التوافق الأمريكي الروسي تخادم سياسي وتقاطع مصالح
الأحد 25 تموز 2010 - 8:07 ص 2851 0
التوافق الأمريكي الروسي تخادم سياسي وتقاطع مصالح
أعداد مركز صقر للدراسات الإستراتيجية
· المدرسة الإستراتيجية الأمريكية
· سمات الإستراتيجية الأمريكية المعاصرة
· عناصر الإستراتيجية العسكرية الأمريكية:
· متغيرات في الإستراتيجية الروسية
· محددات التقارب الامريكي الروسي
يخضع العالم اليوم لنظام عالمي متصدع ومتهرئ, وتحكمه قوانين آمرة تعود للعقد الرابع من القرن الماضي, وتمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من خرق وتحطيم النظام الرسمي الدولي بعد نهاية الحرب الباردة وسيادة القطبية العسكرية والسياسية والاقتصادية الأمريكية, ورواج ظاهرة الحروب الاستباقية , وركوب موجة الديمقراطية الرأسمالية بمبررات مكافحة الإرهاب وضرورات الأمن القومي الامريكي, وعلى اثر ذلك ساد العالم فلسفة الخصخصة وعسكرة العولمة , ونهب حر لثروات الدول الضعيفة , ونشر الفوضى الشاملة, وبنفس الوقت جرى خصخصة القانون الدولي لمصالح الدول الكبرى, والعمل بمعايير مزدوجة , وتسخير مؤسسات الأمم المتحدة ومنظماتها لشرعنة الحروب , مما أشاع الفوضى والعنف والجوع والبطالة في العالم , وخصوصا دول العالم الثالث التي لا حول لها ولا قوة, وقد سخرت أراضيها ومواردها كرقع لوجستية وقواعد متقدمة ومحطات مخابراتية لحرب لانهاية لها, تستهدف حرق القدرة وتفتيت المجتمعات العربية الإسلامية, ونشهد التقارب الروسي الامريكي الأوربي, وقاسمه المشترك النظام الرأسمالي, وسطوة الشركات القابضة , وتبادل رقع النفوذ ضمن حرب الموارد(النفط, الغاز,الماء,الأرض), ولا توجد دولة بالعالم اليوم تتعامل بالقيم الأخلاقية والإنسانية والقانونية بل تعمل وفق مسارات مصالحها بين تقارب وتوافق وتخادم وتبادل منفعة.
المدرسة الإستراتيجية الأمريكية
تعمل الولايات المتحدة الأمريكية وفق فلسفة النظام الرأسمالي والسوق الحرة وخصخصة المؤسسات الوطنية في الدول الإستراتيجية بغية الاختراق الناعم عبر شركاتها المتعددة, ولا يوجد اليوم نظام سياسي مخالف او منافس له في الأيديولوجية العامة, وبالتالي جميع الدول انتهجت واعتنقت العقيدة الأمريكية وبدت تطور قدراتها وفق هذا المنحى .
يستطيع القارئ أن يبحث في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية فسيجده متخم بسياسات الحروب وهوس استخدام القوة , وقد أحدثت ضغوطاً شديدة على نظام العلاقات المدنية والعسكرية الدولية والإقليمية , ولعل دول العالم العربي هي محور الصراع المسلح ، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية ، قوة عسكرية ضخمة عاطلة في وقت السلم, وتحولت إلى نظامٍ عسكري يقوم على الخطر الأمني الأساسي الذي حدد سياستها الخارجية على مدار 45 عاماً، مما دعا الى إجراء تغييرات واسعة تُعيد تحديد طبيعة التهديد المقبل (صناعة العدو) مع موائمة المتغيرات التكنولوجية وحمى التسليح,جميع تلك الاعتبارات التراكمية تجتمع لإعادة النظر في طبيعة المؤسسات العسكرية بما يتلاءم مع طبيعة المحاور الإستراتيجية المقبلة, وموائمته مع الأفكار ونظريات تشكيل النظام الدولي, والطريقة التي يعمل بها , وينتمي الخبراء الإستراتيجيون الأمريكيون بصفة عامة إلى مدرستين متمايزتين، هما:
أ. المدرسة الواقعية:- تركز المدرسة الواقعية على السياسة الجغرافية الدولية وما وراء البحار وفق الأهداف الحيوية ضمن الإستراتيجية العليا/الشاملة والعسكرية، وتعنى بتوزيع السلطات والموارد في دول العالم، والحفاظ على القوة الأمريكية, والتفتيش عن منابع الثروات والطاقة)[1]( والسيطرة عليها بشتى الوسائل , وهي المستخدمة والمطبقة طيلة العقود الماضية.
ب.المدرسة المثالية/الأخلاقية:- تركز المدرسة المثالية على التفاعلات الواسعة التي تتعدى الحدود الوطنية، والعلاقات بين العوامل الرسمية وغير الرسمية من جانب، وبين تصورٍ لإقامة نظام عالمي أكثر سلاماً وأحسن أخلاقاً، ويقوم على أساس الأمن الشامل والديمقراطية ورفاهية الشعوب, وهذه المدرسة لم تدخل حيز التنفيذ مطلقا في الولايات المتحدة الأمريكية تخطيطا وتنفيذا,وذلك عند تفحص السلوك الاستراتيجي الامريكي.
يقول "والتر ليبمان Walter Lippmann "تكمن السياسة الخارجية في تحقيق التوازن بين التزامات الأمة وقوتها، مع الاحتفاظ بفائضٍ احتياطي مريح من السلطة"، وبمعنى آخر تحقيق المواءمة بين الوسائل والغايات، وهذا يقودنا لا محالة إلى الاقتصاد، إذ إننا حين نتحدث عن عناصر القدرة الشاملة الوطنية ، يُلاحظ تشابك هذه العناصر النظرية والتنظيمية الرأسمالية مع الاقتصاد تشابكاً يصعب التخلص منه[2], ويقول الرئيس الأمريكي الأسبق "بن كلينتون " (ينبغي على أمريكا استعادة قوتها الاقتصادية لتؤدي دورها بصفتها زعيمة للعالم , فالاقتصاد الفقير المثقل بالديون يضعِّف من قدرتنا الدبلوماسية ويصَعِّب من الوصول إلى اتفاقيات تجارية ناجحة، ويوهِّن من قدرتنا على تمويل الأعمال العسكرية الضرورية), وكيف اليوم وهي أسيرة الأزمة الاقتصادية ورغبات المجمع الصناعي العسكري الصارمة, وبالنظر إلى الرؤية الإستراتيجية عن المصالح والأهداف الأمريكية تجد هناك تعبئة مستديمة للقوة لتحقيق تلك الأهداف.
سمات الإستراتيجية الأمريكية المعاصرة
تحدد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من النظم الإستراتيجية , وهناك إستراتيجية عليا ذات ثبات نسبي, واستراتيجيات وسيطة أقل ثباتا وأكثر تعرضا للمراجعة ويمكن وصفها تكتيك, ويضطلع بوضع الاستراتيجيات في الولايات المتحدة الأمريكية جهاز ضخم يتكون من دوائر ضيقة ملحقة بوزارتي الدفاع والخارجية, ودوائر أوسع تتضمن مراكز البحوث الإستراتيجية والجامعات والمنتديات المشتركة (تضم مدراء شركات ومسئولين كبار سابقين ومسئولين حاليين وأكاديميين) )[3](، ويعمل ذلك الجهاز الضخم بتناسق وفعالية, ويستخدم أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا المعلومات والعلوم العسكرية والاجتماعية والإنسانية, وضع الأساس الفلسفي الذي يربط بين العولمة والإستراتيجية الأمريكية العليا وسبل استخدام القوة , لقد تطورت نزعة التدخل العسكري اعتبارا من أوائل التسعينات , وهو التاريخ الذي بدأ يشهد القفزة الكبرى في وضع الشركات متعددة الجنسيات، هكذا اندمجت العولمة مع التعريف الموسع للأمن القومي "عسكرة العولمة"، وشهد العالم تطبيقات متلاحقة مثل التدخل في هايتي، الصومال, العراق 1991، صربيا، السودان، احتلال أفغانستان, واحتلال العراق,كذلك السعي المستمر ضمن سياسية قضم الأنظمة والخنق باتجاه قارة أوراسيا عبر القدرة العسكرية المنتشرة, ولعل ابرز سمات الإستراتيجية الأمريكية المعاصرة هي :-
1. تعزيز أنظمة السوق الرئيسية(النظام الرأسمالي) وإلحاقها بالنظام الأمريكي(المركز) لكونها تشكل النواة التي تنطلق منها عملية تعزيز رؤوس الأموال الأمريكية الحاكمة.
2.فرض الأنظمة الرأسمالية (الديمقراطية الجديدة) واقتصاديات السوق بالقوة والضغط والحروب الخاصة , ولاسيما في الدول ذات الأهمية (الثروات النفطية).
3.الحرص على صيانة القوة العسكرية المستديمة للمحافظة على الأحادية والقطبية وفتح الأسواق واستخدام سياسة الاحتواء للقوى الصاعدة .
4.صناعة التهديدات وتطوير ديناميكية الحروب الخاصة وما يطلق عليها "صناعة الأمن" وفق مبررات مكافحة الإرهاب ومحاربة التنظيمات المسلحة بدلا من الجيوش.
5.استمرار المؤسسات البحثية ودوائر العلاقات العامة ووسائل الإعلام بهيكلة الرأي العام الدولي حول "فوبيا الإسلام" وتهويل قدرات القاعدة ,وتعطي بذلك مبرراً لخرق أنظمة الدول واستقلالها, وتسخير مؤسساتها ضمن شبكة عنكبوتيه مخابراتية مترابطة لمهام أمريكية بحتة, ويعد هذا غزو ناعم غير مرئي .
6.متابعة البرامج الإنسانية والبيئة وحقوق الإنسان كوسيلة ضغط سياسية واقتصادية. والعمل على تمكين الشركات من مد الجذور في مناطق ذات أهمية استراتيجية كبرى)[4](.
7.استمرار النزعة العسكرية وتعاظم قدرة المجمع الصناعي العسكري في صنع السياسة الخارجية وإذكاء الحروب والحروب الخاصة واستمرار مشاريع التطوير للأسلحة.
8. مزاوجة القوة الناعمة والذكية لإسناد الجهد الحربي الصناعي.
اعتمدت أدارة أوباما في تنفيذ الإستراتيجية الشاملة ومعالجة الملفات المتوارثة من إدارة بوش على مزواجة القوة العسكرية بالناعمة والذكية لتحقيق ما يسمى النصر في الحروب, وشهد العالم استثمار القوة الذكية وخطاب ناعم وجهد دبلوماسي ضاغط (القوة الناعمة) مع استخدام أقصى للقوة العسكرية والعمليات المخابراتية وتعشيق القسم الخامس من القدرة الشاملة الأمريكية[5] في مهامها لكسب الحروب القائمة, وبالتأكيد ان التقارب الامريكي الروسي قد منح روسيا حوافز سياسية وعسكرية واقتصادية مقابل إسناد الأخيرة للقرارات الأممية, والتي تعد المطرقة القانونية الأممية للضغط على دول المحور الاستراتيجي ,ويدخل في حيز الاحتواء وتخادم المصالح, وبرز جليا في تمرير قانون العقوبات ضد إيران وقبلها غزو العراق.
عناصر الإستراتيجية العسكرية الأمريكية:
اعتمدت الإستراتيجية العسكرية الأمريكية على المستويات التخصصية , وبالاستناد على المرتكزات القومية(أهداف الأمن القومي) )[6](, ويجري مزاوجة مقومات التطور الحالي(سلاح الردع-الفضاء-المعلومات) مع الغايات والأهداف إلى محتوى الإستراتيجية, ويقول الجنرال "شاليكاشفيلي Shalikashvili " في وصفه للإستراتيجية العسكرية الأمريكية ")[7]( إن الإستراتيجية العسكرية الوطنية، ذات المشاركة المرنة والانتقائية هي التي تصلح لتحديات القرن الحادي والعشرين وأحداثه"، كما إنها تلزمنا بالعمل ضد قطاع عريض من الأخطار، في سلسلة واسعة من البيئات المختلفة" وحدد أربع عناصر إستراتيجية وهي:-
1. يظل ردع الهجوم النووي ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في قمة أولويات إستراتيجيتنا العسكرية, إمكانية حدوث هجوم كيماوي أو بيولوجي، تمثل كابوساً بالنسبة إلى مخططي الحرب في الولايات المتحدة الأمريكية، وجنودها، وبحاريها، وطياريها، ولا يزال هذا الكابوس منذ حرب الخليج، يزداد سوءاً, ويعد هذا تحديداً استراتيجياً.
2. يمثل الفضاء الأرض العليا، كما إنه يعد وسيلة عمل فريدة، وربما يكون مسرحاً للعمليات المقبلة, وأضحت عمليات الفضاء عنصراً لا يمكن الاستغناء عنه في قوتنا العسكرية.
3. تقنيات المعلومات الحديثة والأفكار الابتكارية للعمليات المعلوماتية ستؤدي إلى إعادة شكل الحرب وربما طبيعتها، وفي هذا الصدد يقول الأدميرال "أوينز Owens " إن تقنية المعلومات هي هدية أمريكا للحرب")[8](.
4. تقدم العمليات الخاصة مجموعة قدرات فعالة، من خلال سلسلة إستراتيجية تكتيكية متصلة، كما تقدم سلسلة واسعة من الخيارات المرنة، في وقت السلم وأثناء الأزمات، وفي الحرب واستمرار الانتفاضات، وحالات العصيان والتمرد, ويعد الإرهاب جزءاً لا يتجزأ من الصراع الدولي.
متغيرات في الإستراتيجية الروسية
تعتبر روسيا الاتحادية لاعب محوري في المشهد الدولي, وهي الوريث السياسي والعسكري للاتحاد السوفيتي السابق, وقد ورثت مقعد دائم في مجلس الأمن ضمن صفقة تفتيت الاتحاد السوفيتي السابق, وقد توفرت لها عوامل صيانة القدرة التي تؤهلها للقيام بدور دولي , وتعد روسيا من الناحية الجيوسياسية محور التوازن في القارة الاوراسيوية, إذ هي تشكل القلب وتقترب جدا من قوس النفط والغاز ومنحنى الحروب والأزمات , وهذا يجعلها طرف محوريا في مسرح الصراع الدولي, وقد تمكنت روسيا ان تجتاز استراتيجيات وسيطة وصولا لمقعد الهيمنة والتنافس في العالم مع أمريكا بعد ان استنزفت الأخيرة قدراتها وتفوقها في حربي العراق وأفغانستان في ظل الفوضى الدولية وسيادة قانون الغزوات الامريكي في العالم, ولعل من ابرز سمات الإستراتيجية الروسية بعد انتهاء الحرب الباردة هي[9]:
1. الواقعية:
تتجسد هذه السمة في بناء سياسة براغماتية،تتعامل مع معطيات الصراع الدولي والمتغيرات الجيوبلوتيكية, وحجم التحديات التي تعترض بناء القوة والاقتصاد في روسيا.
2. براغماتية القيادة:
تتمثل في لجوء القيادة الروسية إلى قيم جديدة تعمل بها, حيث عمد رؤساء روسيا إلى إظهار وتأكيد قطع علاقات بلادهم بالماضي الشيوعي, والتخلي عن فلسفة الحرب الباردة, والانسجام مع البيئة الدولية ومتطلباتها.
3. الديناميكية:
تظهر ديناميكية أو فاعلية الإستراتيجية الروسية بمزاوجة صيانة القدرة التدريجي ضمن محددات المنهج الامريكي ، ويبدوا كخط إستراتيجي جديد في عصر العولمة وحرية الأسواق, مع الإصرار على وحدة الاتحاد الروسي.
4. المنافسة:
أجاز الدستور الروسي الجديد المنافسة على الأسواق العالمية, وسرعان ما تجلت في الإستراتيجية الروسية, من خلال إعادة ترتيب الأولويات، الذي انعكس في خطط الإصلاحات البنيوية الجديدة, وحركة الانفتاح المالي والاقتصادي على الخارج, وتعمل روسيا الاتحادية على بيع الأسلحة إلى الدول التي تستطيع دفع ثمنها.
5. المرونة:
تظهر من ملاحظة الاختلاف في المفاهيم بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية بخصوص مسألة الأمن العالمي وموقع المصالح الروسية منها, ففي حين ترى الولايات المتحدة مناطق العالم الحساسة على أنها جزء من النفوذ الغربي, وعلى الغرب تأمين الحماية اللازمة للمحافظة على الوضع السياسي القائم فيها, وتؤيد روسيا الجهود الجماعية في إدارة العالم وفق مفاهيم مشتركة.
تهدف روسيا الاتحادية الى إعادة هيبتها, وهو أمر يدفعها إلى تعزيز وضعها العسكري , وتغليب فلسفة المصالح والحوافز مع أمريكا ضمن اللوحة الإستراتيجية الكبرى, ونجد ان التنافس على الموارد والبقع الغنية مع تحديد سياق إدارة العالم عبر التوافق التنظيمي, وقد شهد العالم هذا المتغير التكتيكي من خلال تجميد الولوج الامريكي للقوقاز, وتحرير معاهدة ستار2 للحد من الأسلحة الاستراتيجة, والدرع الصاروخي ,والملف النووي الإيراني, وحوافز اقتصادية أخرى .
محددات التقارب الامريكي الروسي
أصبحت معايير الشرعية الدولية بالية ومنتهكة بالكامل, وتخضع لإرادة الولايات المتحدة لتشرعن حروبها وهيمنتها على الدول, وبالتجانس مع مصالح وتوافق الدول الكبرى حصرا ,ويفتقر النظام الدولي لأبسط المعايير الديمقراطية كالعدل والقانون وحقوق الإنسان, نظرا لطبيعته البنيوية التي تشكل عليها من المنتصرون في الحرب العالمية الثانية, ويبدوا ان العالم متفق على فلسفة السيد والعبد وفي الغالب السيد الدول الكبرى والعبد دول العالم الثالث, أذا ما قورنت بمستوى الخرق القانوني والإنساني والأخلاقي وحروب الهيمنة على موارد الدول واستعباد شعوبها , وأضحت مؤسسات الأعلام الأمريكية والغربية تنمط الإنسان المسلم والعربي بالإرهاب وفق المنظور الامريكي(فوبيا الإسلام) وقد شهدنا العقد العالمي في الحرب العالمية على الإرهاب والذي يتسق مع خلفية الصراع السوفيتي, وتعد نقطة تلاقي إيديولوجية ذات بعد سياسي وعسكري واقتصادي بين روسيا وأمريكا, وقد شهدت الساحة الدولية تحولات سريعة في موازين الصراع والتحالفات , وأن بزوغ روسيا والصين والبرازيل والهند كلاعب إستراتيجي على الساحة الدولية ,قد شكل قلق لواشنطن , وبذلك تبنت الإدارة الأمريكية إستراتيجية الاحتواء المزدوج , وإعادة تقديرها لطبيعة علاقاتها مع مختلف الدول, خصوصا بعد تراجع القدرة الصلبة(الاقتصادية-العسكرية) على اثر حربي العراق وأفغانستان المستعرة, وبعد حرب جورجيا , والمتغيرات الإستراتيجية العسكرية الروسية ,وتنامي القدرة الكروية الشمالية, ناهيك عن فتح ميدان سباق التسلح الروسي الصيني , وهذا يجعل أمريكا متأخرة عنه ,نتيجة المأزق المالي والأزمة الاقتصادية, ويجعلها تعيد حساباتها في شكل العلاقات الروسية الأمريكية ومنطقة آسيا, والتي تقوم على مبدأ توازن القوى ومنع حدوث تقارب بين القوى الآسيوية .
تمثل العلاقات الروسية الأمريكية تخادم مصالح روسي واحتواء أمريكي , فان السياسة الخارجية الأمريكية محاطة بملفات معقدة تحتاج الى مساعدة روسيا, كالملف النووي الإيراني, أفغانستان ,البرنامج النووي لكوريا الشمالية, وهنا تبرز المتغيرات الإستراتيجية الأمريكية من خلال التحول الى استراتيجية الاقتراب الغير مباشر, عبر التحالفات والحوافز وحروب الوكالة.
يعتقد الخبراء ان هذا التحول والتقارب تكتيكي وليس استراتيجي, لان السياسة الأمريكية تجاه موسكو لن تشهد تغييرات جذرية , على اعتبار أن الولايات المتحدة لا تزال ضمن بودقة الحرب الباردة , وأن أغلبية مؤسسات إنتاج السلاح وشركات النفط تجد في تصعيد التوتر بين البلدين يحقق مصالحها, كما ان الهدف الاستراتيجي ضمن حرب الموارد هو الهيمنة على النفط والغاز في أسيا, وتعتقد موسكو أن واشنطن ستجمد نشر أسلحتها الإستراتيجية الهجومية خارج أراضيها كحوافز,لغرض أبعاد روسيا من الوصول الى المياه الدافئة والشرق الأوسط, ولكن روسيا تسعى للمنافسة وليس لتوازن القطبية نظرا لتشابه واتساق المفاهيم السياسية والاقتصادية بينهما .
نعتقد ان هذا التقارب يخضع لفلسفة الاحتواء الامريكي للتنامي الروسي العسكري والاقتصادي, وضمان وجودها في النسق الدولي الذي ترغبه أمريكا ,وبالرغم من عوامل التصدع في القدرة الأمريكية تعد تلك معالجة استراتيجية أمريكية ذكية لصيانة القوة والنفوذ, خصوصا ان روسيا لا تختلف مع أمريكا في أدارة الأزمات والقضايا الدولية والعربية منها, ولم نشهد لها موقف مضاد او استخدام النقض في مجلس الأمن بوجه أمريكا في أزمات العالم العربي, وبرز ذلك جليا في حربي الخليج الثانية والثالثة والقضية الفلسطينية ,ولبنان وغيرها من الأزمات, وبذلك لا نجده متغير استراتيجيا في صيانة توازن القوى الدولية او توازن القطبية بل هو تقاطع مصالح وتخادم سياسي عسكري اقتصادي في مسرح الصراع الدولي وتقاسم نوعي للمغانم, في ظل غياب واضح للدور العربي في صناعة السياسة الدولية, وتجريف عناصر القدرة العربية وفق فلسفة الهندسة المعكوسة , وقد ألقت بظلالها على شكل الصراع في المنطقة والذي يتجه الى الفوضى .
24-7-2010
مركز صقر للدراسات الإستراتيجية
Saqr Centre for Strategic Studies
1. استهلاك الطاقة في أمريكا يجعلها تستورد نفط3.3مليون برميل يوميا من مجمل حجم استهلاكها9مليون برميل يوميا , انظر ديفيد ملير, اخبرني أكاذيب,بيسان للنشر والتوزيع والإعلام,بيروت,ط1 , ص 221.
2. يقصد هنا البيئة السياسية في الولايات المتحدة حيث تهيمن الشركات القابضة العملاقة المتعددة الجنسيات, المال, النفط, السلاح, السيارات, المرتزقة, المعلومات, الانشاءات..الخ على مصدر القرار عبر جماعات الضغط او على السياسيين وجنرالات الحرب التي أوصلتهم تلك الشركات إلى السلطة.
3. معهد "جون هو بكنز" للدراسات الدولية المتقدمة ورقة " ليك 1993, أسس الفكر العسكري الإستراتيجي.
4. تستخدم في الدعاية السياسية والعسكرية والإعلامية مصطلحات الخطاب المزدوج في تحرير الخطط والإستراتيجيات, ولا تجانس بين البرنامج الإنساني والديمقراطية وكوارث الحرب و استخدام القوة العسكرية.
5. مؤسسة بلاك ووتر تعتبر القسم الخامس من القدرة العسكرية الشاملة للولايات المتحدة., انظر,جيريمي سكاهيل,بلاكووتر اخطر منظمة سرية في العالم,شركة المطبوعات للتوزيع والنشر, بيروت,2008.
6. التخطيط لإستراتيجية للأمن القومي يتطلب حضور كافة المستويات التخصصية , السياسي, العسكري, الاقتصادي, الإعلامي,المالي,التصنيع العسكري.
7. الفريق "ريتشارد تشيلكوت - Richard Chilcoat " رئيس جامعة الحرب الأمريكية-محاضرة.
8. جامعة الحرب الأمريكية-أسس الفكر العسكري الإستراتيجي.
9. لمى مضر الإمارة, الإستراتيجية الروسية بعد الحرب الباردة وانعكاساتها على المنطقة العربية, مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت,ط1, 2009.