حزب الله": من المحلّي الى الدولي



حزب الله": من المحلّي الى الدولي


... في الثالث من حزيران، تمّ تناقل خبر مفاده أنّ زوجين لبنانيين اعتُقلا في أوهايو لمحاولتهما تهريب مبلغ 500000 دولار الى "حزب الله" عن طريق تخبئته داخل سيارة، والأسبوع الماضي، أعلن "الإنتربول" أنّه أوقف موسى حمدان (يحمل الجنسيتين اللبنانية والأميركية الذي وُجّه إليه اتهام في الولايات المتحدة العام الماضي) على خلفية الاشتباه بتهريبه الأموال الى "حزب الله" في منطقة ثيوداد ديل إيستي Ciudad del Este، في جهة الباراغوي من منطقة المثلّث الحدودي، سيء السمعة، بين البرازيل والأرجنتين والباراغوي. ويُزعم أنّ "حزب الله" أقام في تلك المنطقة قاعدة مربحة، يستخدمها لتمويل عملياته.
الزوجان من ولاية أوهايو ليسا الوحيدين اللذين يتم توقيفهما في الولايات المتحدة هذا العام بتهمة عمليات تهريب تتعلّق بـ"حزب الله". ففي شباط الماضي مثلاً، تم توقيف ثلاثة رجال أعمال من فلوريدا، لقيامهما بتهريب ألعاب فيديو، وغيرها من الالكترونيات الى مركز تجاري في الباراغوي، صنّفته وزارة الخزانة الأميركية كمؤسسة تستعمل كواجهة لتغطية أعمال "حزب الله". وقد سلّطت هذه الحادثة الضوء على الخطر الذي يمكن أن تشكّله قواعد الحزب اللوجيستية في أميركا الجنوبية.
لا تزال قضية مصادر تمويل "حزب الله" غامضة، ولا تزال ميزانية "حزب الله" موضع تكهّن. فمراقبو "حزب الله" يشيرون دائماً الى أنّ الحزب يتلقى مبلغاً يتراوح بين المئة مليون دولار الى مئتي مليون دولار سنوياً، وذلك من داعميه في إيران، وهو مبلغ قد يكون ارتفع بشكلٍ كبير عام 2006 لتغطية الخسائر التي تكبّدوها جراء الحرب التي شهدتها تلك السنة.
ويُقال أيضاً إنّ "حزب الله" يعتمد على مجموعة من المؤسسات التجارية غير الشرعية المنتشرة حول العالم. ووفقاً لتقرير صدر عام 2004 عن المدرسة الحربية البحرية الأميركية، فإنّ "حزب الله" يحصد مبلغ 10 ملايين دولار سنوياً من منطقة المثلث الحدودي وحدها. هذا عدا أصوله الموجودة في أفريقيا، والخليج الفارسي، أو حتى في الولايات المتحدة الأميركية. ويُزعم أنّ هذه المشاريع تغطي أنشطة مثل التهريب (مثلاً تهريب السجائر، وتهريب الأقراص المضغوطة CD و DVD، وقرصنة برامج وأنظمة الكمبيوتر، وتبييض الأموال، وتزوير العملة (بمساعدة إيرانية)، وفقاً لتقارير إعلامية، وشهادات رسمية تحدثت كذلك عن عمليات تهريب مخدرات وتجارة ألماس).
أما في لبنان، فإنّ تمركز نشاط "حزب الله" بين أفراد جماعته من الطائفة الشيعية الملتئمة والمتراصة والمنتشرة في البلاد الخارجية يجعل من الصعوبة بمكان على مؤسسات فرض تطبيق القانون وغيرها من المؤسسات ان تطلع على أعمال ونشاط شبكاتهم المثار الحديث عنها.
في معرض مناقشته لمصادر تمويل الحزب مع احد المراسلين عام 2004، أشار رئيس كتلة "حزب الله" في البرلمان النائب محمد رعد الى أنّ الحزب يعتمد في نشاطه على دعم "الشيعة المقتدرين". وهو قول تم استذكاره والركون إليه عندما سقطت الطائرة الإثيوبية، رحلة 409، وتحطّمت قرابة الشاطىء اللبناني هذا العام، فأقام "حزب الله" لأحد ضحايا الطائرة، حسن تاج الدين، مأتماً رسمياً، وتم التعريف عنه بأنه صاحب شركة "أروسفران" في أنغولا، التي يديرها مع أخوته. وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد عمدت الى تجميد رصيد وأصول أحد اعضاء مجلس إدارة الشركة، قاسم تاج الدين، في أيار من العام الماضي. وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنّ قاسم وأخوته يديرون العديد من الشركات التي تغطي أعمال "حزب الله" في أفريقيا، مشيرةً إلى أنّ قاسم "ساهم بإرسال عشرات ملايين الدولارات الى "حزب الله"، من خلال أخيه القيادي في حزب الله في لبنان". وقد سبق له أن سُجن في بلجيكا بتهمة التحايل على الضرائب بمبالغ كبيرة، وتبييض الأموال، والاتجار بـ "ماس الصراع".
شخص آخر من آل تاج الدين، هو علي تاج الدين قيل أيضاً إنه متورّط بتجارة "ماس الصراع" أي المستخرج من مناطق النزاعات، ولكنّه معروف في لبنان بشرائه مناطق عقارية واسعة في المناطق الدرزية والمسيحية. وبهذه الطريقة ساعد على تأمين تواصل جغرافي بين مناطق مختلفة حيث إنتشار الأغلبية الشيعية، والتي يُقال إنّ "حزب الله" قد أقام فيها "مناطق أمنية".
وبالطريقة نفسها التي قام فيها الحرس الثوري الإيراني بتأسيس العديد من المشاريع التجارية، يتشارك "حزب الله" مع رجال أعمال من أبناء الطائفة الشيعية منتشرين في الاغتراب. علماً أنّ ذلك بدأ يترك آثاره على مصالح الشيعة في الخارج. فمثلاً، في تشرين الأوّل من العام الماضي، ذاع خبر قيام السلطات الإماراتية بترحيل عشرات اللبنانيين الشيعة، لاتهامهم بالعمل الأمني على الأراضي الإماراتية لصالح "حزب الله".
بالإضافة الى اندماجه مع القواعد الشعبية الشيعية في لبنان، واستغلاله المناطق غير الخاضعة للقانون في دول ضعيفة أو لا تحترم القانون، يُتهم "حزب الله" وداعميه الإيرانيين بأنهم يتعاملون أيضاً مع دول شريكة في الأعمال غير القانونية مثل "فنزويلا". بحسب وزارة الخزانة الأميركية التي اتهمت في فنزويلا غازي نصرالدين بلعب دو المسهّل لأعمال "حزب الله"، والخبير المالي الموظف لدى الحكومة الفنزولية.
السلطات الأميركية تنظر الى هذه القواعد سواء في أميركا اللاتينة أو على طرق العبور والترانزيت (عبر المكسيك) بالكثير من القلق نظراً للخطر الذي يُحتمل أن تشكّله على الأمن القومي الأميركي. فمثلاً، جرى اقتراح فرضية أن تكون التفجيرات التي حصلت في "بوينس آيرس" في أوائل التسعينات قد تمّ التخطيط لها في منطقة المثلث الحدودي، مع احتمال تورط أرفع المسؤولين في النظام الإيراني في هذه العملية.
عندما أعلن أمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله، بعد حادثة اغتيال القائد العسكري في الحزب عماد مغنية عام 2008، أنه جاهز لـ "حرب مفتوحة" تتخطى حدود مسرح العمليات اللبناني، لم يكن يبالغ. إذ إنّ مسار الأحداث منذ أوائل التسعينات تشي بأنّ "حزب الله" يعتمد في تعزيز قدراته على المواجهة على إشادة بنى تحتية تتخطى المحلي نحو العالمية.