الأيوبي يعتبر، من خلال معاينته اليومية والميدانية في طرابلس، أنّ "المدينة باتت مرتعا لمجموعات على ارتباط بـ"حزب الله" في بعل محسن وفي باب التبانة أيضا"، ويضيف: "الحرس الثوري الايراني له قنوات خاصة مع هذه المجموعات. والأحداث الأخيرة فيها ضلع إيراني ما، والمجموعات التي جرى الحديث عنها في طرابلس للحسن والأسود أصبحت ذات صلة مباشرة بـ"حزب الله". لا أقول إنهم مسؤولون بالضبط، لكن هناك حالة أشاعها "حزب الله" وحاول من خلالها أن يمتلك أداة أمنية مباشرة على الساحة الطرابلسية لأسباب متعددة من ضمنها إرسال رسائل أمنية في أوقات محددة وفي ظروف محددة".

أما الزعبي فيردّ على هذا الكلام بالقول إنّ "هناك مجموعات عدة في طرابلس تتعامل مع "حزب الله" تحت عنوان المقاومة في طرابلس". ويضيف: "هذه مسألة قانونية ومشرعة في القانون والبيان الوزاري ويجب أن تخرج من التداول. فحين يشرعون المسألة في البيان الوزاري لا يستطيعون اثارة الموضوع في الإعلام".

\"\"

لا شيء مؤكّداً حتى الآن في التحقيقات المشتركة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية اللبنانية، لكنّ الهمس في المدينة ليس قليلاً عن ارتباط معظم المجموعات المسلحة بـ"حزب الله" وسوريا وإيران. 

ولأنّ الفاعل ما زال مجهولا، فإنّ الحلّ ما زال ضبابيا. لكنّ "تيار المستقبل" يدعو إلى عدم الإنجرار وراء التحليلات والإستنتاجات، وترك الأمور للأجهزة الأمنية التي تعمل بشكل مشترك.

ويحاول "التيار" الوصول مع الأفرقاء كافة إلى هذا المنطق: ترك الأمور للأجهزة الأمنية، بما معناه "إخصاء التسييس لجعل القذائف يتيمة". وبالفعل فإنّ هذه القذائف ما زالت يتيمة، وتجمع الأطراف المعنية في طرابلس على أن الساعين إلى الفتنة بين "الجبل" و"الباب" لم ولن يجدوا بنادق صاغية.

لا أحد يعرف كيف ستسير الأمور في الأيام والأسابيع والأشهر الآتية. فالسلاح موجود في المدينة، والحساسيات المذهبية والسياسية موجودة، لكن ما يوقف مسلسل الدم هذه الأيام هو التوافق الإقليمي والتفاهمات المحلية، التي قد... وقد لا تدوم.

ملف فلسطين وغزة..في ذكرى 7 أكتوبر..

 الإثنين 7 تشرين الأول 2024 - 5:03 ص

الغزّيون ملّوا الحروب ويحلمون بحياة تشبه الحياة.. لا يهمهم مَن يحكم القطاع بعد وقف القتال..والهجر… تتمة »

عدد الزيارات: 173,053,995

عدد الزوار: 7,723,301

المتواجدون الآن: 0